الجمعة 2022/06/24

آخر تحديث: 16:27 (بيروت)

دينامية الزعامة السنية:الحريري حفظ حضوره بتسمية ميقاتي لا سلام

الجمعة 2022/06/24
دينامية الزعامة السنية:الحريري حفظ حضوره بتسمية ميقاتي لا سلام
رئاسة الحكومة هي البوابة الوحيدة لحفظ مكاسب الزعامات السنية داخل النظام (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease
كشفت الاستشارات البرلمانية الإلزامية، التي أفضت الى تكليف الرئيس نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة، الكثير من الدلالات التي تتجاوز إمكانية تأليف الحكومة من عدمها، وتصل إلى دينامية العلاقة السياسية التي تربط الزعامات السنّية التقليدية، وكان رمزها هذه المرة، ثنائي نجيب ميقاتي وسعد الحريري. 

حريريون بلا الحريري
في الشكل، سجّل تكليف ميقاتي لتشكيل حكومته الرابعة بأصوات أقل من نصف نواب البرلمان (54 صوتًا)، بعض السوابق السياسية، ومنها: هذه أول استشارات إلزامية يجريها الرئيس ميشال عون في عهده بعد أول انتخابات برلمانية يغيب عنها زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، ولا يكون مرشحًا طبيعيًا ومنافسًا لرئاسة الحكومة. وهذه أول استشارات أيضًا، بلا زعامات سنية تقليدية في البرلمان، وبلا كتل سياسية ترتبط بها بوضوح وليس بطريقة مستترة.  

وإذا كان ميقاتي لم ينل شرعية تأييد تكتل سياسي سني وازن في البرلمان، نظرًا لتشتت خريطة توزيع 27 نائبًا سنيًا بعد انسحاب كتلة المستقبل، إلا أنه نال أصوات 15 نائبًا منهم. ونحو نصف هؤلاء النواب السنّة (7 تقريبًا) الذين صوتوا لتكليف ميقاتي، هم عمليًا وتاريخيًا من المحسوبين على الرئيس الحريري وتياره السياسي. وفي طليعة هؤلاء، النواب وليد البعريني ومحمد سليمان وأحمد رستم وعبد العزيز الصمد وأحمد الخير، إضافة إلى عبد الكريم محمد كبارة وكذلك النائب نبيل بدر.  

الحضور المستتر
فهل صوت هؤلاء النواب السنّة لميقاتي بدل الدبلوماسي نواف سلام بإيعاز من الحريري؟  

هذا السؤال، قد يأتي الردّ عليه مباشرة من المستقبليين أن الحريري غير معني إطلاقا لا باستحقاقات البرلمان ولا باستحقاق رئاسة الحكومة، وأن لا نواب محسوبين عليه خفية، وأنه لو أراد البقاء بالمجلس كان دخل إليه بنواب محسوبين مباشرة على المستقبل.  

لكن، وبمعزل عن أسباب غياب الحريري التي قيل فيها الكثير داخليًا وخارجيًا، فإن بعض المؤشرات تشي أن الرجل ما زال حاضرًا، وأنه يسعى للاستفادة ولو بالحد الأدنى، من عدم استقرار الساحة السنية على زعامة أو تكتل سياسي واضح يعبر عنها، من باب تكريس النظرية الأكثر إرضاء له: ما زال لبنان عمومًا، والسنة خصوصًا، يعيشون ارتدادات انسحاب الحريري من صدارة المشهد السياسي.  

تفيد معطيات "المدن" أن النواب السنّة المعروفين بقدامى المستقبل أو المحسوبين عليه بطريقة غير مباشرة، صوتوا لنجيب ميقاتي، بإيعاز من الرئيس الحريري، الذي يفضل بطبيعة الحال وصول ميقاتي بدل سلام، أو أي شخصية أخرى لا يتقاطع معها بالعلاقة والمصالح والهواجس. وهنا يطرأ السؤال الأهم: لماذا يعد بقاء ميقاتي على رأس الحكومة بالظروف الراهنة، مناسبًا للحريري؟  

علاقة ميقاتي-الحريري
تاريخيًا، كان الملياردير ورجل الأعمال وزعيم طرابلس سابقا نجيب ميقاتي على علاقة ذات دينامية خاصة مع آل الحريري، منذ كان وزيرًا بين عامي 1998 و2004 إلى أن تولى رئاسة الحكومة لأول مرة في العام 2005، ومن ثم 2011 وأخيرًا في 2021، وما تخلل هذه الأعوام من انتخابات برلمانية خاضها ميقاتي، وكان آخرها في العام 2018، حين صبّ جل معركته المناطقية على الصراع والتنافس مع الرئيس الحريري، قبل أن يجمعهما ودّ نادي رؤساء الحكومة السابقين، الذي أصبح راهنًا بحكم المنتهي الصلاحية.  

وطوال تلك الحقبة التي شهدت فيها علاقة ميقاتي مع الحالة الحريرية تقلبات هبوطًا وصعودًا، كان يرجح كثيرون أن ميقاتي يسعى ليكون على صورة رفيق الحريري، وكزعيم للحل والتسويات؛ وهو ما لم يفلح به برأيهم، بسبب اعتبارات شخصية وسياسية كثيرة.  

لكن، ما بعد خروج سعد الحريري من الحياة السياسية بشقيها التشريعي والتنفيذي ليس كما قبله. هذا الأمر، قد يدفع الحريري تثبيتًا لمرجعيته وحضوره، ولحسابات شخصية تعنيه وتعني تياره، إلى دعم تكليف ميقاتي بأصوات نواب سنّة، لم يكن لحضورهم السياسي والشعبي أي معنى، لو لم ينبثقوا تاريخيًا من انتمائهم إلى تيار المستقبل، تنظيمًا أو تحالفًا.  

ويرى متابعون لدينامية هذه العلاقة، أن ميقاتي الذي كان سابقًا خصم الحريري ومنافسه حتى حين كانا سوية تحت قبة نادي رؤساء الحكومة السابقين، أضحى اليوم الخيار الوحيد للحريري للحفاظ على بعض المكاسب بالسلطة، ولو بحدودها الدنيا، إلى أن تحين لحظة مناسبة لعودته وتقدمه، داخليًا وإقليميًا.  

عكس نواف سلام
هذا الواقع، يبرره أن ميقاتي والحريري من خامة طبقة رجال الأعمال السياسيين ذاتها، ومن جماعة التسويات مع الخصوم قبل الحلفاء. وذلك خلافًا مثلًا لخيار نواف السلام، الذي لا يناسب الحريري اطلاقًا، كونه قد يأتي بعقل مسيس دبلوماسي خارج منطق حسابات رجال الأعمال وتسوياتهم. كذلك، قد يكون مناسبًا للحريري أن السعودية قبلت على مضض بخيار ميقاتي، وأن الحكومة لن تأتي برئيسها ووزرائها كما تشتهيها، تكريسًا لمقولاته السابقة بأن الذهاب لحكومة مواجهة ضد حزب الله شبه مستحيل.  

إذن، ثمة ما يوحي أن الزعامات السنية التقليدية، وفي طليعتها الحريري وميقاتي، انتقلت إلى مرحلة التنبه لحجم الخسائر الشخصية المترتبة على خروجهم من البرلمان، ويبحثون عن شبكة أمان لهم عبر الدعم والتسليف المتبادل، ويسعون للاستفادة من عدم نضوج البدائل الزعامتية والتمثيلية للطائفة السنّية. وهو ما يجعل من رئاسة الحكومة، البوابة الوحيدة لحفظ مكاسبهم بهذا النظام وداخل الدولة المنحلة، ولو خفضوا سقف طموحاتهم إلى بعض المواقع والتعيينات الإدارية والأمنية، كنوع من الاستباق لضبابية المرحلة المقبلة، بعد انتهاء عهد الرئيس عون.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها