الإثنين 2022/05/09

آخر تحديث: 00:06 (بيروت)

جبل محسن:البعض عاتب على الأسد.. وينتظر رفعت عيد!

الإثنين 2022/05/09
جبل محسن:البعض عاتب على الأسد.. وينتظر رفعت عيد!
صورة بشار الأسد تعلو في حي المشارقة في جبل محسن (المدن)
increase حجم الخط decrease
يجلس عبد الرحمن مندراوي (40 عامًا) الآتي من مهجره قبل عامين، وسط رفاقه وجيرانه في أحد مقاهي جبل محسن، ويتحدث لـ"المدن" عن تحولات كبيرة طرأت على الجبل وأهله من الطائفة العلوية. ويأسف لمحاولات عدم إظهار هذه الدينامية والتنوع، مقابل الترويج لرواية تاريخية يصفها بالمشوهة ومفادها: "علويو جبل محسن بلوك واحد لمصلحة خيارات الحزب العربي الديمقراطي وزعيمه رفعت عيد والذي بدوره ينتظر القرار السوري لتوجيه أهالي الجبل". 

الحليف المتفاني
يقولها مندراوي بصراحة -وأمام صهره علي مصطفى عيد المعروف بالجبل بأنه اليد اليمنى لرفعت عيد– "نظرية القرار السوري سقطت، والأصوات المدنية والمعارضة تتنامى في الجبل، لأن النظام السوري يتعاطى معنا بفوقية كتحصيل حاصل في جيبه، ويفعل مثله نائب طرابلس فيصل كرامي". ويضيف: "لو خيّروا الدولة السورية في شمال لبنان بين التحالف الوحيد مع زعيم الجبل المستبعد رفعت عيد، أو مع فيصل كرامي، ستختار حتمًا كرامي. إذ ليس من السهل العثور على حليف سنّي متفانٍ لأجلهم مثله، ويستغل أهل الجبل لصالحهم وصالحه، بينما كل يوم يمكن أن يصنعوا زعيمًا في الجبل مثل رفعت عيد".  

يتابع مازحًا: "أتجرأ أن أقول هذا الكلام أمام ضباط سوريين، حتى لو كان مصيري سجن فرع فلسطين، فلن يقطعوا رأسي بالنهاية".  

هذا الموقف، استبقه علي مصطفى عيد، عضو في الحزب العربي الديمقراطي، بشرح واقع مناقض، ويبدأ حديثه مع "المدن" مفتخرًا "أنا منذ الطفولة مع الحزب العربي".  

يقرّ عيد أن حزبه لا يملك مرشحًا علويًا رسميًا، رغم زعامته للجبل، "لكن سنصبّ أصواتنا بما يتلاءم مع خطنا السياسي العروبي المعروف. وعلى الأرجح، سيكون لصالح لائحة فيصل كرامي ومرشحه عن المقعد العلوي محمد طرابلسي".  

ويعتبر عيد أن أزمة الجبل وحزبه، هي باستبعاد زعيمهم رفعت عيد مع نحو 15 آخرين في سوريا، منذ أحداث تفجير مسجدي التقوى والسلام في 2016، وصدور أحكام اتهامية بحقهم يصفها بـ"السياسية والباطلة". واستطرد قائلًا: "رغم غياب رفعت، لا أحد يستطيع إضعاف حزبنا، فنحن لدينا ولاء راسخ له مهما اشتد الواقع علينا". 
 
ابن جبل محسن عبد الرحمن المندراوي


أسماء ووقائع الجبل  
تظهر اللوائح الانتخابية البالغ عددها 11 لائحة في دائرة الشمال الثانية، وجود 10 مرشحين من جبل محسن يتنافسون على مقعد علوي واحد في الدائرة، ومعظمهم ترشح على لوائح مناهضة للحزب العربي وزعيمه. وهم: النائب علي درويش (اللائحة المدعومة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي)، محمد الطرابلسي (لائحة فيصل كرامي)، محمد شمسين (لائحة أشرف ريفي-القوات)، بدر عيد (لائحة مصطفى علوش وسامي فتفت مدعومة من الرئيس فؤاد السنيورة). إضافة إلى حيدر ناصر (انتفض للسيادة والعدالة)، فراس السلوم (لائحة التغيير الحقيقي، تحالف إيهاب مطر والجماعة الإسلامية)، هشام ابراهيم (لائحة فجر التغيير)، صالح الديب (الاستقرار والإنماء)، نضال علي عبد الرحمن (قادرين) وأحمد علي (لائحة الجمهورية الثالثة).  

وحتى الآن، تتأرجح الحظوظ بين عدد من المرشحين، ومنهم ثلاثة. أولهم النائب علي درويش الذي يستفيد من دعم ميقاتي وماكينته له، رغم الامتعاض الكبير على المستوى الشعبي من أدائه في جبل محسن. والثاني المرشح محمد طرابلسي الذي يستفيد بنسبة كبيرة من الدعم الذي قدمه الحزب العربي ويجهد لصب أصوات الجبل لصالحه على قاعدة أنه مرشح "الخط" وعلى لائحة حليف الرئيس السوري بشار الأسد. والثالث هو بدر عيد، الذي يوصف بـ"الخارج عن طوع عائلته"، لكنه يقدم خدمات كثيرة في الجبل وصوره تنتشر فيه، رغم ترشحه على لائحة النائب السابق مصطفى علوش، المعروف بمواقفه المناهضة للنظام السوري وكل حلفائه، كما ترشح في دورة 2018 على لائحة اللواء أشرف ريفي.  

المرشح بدر حسين عيد على لائحة مصطفى علوش


للخروج من القوقعة
وهنا، يتابع عبد الرحمن مندراوي حديثه كمناصر وداعم للمرشح بدر عيد قائلًا: "لم تتوقف خدمات بدر عيد الآتي من الاغتراب منذ العام 2018، وهو يقدم ما تعجز الدولة عن فعله في الجبل، من خدمات استشفاء ومساعدات تعليم وشتى أنواع المساعدات المادية والعينية".  

ويبدو أن مندراوي نموذج عن حالة تتنامى في جبل محسن، إذ تستشعر شريحة من أهلها وشبانها أنهم يدفعون ثمن قوقعتهم ضمن نطاق جغرافي بعد حروب كثيرة من الثمانينات وحتى جولات القتال الأخيرة مع باب التبانة (2012)، وأنهم يدفعون ثمن خيارات آل عيد اللصيقين بالنظام السوري. ومع ذلك، تبقى هذه الحالة كمسكوت عنها، ويجري الحديث بها همسًا، إذ يسارع كثيرون من شبان الجبل للتوضيح قائلين: "بشار الأسد في قلوبنا، وكل من يقول خلاف ذلك في الجبل يجامل محيطه وحسب، وصوره تغزو كل بيوتنا".  

ويقول عبد الرحمن مندراوي إن الخط السياسي لرفعت عيد لا يمثل كل أهل الجبل، و"أنا كعشرات الشبان ومثلنا بدر عيد، ندعم قيامة دولة لبنان الواحدة صاحبة السيادة والسلاح الشرعي الواحد، ونحن كشبان علويين طموحنا أن يحكم المجتمع المدني".  

ثم ينفعل متابعًا: "تاريخ الطائفة العلوية منذ تكوينها كانت منضوية بالأحزاب الوطنية. وتاريخ العلويين قبل الحرب الأهلية، كانوا منضوين بالأحزاب القومية والوطنية، ونعيش بمحيط نحو 700 ألف سني. لكننا دفعنا ثمن عزلنا، وزعماء طرابلس لم يساعدونا، بل ساهموا بربطنا أكثر برفعت عيد. وحين لجأ إلى سوريا، استباحوا حقوقنا كلها في طرابلس".  

واعتبر هذا الناشط، أنهم كشبان الجبل رافضين لواقعهم، يرفضون أيضًا اختبارهم بفحص دم لوطنيتهم وعروبتهم، وحتى حين دعم النظام السوري النائب السابق أحمد حبوس بدل علي عيد، لم يستثمروا به إطلاقاً لصالح أهل الجبل.  

ثم يقاطعه علي مصطفى عيد معتبرًا أن كل من يسعى لأداء دور سياسي في جبل محسن من دون دعم وغطاء الحزب العربي وزعيمه، يحرق أوراقه، كما يفعل بدر عيد برأيه، "لأن 70% من أهل الجبل ملتزمون رغم كل الظروف بتوجيهات رفعت عيد الانتخابية". مذكرًا بوجود عشرات العلويين من أبناء الجبل في سوريا، و"هم يصوتون أيضًا لصالح خطنا السياسي".  

ثم يقر ابن عيد بالقول: "كل هذا لا ينفي أن حلفاءنا ظلمونا في لبنان والخارج، ولم يبذلوا أي جهد لتحسين وضعنا، وأمعنوا بإقصائنا، ومعظمهم ينظر لأهل الجبل كأصوات انتخابية مضمونة لهم فحسب".  

شبيبة الشيخ صالح العلي  
وفي جولة داخل أحياء جبل محسن، ثمة سكون يختلف عن أحياء طرابلس الأخرى. شكليًا، تبدو أجواء الجبل رتيبة بلا حيوية وحركة اقتصادية، من دون أن تُقابلها مظاهر الفقر المدقع وأحزمة البؤس كما هو الحال في باب التبانة المحاذية له.  

وفي إحدى الزوايا، يجلس ابراهيم حسين (60 عاماً) مع رفيقه وابنه، أمام مقهى تحول الى ما يشبه مكتباً انتخابياً لدعم المرشح محسن أحمد حسين عن المقعد العلوي في عكار على لائحة "النهوض لعكار"، المدعومة من بهاء الحريري.  

ويصف الجو الانتخابي بالبارد نسبيًا مقارنة مع 2018، نتيجة الغموض السياسي، وقال إن ما يهم أهل الجبل، هو رجل سياسي يقدم الخدمات لهم من مأكل ومعيشة وطبابة وتعليم وتزفيت، ويدعم تمثيلهم كأقلية، و"هو ما لم يفعله يومًا علي درويش".  

وقال إن أهالي الجبل يصمدون بالأزمة بفضل أموال الاغتراب، وتحديدًا من استراليا. واعتبر الرجل أن الخيار الانتخابي لم يعد متصلًا بالسياسة بقدر اتصاله بقيمة الخدمات. وفي نهاية المطاف، "نحن علويون تربطنا علاقة قوية مع اللبنانيين والسوريين العلويين، وولاؤنا الأبدي لبشار الأسد كمسلم علوي، ولا ننسى حفاظه على مناطقنا وأهلنا بالساحل السوري من الحرب".  

ويبدو جبل محسن كمنطقة أمنية تخضع للمراقبة من قياداته. وفي آخره، توجهنا نحو مقر جمعية "شبيبة الشيخ صالح العلي"، حيث تتكثف هناك مسألتين: الولاء المطلق لبشار الأسد الذي تعلو صوره الشرفات وداخل الجمعية، والتكافل الاجتماعي في بيئة الجبل على مستوى مبادرات توفير الدواء وكل ما يحتاجه الفقراء، على قاعدة أن "الأمن الاجتماعي من أمن المنطقة".  

وفي حديث طالب الأسمر لـ"المدن"، وهو أمين عام جمعية شبيبة الشيخ صالح العلي، ويصفه بالمناضل السوري الكبير إبان الانتداب الفرنسي، يشير إلى أن الجمعية منذ 30 عامًا، تقدم مختلف أنواع الخدمات لأهل الجبل، و"نرفض أن ينام أي جائع أو مريض من دون أن نسانده".  

ويؤكد الأسمر أنهم ملتزمون "بالخط العروبي والمقاومة، كقوة حاضرة في الجبل، وعلى المستوى الشعبي". وتابع: "نذكر الجميع أنه حين جرت انتخابات السيد الرئيس بشار الأسد توجهنا من الجبل إلى السفارة رغم كل التهديدات على الطرقات، ومع ذلك، لا يوجد قرار سوري يُملى علينا، لأننا ملتزمون بخطنا وخياراتنا السياسية تلقائيًا من دون وصاية. وسننتخب من يتجانس مع رؤيتنا وقراءتنا السياسية". 

جمعية شبيبة الشيخ صالح العلي 
   

تاريخ الأصوات  
تاريخيًا، فاز آل عيد بالمقعد العلوي مرتين بالتزكية من دون انتخابات. الأولى، في العام 1991 عندما عُين الأمين العام للحزب العربي الديموقراطي، النائب الراحل علي عيد، نائباً عن طرابلس، بعد اتفاق الطائف الذي أعطى العلويين مقعدين نيابيين في طرابلس وعكار. والثانية، حين فاز عيد بالتزكية في العام 1992.  

وفي انتخابات العام 1996، فاز المرشح العلوي أحمد حبوس بفارق 123 صوتاً في وجه منافسه علي عيد، كذلك فاز حبوس في انتخابات العام 2000، وذلك بدعم سوري كبير، ثم تبنى تيار المستقبل ترشيح النائب الراحل بدر ونوس، الذي فاز بالمقعد العلوي في عامي 2005 و2009.   

أمّا في انتخابات 2018، ففاز مرشح لائحة "العزم" علي درويش بالمقعد العلوي، نتيجة الحاصل الانتخابي، رغم تقارب أصواته من أصوات مرشح لائحة فيصل كرامي، أحمد عمران. فنال درويش حينها نحو 2246 صوتًا تفضيليًا، بينما نال عمران نحو 2749 صوتًا. لكن "الحاصل" الانتخابي هو الذي غلب.   

يوجد في جبل محسن أكثر من 20 ألف ناخب مسجل، وبلغت نسبة اقتراعهم في 2018 نحو 30%. وعليه، تتجه الأنظار في جبل محسن إلى ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات، وسط تنامي حالة معارضة ترفض تكريس الجبل ككتلة واحدة لصالح سوريا الأسد، والتي ترتب عليها الكثير من النتائج التي أضرت أهله وعمقت عزلتهم.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها