الإثنين 2022/06/13

آخر تحديث: 11:19 (بيروت)

"أسطورة" النفط والغاز.. متى يطويها النسيان في سجل العثرات؟

الإثنين 2022/06/13
"أسطورة" النفط والغاز.. متى يطويها النسيان في سجل العثرات؟
ثروات النفط والغاز التي ينشغل بها اللبنانيون انشغالًا هستيريًا (Getty)
increase حجم الخط decrease
بعد ما جرى في لبنان -أقله منذ العام 2005، وبلغت تجلّياته الميمونة ذروتها الماحقة في العامين المنصرمين أو الثلاثة- هل يمكن تصديق أن ميشال عون وحسن نصر الله ونبيه برّي وسائر أركان ومقدّمي أرهاطهم المحازبة، تتفتّتُ قلوبهم وتنفطر ألمًا على ضياع ثروة لبنانية من النفط والغاز، يُقالُ إنها مركوزةٌ تحت المياه البحرية الإقليمية اللبنانية، وتتهيأ دولة إسرائيل لاغتصابها، وحرمان لبنان من استخراجها واستثمارها لتدارك انهياره الاقتصادي والمالي، وفقره وجوعه، وخسارته نخبة أجياله الفتيّة والشابة والنشيطة المسترسلة في الضياع والتّيه والهجرة؟

ألا يحق للمرء أن يتساءل: ماذا كان يفعل أصحاب تلك القلوب المتألّمة المنفطرة وطنيًا ونفطيًا وغازيًا طوال السنوات العشرين المنصرمة؟

هل كانوا منهمكين بمشاريع إنارة لبنان بالطاقة الكهربائية، أم بتخريب ما يعملُ منها، وصولًا إلى إشاعة العتمة في أرجاء البلاد كلها؟
هل كانوا منشغلين بترشيق عمل مؤسسات الحكم وإدارات الدولة ومؤسساتها العامة، ترشيدها وتفعيل الهيئات الرقابية عليها لإرساء قواعد الشفافيّة فيها، أم يتناحرون في ما بينهم ومع سعد الحريري ووليد جنبلاط على تحويلها إقطاعات لإعالة جيوش المتبطّلين من أتباعهم وأنصارهم، والتكسُّب من صناديقها وريوعها ومشاريعها العامة؟
هل كانوا يتسابقون ويتبارون على وضع خطط لتحسين البنية التحتية للمواصلات والنقل العام والاتصالات وسواها من منشآت ومشاريع الخدمات الأساسية في البلاد، لكن القدر أو الحظ أو العدو الإسرائيلي الغاشم منذ دهور، كان يتربص بهم وبخططهم الجبارة فمنعهم من تنفيذها؟
هل كانوا منشغلين بتنمية الصناعة والزراعة ومشاريع الري والتعليم والطبابة التي كانت حروبهم الأهلية وحروب من سبقوهم قد صدّعت ودمّرت ما كان ناميًا ومزدهرًا منها قبل الحروب؟

ووسط مدينة بيروت الذي أُعيد بعد الحروب إعمارُه وبناؤه (على علّاتِ ذاك البناء والإعمار وأخطائهما)، ماذا حلّ به الآن؟ هل جرى تقويم علاّته وعثراته، وها هو اليوم في أحسن أحواله وأبهاها ازدهارًا؟ أم أن رغبة ثأرية أو ضغينة كامنتين كانتا تعصفان في نفوس من أقاموا أمجادهم السياسية والعسكرية على الضغائن والأحقاد، فسلّطوها على ما أُنجز من عمران وسط المدينة، لإعادته إلى سابق عهده غداة توقّف الحروب؟
ومرفأ بيروت الذي بدأ ميشال عون حروبه في أواخر الثمانينات لتخليصه من سيطرة الميليشيات وإعادته إلى كنف الدولة، ماذا حلَّ به قبل سنتين؟ ولماذا تحول خربة أو فجوة من الردم، وتحولت صوامع إهراءاته أشلاء أنصاب تذكر بهيروشيما الحرب العالمية الثانية؟ والمئتا قتيل وألوف الجرحى في انفجاره، لماذا تحوّلوا شعارات "ملغاةٍ" في حفلة التهريج البرلمانية، بعد الانتخابات النيابية الأخيرة؟
ومطار بيروت (هل كان ضروريًا استنزاف ملايين الدولارات صفقاتٍ لتجديده وإعادة إعماره بعد الحروب، ومن ثم قتل رفيق الحريري ليُسمى المطار باسمه؟!) ماذا بقي منه اليوم؟ مولّده للطاقة الكهربائية قد يتوقف في أي يوم وساعة، لعدم توفّر مادة الفيول لتشغيله. والتغنّي بملايين السيّاح الذين ينزلون فيه، من يصل منهم إليه؟ فها اللبنانيون لا ينتظرون في بداية هذا الصيف سوى أن ينزل في مطار بلدهم المنكوب سوى بعض من أهلهم وأقاربهم المغتربين، ليحِنُّوا ويتعطّفوا ويتصدقوا عليهم ببعض دولاراتٍ لخبز يومهم، ولدفع كلفة المولدات الكهربائية التي تدفع العتمة عن بيوتهم.

ومن يتذكر اليوم أسطورة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وشطر من قرية الغجر التي خاض لبنان حربًا في العام 2006 لتخليصها من الاحتلال وإطلاق سراح مقاومين من سجون إسرائيل؟ وهل كان ضروريًا تجنيد مقاتلي نصر تموز الإلهي للمشاركة في مذابح الشعب السوري، كي يكتمل ذاك النصر؟ وعلى من؟ أعلى شطر من الشعوب اللبنانية والسورية أم على إسرائيل؟

ما لنا وهذه المآسي! ألا فلننساها كلها. فاليوم هو يوم تخليص حقول النفط والغاز من العدو المغتصب، الذي وحده دون سواه يوحِّد الشعوب اللبنانية والعربية ويجعلها أمة ذات رسالة خالدة، ويمنعها من الاقتتال والتذابح. ولماذا؟ للحصول على الثروة الموعودة المركوزة في أعماق البحر. أما تلك الأراضي المحتلة من المزارع والتلال، فنُسيتِ الأساطير التي نُسِجتٍ حول ثرواتها.

والمصارف، وهي واحدة من ثروات لبنان الأسطورية بصفته سويسرا الشرق، ماذا حلَّ بها منذ سنتين ونيّف؟ ألم تصرْ أندلسَ لبنان السليبة؟ وقد نهبها مع خزينة الدولة دهاقنةُ المال والسياسة اللبنانيون، وكدّسوها ثرواتٍ طائلة لهم ولذرياتهم من بعدهم في سويسرا الغرب الاستعماري المستكبر، والذي لا يكفُّ عن استعمار الشرق واستضعافه، ويُترك للبؤساء العاثرين في المشرق تحريره من استضعافه واستكبار الغرب الاستعماري عليه.
وقصرُ المياه في جبال لبنان، ألم يحلُّ به ما حلَّ بمرفأ بيروت ومطارها؟
ومجرى نهر الليطاني في سهل البقاع، ألم يصرْ شبيهًا بمجرى نهر الغدير في حي السلّم؟
ومدينة طرابلس الشام الفيحاء، لماذا صارت الأفقر على شاطئ المتوسط الشرقي؟ ولماذا يشرب أهلها مياهًا ملوّثة، فيُصابُ مئات منهم بالتهاب الكبد الفيروسي، وتغصُّ بهم مستشفياتها الفقيرة؟ هل هناك مؤامرة استعمارية شيطانية على مياه طرابلس وأهلها؟
وأسطورة جمال لبنان، طبيعة ومناخًا، ماذا بقي منها اليوم؟ أكوامٌ من الإسمنت والنفايات على الجبال المبقورة والشواطئ الملوثة، وتزحفُ فيها العتمة ودخان المولّدات.
ولبنان رسالة تعايش الأديان والطوائف والإثنيات، أسطورة تلاقي الحضارات، ملجأ المضطهدين، وجنة الحريات في الشرق، ألم تتحوّل أساطيره هذه كلها نموذجًا للعداوات والثارات والتقاتل والمقاتل، حتى صار يقالُ إن كل بلدٍ ينقسم أهله ويقتتلون ويتذابحون إنهم وقعوا في اللبننة أو أصيبوا باللبننة؟

والحق أن هذا كله ليس فحسب من صنيع من تتفتت قلوبهم وتنفطر ألمًا من ساسة لبنان وزعمائه على سلب إسرائيل ثروات البلاد النفطية والغازية، بل هو صنيع أهل لبنان جميعًا، ولو بمقادير متفاوتة. والدليل أن ما يقل عن نصف اللبنانيين بقليل، جدّدوا ولاءهم لزعمائهم وقادتهم في الانتخابات النيابية الأخيرة. هذا فيما عزف نصفهم الآخر عن الاختيار والتصويت في تلك الانتخابات، يأسًا وسأمًا وقنوطًا، ليقينهم بأن.. ماذا يا ترى؟! أسوى الاستسلام إلى مقولة: هذا هو لبنان.
ولبنان اليوم ليس سوى ديار اليأس والخراب.

وكان يود المرء أن ينسى هذا كله. فالعيش في لبنان اليوم يستحيل بلا ملكة نسيان البشر ما يفعلونه، ونسيان تاريخهم وعثراتهم.
لكن ثروات النفط والغاز التي ينشغل بها اللبنانيون انشغالًا هستيريًا وهذيانيًا، أو يُراد لهم الانشغال بها على هذا النحو، هي التي تنتصب اليوم أسطورة أو خرافة خلاصية جديدة تمنع النسيان، وطي صفحات الماضي وأساطيره وعثراته.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها