الجمعة 2022/06/10

آخر تحديث: 09:37 (بيروت)

التاريخ حين يكرر نفسه في مجلس النواب

الجمعة 2022/06/10
التاريخ حين يكرر نفسه في مجلس النواب
كلام بري يسجل عليه في خانة السلبيات المتراكمة
increase حجم الخط decrease
التاريخ يمكن ان يعيد نفسه أكثر من مرة، إذا كان البشر لم يتعلموا من دروس التجارب التي مروا بها، وقد كانت مقولة كارل ماركس اكثر المقولات شهرة وكثافة حين اعتبر ان التاريخ يعيد نفسه مرتين الأولى وتكون بشكل تراجيدي ماساوي، اما الثانية فتكون بشكل كوميدي وهزلي.
في لبنان لم يخرج التاريخ عن اطاره وعادته.

كسر الهيبة
في العام 1972 حين انتخب الشاب الناصري نجاح واكيم نائبا في مواجهة الوجيه البيروتي نسيم مجدلاني، اعتبر ذلك الانتخاب بمثابة كسر للمحرمات، وخطوة باتجاه التغيير واشارة الى عمق التمرد والاحتقان الذي كان يعتمل في مواجهة المنظومة العائلية والسلطوية المسيطرة.

وحين بادر الشاب المنتخب واكيم يومها الى الكلام في مجلس النواب، حاول الرئيس كامل الاسعد السخرية منه وكسر هيبته في اول اطلالة له، لكن واكيم لم يجفل يومها بل رد بالاصرار على الكلام وايصال موقفه الذي كان يريد ايصاله.

لم يكن الرئيس نبيه بري موفقا في الكلام الذي رد فيه على محاولات النائب بولا يعقوبيان حين اصرت على "مجاكرته" في الجلسة الاخيرة لمجلس النواب حين قال لها "وين كنتي قبل هلق.. على كل حال ماشي الحال زوجك صاحبنا".

فما علاقة زوج يعقوبيان ولو كان صديقا لرئيس المجلس بموقفها المتشدد او، المزايد شعبويا، من الحدود وعملية الترسيم العالقة بين الخطين 29 و23 ؟

هذه الطريقة في التخاطب من رئيس المجلس مع سيدة منتخبة ومميزة بين زملاء جدد من حولها لا تعكس الا تبرما واضحا ومحاولة غير موفقة او ناجحة من الرئيس نبيه بري لكسر هيبة يعقوبيان المتحفزة دائما للمقارعة والنقاش امام رفاقها الجدد والراي العام عامة.

اذا كان رئيس المجلس يود "التعليم" على يعقوبيان ورسم حدود بينه وبينها، وهذا حقه، ما عليه الا منازلتها وافحامها عبر نقاش جدي باستخدام الحجج المنطقية والصلبة، لا محاولة السخرية من قيمة موقفها بالتلويح بانها انثى "زوجك صاحبنا"!

سلبيات متراكمة
كلام الرئيس بري هذا، "المسخرجي" يسجل عليه في خانة السلبيات المتراكمة، فليس مستحبا هكذا موقف في الجنوح نحو اشهار الذكورية في مخاطبة زميلة له، انتخبت باصوات وافرة في دائرتها البيروتية للمرة الثانية ومن دون قاطرة او رافعة تقليدية يحتاجها اغلب النواب اعضاء كتلته التي يجمعها كلما اراد الاطلالة بموقف او بيان او زيادة عدد الاصوات الموالية له في مجلس النواب.

ويبدو ان تصرف بري إزاء يعقوبيان ليس تصرفا معزولا بمفرده بل يعكس حالة انزعاج عامة لدى بطانة بري بشكل خاص، والدليل الكلام الذي أطلقته زميلة بولا، النائب عناية عزالدين بوجه يعقوبيان والتي قالت فيه: "من المعيب أن تكون الزميلة لم تقرأ النظام الداخلي حيث لا تشريع قبل اكتمال اللجان".

وأضافت: "هو آخر الزمان أن يزايد على الرئيس نبيه برّي بموضوع حقوق لبنان وهو صاحب شعار (لن أسمح بالتخلّي عن كوب ماء واحد)".

والحالة التهجمية والاستخفافية لم تظهر على بري وعزالدين فقط بل نضح بها أيضا الوزير السابق والنائب علي حسن خليل في كلامه مع زميله فراس حمدان حين خاطبه قائلا بـ”يا ابني”، ردّ عليه الأخير قائلاً: “أنا مش ابنك، أنا زميلك".

في المحصلة ان كلام الرئيس بري وعزالدين تجاه يعقوبيان وكلام خليل تجاه حمدان يعكس حجم الانزعاج والتبرم وضيق الخلق والصدر من القديم والمتقادم والمسيطر، تجاه الجديد الشاب والمندفع والمطالب بالتغيير، تماما كما ظهر انزعاج كامل الاسعد عام 1972 تجاه الشاب نجاح واكيم.

خطأ العزل
التاريخ دل ان تجاهل المتغيرات من قبل قيادات مؤثرة وقوية كان يمثلها كامل الاسعد آنذاك كأحد أبرز رموز النظام في لبنان، أدت فيما بعد الى انفجار هذا البلد بالحرب الاهلية وانهيار صيغة السلطة القائمة انذاك بكل معانيها ودلالاتها في العام 1975. ليندلع بعدها الحريق الذي لم يتوقف الا في العام 1990 .

ما من شك ان وصول كتلة نواب الانتفاضة الى مجلس النواب يشكل إشارة قوية جدا ان فئات واسعة من الشعب اللبناني ولدى مختلف البيئات وكل الطوائف لم تعد قابلة بالرموز والوجوه المتحكمة والحاكمة في لبنان وبري من بينهم طبعا.

صحيح ان كتلة نواب الانتفاضة لم تحصل على اغلبية عددية كبيرة في المجلس الحالي لاكثر من سبب وسبب، لكن الصحيح ان محاولة عزل هؤلاء الشباب وعدم الاصغاء لمطالبهم قد يكون من أفدح الاخطاء التي قد ترتكب من قبل تحالف القوى المسيطرة الان.

كان تجاهل اشارات ضرورة التغيير والاصلاح سابقا معبرا للانزلاق الدراماتيكي نحو الازمة الوطنية الكبرى التي اصابت بلدنا، وقد يكون استمرار التجاهل الان للقوى الشابة ونواب الانتفاضة مدخلا للانهيار الهزلي القادم بسرعة قد لا يدركها أحد.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها