الخميس 2022/07/07

آخر تحديث: 11:35 (بيروت)

تقييم التجربة الانتخابية في دائرة الجنوب الثالثة

الخميس 2022/07/07
تقييم التجربة الانتخابية في دائرة الجنوب الثالثة
تكريس أمر واقع جديد في مواجهة قوى الثنائي الشيعي (المدن)
increase حجم الخط decrease

أولاً، من الناحية الإيجابية:

أ- انخراط أحزاب يسارية عقائدية في المعركة الانتخابية كالحزب الشيوعي اللبناني، إلى جانب حركات ومنظمات يسارية أخرى ذات طابع علماني كمنظمة "نبض الجنوب-نجم" ومنظمة العمل اليساري الديمقراطي ومواطنون ومواطنات في دولة (ممفد) وحزب الطليعة القومي اليساري ومنظمة "لحقي"، بالإضافة إلى منتفضي الساحات والمستقلين والفعاليات المدنية والاجتماعية في المناطق ومشاركة قوى تقليدية أخرى.

ب- تشكيل لائحة كاملة من مستقلين يحملون أفكاراً إصلاحية وتغييرية، لهم تجارب سابقة في مواجهة العدو الإسرائيلي، ومن ثوار الساحات يتمتعون بالخبرة المهنية والاختصاصات المطلوبة وبسمعة اجتماعية جيدة وبتاريخ نضالي وطني، باستثناء مرشح حزبي وحيد ينتمي للحزب الشيوعي، ثم أضيف للائحة مؤخراً مرشح عن (ممفد) هو نزار رمال.

ج- نجاح هذا الائتلاف من القوى اليسارية والوطنية المتنوعة في إعداد وصياغة برنامج انتخابي موحد، شكل الحد الأدنى للقناعات المشتركة، وساهم في توحيد قوى المعارضة والتغيير، وأجهض إمكانية قيام لائحة موازية في مواجهة لائحة الثنائي.

د- تحقيق الفوز بمقعدين في دائرة (مرجعيون-حاصبيا) بالرغم من الإمكانيات المادية المتواضعة.

هـ- المساهمة في إغناء تكتل قوى المعارضة والتغيير في البرلمان المنتخب حديثاً.

و- مشاركة أحد وثلاثين ألف ناخب في صنع هذا الانتصار في المناطق الصغرى الثلاث المكونة لمنطقة الجنوب الثالثة، وتكريس أمر واقع جديد في مواجهة قوى الثنائي الشيعي لأول مرة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وكسر قيود الهيمنة الثنائية في تلك المنطقة وبروز حالات قيادية شعبية جديدة من مرشحين أقوياء ومجتمع مدني منتفض ومعارض، ومناخ جديد لممارسة الديموقراطية.

ز- وجود لجنة سياسية مركزية ولجان تنسيق في المناطق وماكينة انتخابية حول بعض المرشحين، وإقامة بعض المهرجانات المركزية والمحلية بالتواصل مع المجتمع المدني في عدة مناطق.

ح- قبول الرأي الآخر ضمن مكونات اللائحة، وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية، رغم وجود بعض التجاذبات السلبية فيما بينها.

ثانياً، في السلبيات:

أ- تأخر قوى المعارضة عن الاستعداد لهذه المعركة. فبدأت التحضيرات قبل موعد الانتخابات بخمسة أشهر، وكان ينبغي التحضير لها قبل سنتين على الأقل.

ب- لم توفق هذه اللائحة بضم مرشحات إليها كونها تعبر عن حالة تقدمية وتغييرية بشكل عام.

ج- ضعف وضآلة الإمكانيات المالية وإضاعة عدة فرص للحصول عليها بطرق قانونية وشرعية سليمة بسبب مواقف بعض القوى اليسارية العقائدية.

د- التغطية الإعلامية كانت متواضعة جداً.

هـ- إضاعة بعض الوقت في سجالات ومناقشات لم تكن مجدية بسبب سوء التخطيط والتنظيم ومسايرة بعض المرشحين من خارج اللائحة.

و- التعاطي السلبي من قبل رموز لائحة الثنائي بأساليب التهديد أو التخوين أو الضغوط المادية في عدة مناطق جنوبية، في محاولة إخافة المؤيدين وإنكفائهم عن التصويت، وإستعمال الرشى والمال السياسي في مواجهة لائحة "معاً نحو التغيير" بصورة غير قانونية.

ز- عدم إمكانية تغطية جميع مراكز الاقتراع بالمندوبين الثابتين أو المتجولين بنسبة لا تقل عن (40%) بسبب قلة الإمكانيات المادية وسيطرة قوى الثنائي عليها بصورة شبه مطلقة.

ح- عدم اللجوء إلى عقد اجتماع تقييمي عام من قبل القوى السياسية مجتمعة مع المرشحين والمستقلين والمشاركين بوجه عام في هذه المعركة الانتخابية، الذين وقفوا في ساحات المواجهة مع قوى الثنائي الشيعي وحلفائه بصورة مشرفة.

ط- لم تنجح هذه التجربة بنسبة عالية في توحيد القوى السياسية التي شاركت في الانتخابات، لتشكل قاعدة إنطلاق مستقبلية في استكمال مسيرة التغيير والمعارضة بوجه السلطة، بل اعتبرت بعض هذه القوى أنها هي التي حققت هذا الانتصار بمعزل عن سائر القوى الأخرى، وتفردت في إعلان هذا الموقف.

نافذة على مستقبل قوى التغيير والمعارضة واقتراحات عملية
بعد نهاية المعارك الانتخابية في منتصف أيار من العام 2022، استطاعت قوى المعارضة والتغيير من اختراق المجلس النيابي بعدد لا بأس به من المقاعد النيابية، حاملة شعارات منتفضي ساحات قوى السابع عشر من تشرين للعام 2019، وتشكيل تكتل نيابي من ثلاثة عشر نائباً وعدداً إضافياً من نواب المعارضة وبعض المستقلين، مما أخل بالتوازنات السابقة المرجحة لأحزاب السلطة التقليدية، ودخول معادلة جديدة تشكل منطلقاً للتعبير عن حاجات الناس، واعتماد أساليب حديثة في التشريع والرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة، عدا عن التواصل والتنسيق مع قوى المعارضة والتغيير خارج قبة البرلمان، حيث يستمد هذا الائتلاف أو التكتل قوته التمثيلية من أنصاره ومؤيديه، بصورة أكثر مرونة وفعالية في اتخاذ المواقف والتعبير عنها بقوة لم يسبق لها مثيل منذ ما بعد اتفاق الطائف، مع الإشارة إلى أن هذه القوى ما زالت لا تحوز على الأكثرية النيابية داخل البرلمان، ولم يتم التعاون معها لإعطائها الدورالتشريعي أو الرقابي الفعال في ممارسة عمل اللجان النيابية، إلا بنسبة متدنية من قبل الكتل المؤيدة للسلطة التقليدية.

بناء على ما تقدم، ماذا ينبغي على قوى المعارضة والتغيير أن تفعل من أجل استكمال مسيرتها النضالية لتحقيق أهدافها ذات الصلة، بقيام دولة القانون والمؤسسات بكافة جوانبها، ومن أجل إحداث آلية للتغيير تكون على مستوى دقة المرحلة وتعقيدات أزماتها المزمنة والمتراكمة، ومن أجل وضع حد لمنظومة الفساد ومحاسبتها على كل الجرائم المالية والتسبب بهذا الكم الهائل من الانهيارات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والنقدية، وانعدام الثقة المحلية والدولية بهذه الدولة الفاشلة.

لذلك، فإننا نقترح ما يلي:

أولاً: تشكيل قيادة جماعية لقوى المعارضة والتغيير على المستوى الوطني.

لقد تبين من خلال التجربة بأنه لا يمكن لأي جهة سياسية، مهما كان حجمها أو قدراتها المادية والبشرية، أن تحقق تقدماً سياسياً أو اقتصادياً أو قانونياً وإدارياً من دون وجود إطار قيادي، يرسم لها أهدافها العامة ويرشدها إلى أفضل السبل في خوض معاركها السياسية، في مواجهة منظومة الفساد والتخلف في النظام السياسي أو الاقتصادي والمالي والنقدي وخلافه، أو على صعيد ابتكار القوانين والأنظمة الإدارية والتنظيمية للدولة، وحيث يستدعي ذلك الاستعانة بالخبرات المطلوبة والمتنوعة من ذوي الخبرة والاختصاص.

ثانياً: لا بد لهذه القوى مجتمعة من وضع "برنامج وطني مرحلي" تلتف حوله قوى المعارضة والتغيير بصورة مبدئية، ويكون معبراً عن جوهر الأزمات المتعددة للنظام السياسي في لبنان، ويرسم التوجهات العامة الأساسية بحسب الأولويات المرحلية، ويشكل الإطار الجامع لهذه القوى ومعبراً للتواصل مع القوى التي تتشارك معها في ظل الظروف الراهنة.

ثالثاً: يكون على عاتق هذه القوى، دعوة جميع قوى المعارضة والتغيير ومكوناتها الأساسية التي خاضت بقوة المعركة الانتخابية الأخيرة، إلى عقد لقاءات مناطقية موسعة، للتشاور فيما بينها حول تأسيس جبهة وطنية شاملة، وتتويجها بلقاء مركزي موسع، ينبثق عنه برنامج سياسي واقتصادي ومالي ونقدي وتربوي وبيئي وصحي واجتماعي وخلافه، ليشكل برنامجاً عاماً لهذه القوى على المستوى الوطني، يكون عابراً للمناطق والطوائف والمذاهب، ومن ثم التخطيط لعقد مؤتمر وطني مركزي يضم إلى جانب هذه القوى، قوى سياسية واجتماعية وثقافية وتربوية وخلافها، لإعطائها المزيد من التمثيل الشعبي والاجتماعي.

رابعاً: تشكيل لجان قيادية في المناطق لقوى التغيير والمعارضة، ينبثق عنها "مكتب سياسي مركزي"، أو "قيادة مركزية" على المستوى الوطني، يجتمع بصورة دورية وعندما تدعو الحاجة، ويشكل حلقة الوصل بين قوى التغيير والمعارضة من جهة، وبين هذه القيادة ونواب التغيير والمعارضة في المجلس النيابي من جهة ثانية.

خامساً: اعتماد وسائل الإعلام والإعلان والتواصل الإجتماعي للتعبير عن جميع الخطوات المطلوبة أو المنوي اتخاذها من وقت لآخر، ومن أجل التواصل مع قوى التغييرو المعارضة فيما بينها، ومع المغتربين اللبنانيين بوجه خاص.

سادساً: العمل الدؤوب على توفير جميع الإمكانيات المادية والبشرية، لا سيما الشابة منها، والمالية، من أجل إنجاح وتطوير جميع الخطوات المطلوبة وتأمين جميع المستلزمات اللازمة لإنجاح الانتخابات اللاحقة.

سابعاً: محاولة تثبيت وتسمية كتلة برلمانية رسمية بإسم مجموعة قوى المعارضة والتغيير، تعتمد أسلوب الشفافية والمرونة في الانفتاح على سائر الكتل البرلمانية الأخرى في القضايا الوطنية الجامعة، وتشكيل حلقة اعتراضية واسعة في وجه القضايا التي لا تصب في المصلحة الوطنية.

ثامناً: اعتماد الشفافية والأساليب الديموقراطية في التعاطي بين هذه الكتلة البرلمانية مع جمهورها والقوى السياسية المختلفة، لجهة التشاور أو الاستفتاء أو التصويت على اقتراحات القوانين الجوهرية أو المصيرية، وعدم التفرد في اتخاذ المواقف من قبل نواب الكتلة، من دون التفاهم مع الزملاء، أو بما يتعارض مع التوجهات الوطنية العامة للمكونات السياسية، وخصوصاً في القضايا المصيرية والحساسة.

تاسعاً: اعتماد أسلوب الانفتاح على الآخر في المجلس النيابي من قبل كتلة المعارضة والتغيير، وعدم الانغلاق أو التقوقع، وقبول التنوع ضمن الوحدة في بعض المواقف كأسلوب ديموقراطي لحرية التعبير عن الرأي، وبما لا يتعارض مع المصلحة الوطنية ووحدة الكتلة، والابتعاد عن الجمود العقائدي أو العصبوية في اتخاذ المواقف المبدئية، وتوسيع إطار التفاهم مع الغير لتأمين الأغلبية في المجلس النيابي في الإستحقاقات المختلفة.

عاشراً: العمل على وضع ميثاق عام أو شرعة تنظيمية وسياسية وطنية، لهذا التجمع الائتلافي، ليشكل الإطار الفكري والتنظيمي التوحيدي العام لهذه القوى.

حادي عشر: تشكيل "أمانة سر" و"مكتب تنفيذي" أو هيئة مصغرة لإدارة العمليات ومتابعة تنفيذها عند الضرورة، وتشكيل لجان متخصصة في القضايا الأساسية المطلوبة على جميع الأصعدة.

ثاني عشر: اعتماد أسلوب اللقاءات الموسعة لا سيما عند الاستحقاقات المهمة، أو لتقييم استحقاقات سابقة، من أجل تعميم الشفافية في العمل، ومشاركة الجمهور في صنع القرارات المصيرية الحساسة أو ذات الأهمية، وتأمين استدامة التواصل مع الجمهور وثوار الساحات والمجتمع المدني في مواعيد محددة شهرية أو فصلية أو سنوية، وكلما تدعو الحاجة.

وأخيراً، ألفت النظر إلى أن هذا الاقتراحات ليست نهائية، وهي قابلة للتعديل أو التبديل من قبل كل ذي خبرة وإختصاص، راجياً إبداء الرأي من كل حريص أو ناقد أو غيور على المصلحة الوطنية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها