الجمعة 2022/07/15

آخر تحديث: 11:18 (بيروت)

التدقيق في المكان الدقيق

الجمعة 2022/07/15
التدقيق في المكان الدقيق
معروفة ومحفوظة النكسات والمصائب التي تراكمت خلال هذه الفترة الرئاسية (Getty)
increase حجم الخط decrease

أدرك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنه أخفق في إحداث تغيير إيجابي في لبنان، كما سبق أن وعد جمهوره واللبنانيين بعد وصوله إلى سدة الرئاسة الأولى، التي انتظر الوصول إليها فترة ليست قصيرة.

انتظر العماد عون منذ نهاية ولاية الرئيس أمين الجميل في 23 أيلول 1988، أي نحو 28 سنة حتى وصل إلى رئاسة الجمهورية. وخاض خلال هذا الانتظار سباقاً لم يكن في خط مستقيم بل في خط متعرج، للوصول إلى قصر بعبدا في تشرين الأول 2016، وقدم الكثير من الجهود والخدمات، وقام بالكثير من الخطوات والتحالفات والعداوات، وعقد العديد من الصفقات. ولما وصل حاملاً كل آماله وأحلامه وآمال من صدقه، لم يستطع أن يحقق خطوة واحدة معتبرة، تسجل في سجله ليعتز ويفتخر بها، تمكّنه من القول إنها تحققت وظهرت وأثرت وباتت إنجازاً يسجل له خلال ولايته.

معروفة ومحفوظة النكسات والمصائب التي تراكمت خلال هذه الفترة الرئاسية. ومن دون الدخول في الأسباب وظروف تراكم الفشل، فإن العماد عون يركز الآن فيما تبقى له من أيام رئاسية، على تحقيق عدد من الخطوات تمكنه من القول مع نهاية الولاية العونية إنه حقق كذا وكذا وكذا. لكي لا يخرج خالي الوفاض. وهذا حقه بطبيعة الحال.

من الواضح أن رئيس الجمهورية حدد جدول أعمال متواضع يمكنه من القول إني حققت أمراً ما أو فتحت الطريق لأمر ما نجح في تحقيقه، خصوصاً أنه كرر أكثر من مرة أنه سيسلم خلفه لبنان أحسن مما كان. ولما تبين أن هذا "الأحسن مما كان" ليس أمراً واقعياً أو ممكناً، انصب الاهتمام على تحقيق خطوات يمكن الادعاء والقول إنها فريدة ونوعية.

من هذه الخطوات الموعودة أو المأمول بها اعتقال وسجن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وهذا أمر لا تخفيه قاضية قضاة العهد مدعي عام جبل لبنان المخلصة غادة عون، التي تلاحق الحاكم الفار من شارع إلى شارع.

الخطوة الثانية المأمولة هي التدقيق الجنائي، حيث يمكن القول للرأي العام إذا ما أنجز قسطاً ما، إن هذا التحقيق وهذه هي الأرقام والتي يجب أن تتابع.

في الواقع، ما من أحد قادر على الدفاع عن سياسة وتصرفات حاكم مصرف لبنان، الذي ارتكب بالتعاون مع أغلب القوى السياسية المسيطرة، الكثير من الموبقات والجرائم بحق لبنان وحق الاستقرار والاقتصاد والتوازن المالي.

لكن الاكتفاء في التدقيق بسجلات وأعمال الحاكم بأمر مصرف لبنان بمفرده، أمر فيه الكثير من المبالغة الدرامية والهزالة السياسية والإعلامية والبعد عن العدالة والمنطق والتوازن في الحكم والأحكام.

إن الإنصاف يقتضي فتح كل السجلات، والسير نحو محاسبة كل من ساهم في تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية في لبنان. وأول القطاعات الواجب البحث في خفاياها وأرقامها هو القطاع الذي تسبب وما يزال يتسبب بالقسم الأكبر من الكارثة اللبنانية. وهو قطاع الطاقة بكل أنواعها، وتحديداً الطاقة الكهربائية والمائية.

الإنصاف يقتضي الاعتراف أن قطاع الكهرباء الذي أهان ويهين الشعب اللبناني، وأنهك ميزانيته وما يزال، هو قطاع الكهرباء الذي تسلم زمامه التيار الوطني الحر وعلى رأسه جبران باسيل حتى اليوم.

المفارقة المدهشة أنه رغم كل هذا الفشل والكوارث، يرفض الباسيل الفريد من نوعه الاعتراف بفشله، ويصر على المكابرة والتمسك بهذا القطاع والاحتفاظ بالسيطرة عليه وإدارته.

تقول المعلومات -المسلم بها من أغلب الخبراء- إن قطاع الكهرباء كلف الخزينة حتى الآن نحو 50 مليار دولار من الديون والعجز، وبما يقارب نصف الدين العام اللبناني. والنتيجة كانت ولا تزال صفر كهرباء. وكما هو ظاهر، ما من أمل بتغير الأرقام والمعطيات. وكل ذلك بسبب السياسة التي اتبعها تيار العهد المسيطر، والذي يعدُ نفسه باستمرار السيطرة على القطاع بأعين مفتوحة وصوت مرتفع، وبتغطية من القوى الحليفة له وفي مقدمها حزب الله، الذي لا يتخلى عن الحلفاء مهما كانت النتائج التي يتسبب بها هؤلاء الحلفاء!

بمعنى آخر، إذا كان الاتجاه الآن إلى إجراء التدقيق الجنائي لكشف أرقام وحقائق الكارثة المالية والاقتصادية اللبنانية -وهذا ضروري- لماذا لا يكون التدقيق في المكان المناسب؟ أي في قطاع الطاقة وقطاع الكهرباء تحديداً، وعلى وجه الخصوص قضية البواخر التركية وما رافقها من سمسرات وعمولات طالت روائحها أغلب الأطراف المؤثرة آنذاك.

وطالما أن الحديث يفترض أن يجري عن الهدر وإضاعة الفرص، ماذا عن السدود الفاشلة والتخبط في ظل انقطاع المياه وغيابها عن المنازل والقساطل والحقول، وفشل أغلب الخطط المائية؟

بينت الأرقام والوقائع أن أغلب مشاريع السدود التي جرى العمل عليها قد فشلت، وهدرت أموالها من سد المسيلحة الذي يشكل اختفاء المياه من حوضه فضيحة الفضائح، إلى باقي السدود التي هدرت عليها الأموال اللبنانية.

لقد نجحت حملات المنظمات البيئية في إيقاف مشروع سد بسري في اللحظة المناسبة. وحتى الآن اُنقذ مرج بسري من التدمير شكلياً ومرحلياً، لكن في المقابل دمرت مروج أخرى وأزيلت مناطق حرجية نادرة وضرورية في أكثر من مكان.

مئات ملايين الدولارات أنفقت على السدود الفاشلة، التي أصرّ التيار على إقامتها، ومنها بعد المسيلحة سد بلعة وسد جنة وبريصا والقيسماني.

وتقول المعلومات إنه أنفق على سد جنة: مليار دولار. وكانت النتيجة تدمير وادي إبراهيم فقط.

سدّ بريصا، كلّف 27 مليون دولار، في حين كان المبلغ الذي رصد له في الخطة 3 ملايين دولار. وقد فشل في تجميع المياه بسبب طبيعة الأرض، فقد تبيّن وجود تفسّخ في الصخور، ولا يمكن بناء سدّ في المنطقة. وعلى الرغم من ذلك، وافق مجلس النواب على قرض جديد له في العام 2019 بقيمة 8 ملايين دولار، لترقيع أرضيته. ومع ذلك، لم ينجح في تجميع المياه.

وسد القيسماني: وصلت كلفته إلى 30 مليون دولار، ولم ينجح في تجميع المياه.

هذا من دون أن ننسى كارثة الكوارث في قطاع الاتصالات، نتيجة القرارات التي تولاها وزير التيار الوطني الحر نقولا صحناوي 2011- 2014 ومن تبعه من وزراء، حيث قام بتحويل قطاع الخلوي من إدارة الـBOT، التي كانت تدر أموالاً بالعملة الصعبة على الخزينة، وكان يعرف بنفط لبنان، إلى إدارة الدولة بشكل كامل، وما رافق ذلك من ارتفاع في نسبة الإنفاق والهدر والتوظيف الزبائني، بمئات ملايين الدولارات. وقد كشف آخر تقرير لديوان المحاسبة حقيقة الأرقام المهولة التي أُنفقت وضاعت في هذا القطاع الحيوي، والذي تحول إلى قطاع فاشل سيشكل مشكلة كبرى في الضغوط على كاهل المواطنين، بعد قرار رفع الأسعار والفوترة الأخيرة غير المنصفة.

إزاء كل ذلك، هل سيحوّل العهد المتشوق للإنجاز، التدقيق إلى مكانه الدقيق؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها