الإثنين 2022/06/20

آخر تحديث: 15:25 (بيروت)

إشكالية تأليف حكومة من نوع جديد في لبنان

الإثنين 2022/06/20
إشكالية تأليف حكومة من نوع جديد في لبنان
يقتضي التغيير الإقلاع عن أسلوب توزيع الحصص الطائفية في الحكومة (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease

في معرض إعادة تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان، التي سوف تتولى المهام الدستورية و الإدارية قبيل موعد الانتخابات الرئاسية، قبل نهاية العام الحالي، تبرز بقوة إشكالية تأليف حكومة من نوع جديد تراعي ظروف المرحلة الراهنة، المترافقة مع بداية هبوب رياح التغيير التي سوف يتسع نطاقها يوماً بعد يوم، في محاولات جادة لا تخلو من الجرأة و الشجاعة بمواجهة الأساليب السابقة التي أوصلت البلاد الى مشارف الانهيار الكبير بسبب اعتماد أساليب المحاصصة الطائفية في إدارة السلطة وفي تشكيل الحكومات منذ الطائف حتى اليوم، والتي أمعنت في الفساد والابتعاد عن روح المسؤولية الوطنية وإغراق البلاد في أتون من الأزمات الخانقة. لذلك، لا بد لنا في البداية من تسليط الضوء على بعض النصوص الدستورية بتشكيل الحكومات في لبنان، وفقاً للآتي:

أولاً: تعتبر الحكومة مستقيلة وفقاً للنبذة "هـ" من المادة 69 من الدستور عند بدء الولاية الجديدة لمجلس النواب ، كذلك عند بدء ولاية رئيس الجمهورية المنتخب حديثاً وفقاً للنبذة "د" من هذه المادة.

ثانياً: كما نصت الفقرة "3" من المادة 69 آنفة الذكر "أنه في حال استقالت الحكومة أو اعتبرت مستقيلة، يصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف الحكومة الجديدة و نيلها الثقة".

ثالثاً: كما نصت المادة 73 من الدستور على ما يلي: "قبل انتهاء موعد ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر أو شهرين على الأكثر، يلتئم مجلس النواب بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، وإذا لم يدع مجلس النواب لهذا الغرض، فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس.

صلاحيات استثنائية
بناء عليه ، فإن المهلة القانونية أو الدستورية التي تسبق عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية لن تتعدى الخمسة أشهر في أحسن الأحوال. وهي تعتبر مدة قصيرة نسبياً من أجل التحضير المسبق للاتفاق على رئيس جديد للجمهورية في ظل الظروف والتعقيدات الراهنة، و ذلك تداركاً لأي فراغ رئاسي مستقبلي قد يحصل على هذا الصعيد. لذلك فإن تشكيل الحكومة العتيدة ينبغي أن يتم في أقصر مهلة ممكنة، تلافياً لحدوث أي خلل في ممارسة العمليات الدستورية، وسوف يكون من أبرز مهام هذه الحكومة تهيئة الأوضاع الداخلية من النواحي المالية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية لتأمين المناخ المناسب لإجراء الانتخابات الرئاسية وفقاً للأصول الدستورية، وبما يتناسب مع دقة الظروف الراهنة. فمن المتوقع أيضاً أن تعثر تشكيل الحكومة الجديدة وإعادة تكليف رئيس الحكومة الجديد باستكمال مهام تصريف الأعمال في هذه المرحلة، إذا تعذر تشكيل حكومة جديدة.  

ويكثر الحديث أيضاً من قبل بعض قوى المعارضة والتغيير حول ضرورة تشكيل حكومة اختصاصيين، تتمتع بصلاحيات تشريعية خاصة وبصورة استثنائية. وتجدر الإشارة هنا إلى الأمور التالية:

- إن إمكانية منح أي حكومة صلاحيات تشريعية لا يتم إلا بموجب قانون يصدر عن السلطة التشريعية، يفوض بموجبه صلاحية التشريع في مواضيع محددة و خلال مدة زمنية معينة، لأن صلاحية التشريع هي بالأصل من اختصاص البرلمان. ونحن ندرك جيداً أن إرادة التغيير تتمحور حول استمرارية التحقيقات الجنائية في جريمة مرفأ بيروت، وحماية أموال المودعين واسترداد الأموال المنهوبة، وخلاف ذلك من القضايا البالغة الأهمية التي قد لا تتناسب مع إرادة القوى السياسية التقليدية، وبالتالي قد لا توافق على منح تلك الصلاحيات

- إن هذا التفويض التشريعي كان معمولاً به بقوة قبل دستور العام 1990، أما بعد مؤتمر الطائف، فقد تولت اللجان النيابية المتخصصة مسؤولية دراسة وإعداد نصوص مشاريع واقتراحات القوانين، وتم صرف النظر عن هذا العرف الدستوري بوجه عام.

- إن إقرار مثل هذا التفويض يحتاج إلى الأغلبية التي يتألف منها مجلس النواب قانوناً. ونحن لا نعتقد أن هذا النصاب متوفر في هذه المرحلة، وهو متعذر الحصول أو التحقق وفقاً للآلية الدستورية المعمول بها حالياً.

لذلك، فإن تشكيل هذا النوع من الحكومات ذات الصلاحيات التشريعية والاستثنائية قد يكون مستحيلاً في ظل الظروف الراهنة وفقاً للدستور.

فصل السلطات
أما بالنسبة لآلية تشكيل الحكومة الجديدة، فيكثر الحديث من قبل قوى المعارضة والتغيير عن أهمية فصل النيابة عن الوزارة، بالاستناد إلى مبدأ فصل السلطات الذي تضمنته الفقرة "هـ" من مقدمة الدستور. وهو أمر مهم وضروري، إلا أن المادة 28 من الدستور أجازت الجمع بين النيابة ووظيفة الوزارة، وإلى إمكانية انتقاء بعض النواب ليكونوا أعضاءً في الوزارة أو في تشكيل كامل الوزارة من النواب، وإن تعارض ذلك مع مقدمة الدستور. وتجدر الإشارة هنا إلى أهمية تكريس مبدأ الفصل فيما بينهما وإلى ضرورة اعتماد مبدأ فصل السلطات، بما يتيح ممارسة الرقابة البرلمانية الفاعلة على أعمال السلطة التنفيذية بصورة موضوعية وشفافة، ولا سيما عندما يتم اختيار وزراء مستقلين من ذوي الكفاءة والاختصاص، ومن خارج الكتل النيابية التي تتكون منها غالبية المجلس النيابي، وعندما تقتضي ذلك دقة وصعوبة الظروف التي تمر بها البلاد كما هي حال ظروفنا الحاضرة.

إن تشكيل حكومة من هذا النوع الجديد قد أصبح ضرورة ملحة من أجل تجاوز الأزمات المتفاقمة والمحدقة بالدولة وبالمواطن. ويقتضي ذلك الإقلاع عن أسلوب توزيع الحصص الطائفية ضمنها، على نحو يجعلها حكومة تضامنية وتكافلية تجاه مسؤوليتها أمام البرلمان في حال عجزها أو تقصيرها عن إنجاز برنامجها المحدد في بيانها الوزاري، الذي منحت الثقة على أساسه في المجلس النيابي. وتتحرر هذه الحكومة أيضاً من الضغوط والتدخلات التي قد تمارسها عليها الكتل النيابية في ظل ظروف معينة. وهكذا يتكرس مبدأ الفصل بين السلطات على قاعدة التعاون والتنسيق بين هاتين السلطتين بوجه عام، وليس على قاعدة التنافر أو التنابذ السلبي فيما بينهما، لأن جوهر مبدأ الفصل بين السلطات يقوم على أساس التعاون والتنسيق بين السلطتين.

الضغط الشعبي
قد لا تكون الفترة المتبقية قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة كافية لإحداث التغيير النوعي في تشكيل الحكومة الجديدة المرتقبة، إلا إذا أصرت قوى المعارضة والتغيير على إحداث هذه النقلة النوعية في هذه المرحلة، رغم انها لن تتمكن من ذلك وفقاً للآلية الدستورية المعمول بها في لبنان. كما لن يتم ذلك إلا عبر الوسائل السلبية أو عبر ممارسة الضغط الشعبي على البرلمان الحالي، من أجل إرغامه على تفويض الصلاحيات التشريعية والاستثنائية المحددة للحكومة المرتقبة، وبدعم أكيد من قوى المعارضة والتغيير داخل البرلمان وخارجه وبالعودة مجدداً إلى ساحات النضال الشعبي، حتى إحداث هذا التحول النوعي في تشكيل الحكومات وإدارة السلطة على أسس دستورية صحيحة ومجدية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها