وفي معركة تميزت برائحة المال التي فاحت خصوصًا في الشارع السني، بعدما اعتبرته اللوائح "ساحة سائبة" بعد تعليق سعد الحريري العمل السياسي لتياره، لم ينل الحشيمي الجزء الأكبر من الأصوات. بل تقدم عليه المرشح السني محمد حمود على لائحة "الكتلة الشعبية" التي لم تبلغ الحاصل. وحلّ الحشيمي ثانيًا بعدد أصواته التي نالها، أي 3865 صوت، وكان الثالث بعدد الأصوات بعد مرشحي القوات جورج عقيص والياس إسطفان على لائحة تحالفه مع القوات اللبنانية. إلا أن الحشيمي تمايز عن القوات اللبنانية في بداية دخوله إلى البرلمان، حتى ولو وصل في سلة واحدة مع "لائحة زحلة السيادة" التي شكلتها القوات منفردة، واعتُبر الأقرب إلى خطابها وشعاراتها التي رفعتها، ولا سيما بمواجهة "حزب الله"، رافضًا تسليم مقعد زحلة السني في دائرة زحلة للحزب وحلفائه.
لا شك أن الحشيمي كان واضحا منذ البداية، معتبرًا أن تحالفه مع "القوات اللبنانية" لا يعني أن فوزه سيكون لمصلحتها. وتركت"القوات" للمرشح السني على لائحتها حرية التحرك بشارعه، ونأت بنفسها عنه. ورفض منها الحشيمي كل دعم مالي لحملته. وهو لا يزال يقول إن التحالف مع القوات كان من ضروريات القانون الانتخابي الذي يلزم المرشح "العاقل"، إذا كان جادًا في الوصول إلى البرلمان، بأن يتحالف مع لائحة قوية قادرة على تأمين الحواصل.
ومن هنا يمكن تفسير أداء الحشيمي تحت قبة البرلمان بشكل متحرر عن توجهات القوات اللبنانية وقراراتها، من دون أن ينسب قراراته مباشرة الى الرئيس فؤاد السنيورة الذي يقول أن التنسيق معه قائم ويتم التداول بالكثير من الأمور.
حرية الناخب والتصويت لبري
جاءت أولى ترجمات التمايز بين القوات والحشيمي، في انتخاب رئيس مجلس النواب نبيه بري. وقد احتسب صوت الحشيمي من ضمن الأصوات التي أمنت فوز الرئيس بري. فيما كان موقف القوات اللبنانية العلني عدم التصويت لبري.
لكن الحشيمي لا يفصح صراحة عن تصويته لبري، معتبرًا أن الاقتراع خيار شخصي يعبر عن القناعات الشخصية، ولا أحد ممن ينتقدونه كانوا معه ليعرفوا لمن صوت. ويضيف: "هل سأل بلال الحشيمي من لم يصوت له في الانتخابات النيابية لماذا حجب صوته عنه؟ كل شخص لديه قناعته يعبر عنها في الصندوق، ولا يحق لأحد أن يختار عنه". وفي ما يتعلق بتمايزه عن حليفيه في اللائحة جورج عقيص والياس إسطفان، يشدد الحشيمي على كونه خاض الانتخابات مع القوات في تحالف انتخابي، ولكنه ولم يقل قط إنه سيكون من ضمن كتلتها أو يلتزم بتوجهاتها.
نسأله ألم يكن التوافق على الخطوط السياسية العريضة الأساس في هذا التحالف؟ فيجيب: "التنسيق مباشر مع القوات ولا مشكلة في الموقف السياسي لا بل على العكس. ولكن لكل منا طريقة تفكير مختلفة عن الآخر، ومنطق مختلف، ومعطيات مختلفة".
ويصر الحشيمي على إبقاء انتخابه لبري مبهمًا، فيرفض الإفصاح عن القناعات التي تجعله يصوت لرئيس المجلس الذي يشكل مع "حزب الله" ثنائيًا. ولكنه يقول في نهاية المطاف إن بري كان سيفوز بالرئاسة، وهو "طالع طالع فيي أو بلاي، فلماذا يكون هذا مشكل بحد ذاته؟".
شتات السنة البقاعيين
وعن تناقض وجهة تصويته- إذا صحت- مع العنوان الذي رفعه في معركته حول رفض تسليم المقعد السني ل"حزب الله" وإيران، يجدد الحشيمي الحديث عن النوايا السيئة التي تدفع إلى طرح هذه المسألة. ويتساءل: "لماذا لا يسأل موجهو الانتقادات إليه عن ما حصل في انتخاب اللجان والاتفاقات التي عقدت، والكانتونات التي شكلت الكتل الكبيرة لتهيمن على انتخابات اللجان". ويضيف: "كان الأمر وكأنه عادي أن يجتمع الكل مع الكل ويدعم الكل". وهو يعتبر "ان هذه الانتخابات جاءت ترجمة لتكتل الكتل الكبيرة التي أشعرتنا بضعف موقفنا وبتدهور حالتنا كنواب سنة في هذه المعركة. فنحن لسنا مرتاحين لأننا في تشتت عميق جدًا، ونحتاج إلى معجزة لتجاوز هذه التشتت".
ويكشف الحشيمي أن ضعف الموقف داخل المجلس النيابي جعل عددًا من النواب المستقلين الذين يتشاركون الرؤيا في تكتل أو لقاء بات يضم حتى الآن 11 نائبا، أغلبهم من النواب السنة إلى جانب النائبين غسان سكاف وسجيع عطية.
ويقول الحشيمي: "في نهاية المطاف، إذا بقينا مشتتين لن نتمكن من الوصول إلى شيء. فالرئيس الحريري كان يسد فراغًا كبيرًا لدى السنة. وكانت الأمور أسهل بكثير بوجوده. ونحن اليوم بحاجة للتعاون لإيصال صوتنا بشكل واضح. خصوصًا أن الكتل في المجلس ليست سهلة. ومعظم تنسيقنا في اللقاء لكي نكون مجموعة تتمكن من أن توصل صوتنا في اللجان أو البرلمان".
السنة ورئاسة الحكومة
أولى المواقف الموحدة لهذا اللقاء قد تتبلور في استحقاق تسمية رئيس الحكومة المقبل. والموقع لن يكون محسومًا للسني الأقوى هذه المرة، مثل موقع رئاسة مجلس النواب، طالما أن لا قوة سنية في البرلمان. ويقول الحشيمي: "سنحاول الخروج بموقف موحد في تسمية رئيس الحكومة، ونخرج من الاستشارات بصوت واحد، يترجم إرادة النواب المستقلين في سائر المناطق".
فهل يمكن أن يشارك هذا اللقاء بالحكومة، أم يبقى في صفوف المعارضة؟ الحشيمي يؤكد: "المعارضة بمعنى أن نبقى خارج الحكم مرفوضة لدينا. وحتى لو ضمت الحكومة "حزب الله" يجب الاعتراف بأن الثنائي الشيعي هو مكون أساسي من مكونات المجتمع اللبناني وتركيبته السياسية. ولا يمكن السير بحكومة من دونه. فذلك يكون سببًا لتعطيل إضافي. فإما أن نعيش في هذا البلد معًا، مع جعل حدودنا لبنان ومصلحته أولًا، أو لا يمكن الاستمرار. حان الوقت ليكون المواطن اللبناني هو الأساس". وفي موقف الحشيمي هذا مؤشر إلى تباين آخر مع الموقف الذي تتخذه القوات اللبنانية حيال المشاركة في الحكومة الجديدة.
لكن انتخاب بري والموقف من الحكومة المقبلة ليسا من مظاهر التمايز الوحيدة. وقد بدأ الجدل منذ لحظة انتخاب الحشيمي عندما ظهر في زيارة إلى منزل نائب "حزب الله" الفائز رامي أبو حمدان. وقد أثارت الزيارة الدهشة بعد حملة عنيفة تخللتها تهم بتمزيق صور وحجز حريات ودفع أموال، وغيرها من الشعارات التي كان يمكن أن تزيد الشرخ داخل المجتمع البقاعي الواحد. لكن الحشيمي يضع الزيارة في إطار "رد الرجل". ويقول إن ابو حمدان زاره مهنئًا، فكان "من الذوق واللياقة" أن يعيد له الزيارة. وهو يتحدث عن استعداد جميع نواب البقاع للقاء على طاولة واحدة من أجل بحث قضايا المنطقة الإنمائية. وذلك تلبية للدعوة التي وجهها إليهم رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب. فالهمّ مشترك، وهو إهمال المنطقة إنمائيا".
لكن كيف يمكن تنمية منطقة بلا حل سياسي شامل؟ وهل الحرمان في زحلة وقضائها منفصل عن الحرمان التام الذي بات يعيشه اللبنانيون بسبب تدهور الواقع السياسي والمالي؟
يقول الحشيمي: "لدينا مشاكل كبيرة وإذا وضعنا جهدًا مشتركًا للإنماء، ليصل المواطن إلى أبسط حقوقه التي يمكن تأمينها، يكون ذلك مفيدًا للمنطقة". في الأثناء يولي الحشيمي اهتمامه لتعيين مفت في البقاع. وقد بحث الأمر مع الرئيس نجيب ميقاتي، سعيًا لملء الفراغ في الموقع الديني، أقله إذا كان ملء هذا الفراغ سياسيًا غير ممكن حاليًا".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها