الخميس 2022/05/05

آخر تحديث: 14:13 (بيروت)

أوكرانيا وسوريا والانتخابات اللبنانية: الحرية أولاً

الخميس 2022/05/05
أوكرانيا وسوريا والانتخابات اللبنانية: الحرية أولاً
غياب أي مساءلة يفضي إلى التنازل عن الكرامة والحقوق والحرية (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease

يقول لنا التاريخ الأوكراني طوال القرن العشرين، ومنذ بداية القرن الجديد إلى اليوم، أن كل الألم والفظاعات التي حلّت بالأوكرانيين سببها رفضهم أن يذوبوا في روسيا. لا كرهاً بالقومية الروسية ولا تمايزاً دينياً. بل بكل بساطة: رفض الطغيان.

الحرية، بكل أثمانها، عندما تصيب "لوثتها" جماعة ما من الصعب الشفاء منها.

الجماعة المسيحية في لبنان، وتدريجياً الجماعات الأخرى، زاوجت عضوياً بين الكيان والحرية. مطلبا الاستقلال والسيادة ليسا مجرد انفصال وملكية أرض. إنهما صيانة لفضاء الحرية ومن أجلها. وأفضل تعبير هنا، ما قاله مرة البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، إذا ما خُيِّر اللبناني بين الأرض والحرية فسيختار الحرية بوصفها وطنه.

مشهد مجزرة بوتشا وخرائب مدينة ماريوبول، ثم مشهد مجزرة حي التضامن الدمشقي، ومن بعده مشهد احتشاد ألوف السوريين اليائسين المذلولين انتظاراً لخروج معتقلي أقبية المخابرات وسجونها، يحيي فينا نحن اللبنانيين عشرات المشاهد المماثلة في تاريخنا، إن مع إسرائيل، من غزو 1982 إلى معتقل انصار وسجن الخيام.. أو مع "سوريا الأسد"، من اجتياح 1976 إلى كل حواجز مخابراتها ومقراتها، ومن تل الزعتر إلى طرابلس والأشرفية وزحلة إلى ما لا يعد من مجازر واغتيالات.

حتى في عز حربنا الأهلية، وفي أشد لحظات الانقسام، كان يجمعنا رفض الطغيان ومطلب الحرية. هذا بالضبط ما أبقى باستمرار على "لبنانية" اللبنانيين. ولهذا السبب في المرات النادرة التي حدث فيها "إجماع وطني"، كان ذلك يحدث بدافع صيانة الحرية. وحتى النعرات الطائفية نفسها (وبكثير من الخبث) إنما قائمة على التخويف من الطغيان أو فقدان الحرية.

المشاهد الأوكرانية والسورية تأتينا في لحظة نعيش معها "امتحاناً" انتخابياً بالكاد يكون ديموقراطياً، كأنه آخر ما تبقى من طقوس تاريخ الجمهورية، منذ هزيمة الثورتين 2005 و2019.

ومن تداعيات الهزيمتين، أنه يحدث لأول مرة بتاريخ لبنان وفي وعي اللبنانيين انفكاك كبير بين الوطن والحرية. بين "ضمان" وجود الجماعة السياسية والنظام الديموقراطي. انفكاك أتاح الاستيلاء على الدولة واستباحة الدستور وتدمير الاقتصاد. وبكثير من المراوغة والتمويه، حدث تخلّ عن الاستقلال والسيادة والحرية، على نحو جعل اللبنانيين يخسرون بالتقسيط حقوقهم وكرامتهم، بسلاسة وسهولة وكأنه يحدث طوعاً!

ما حدث في مرفأ بيروت، في بحر طرابلس، وما بينهما من مصائب على منوال الحرمان من الاحتياجات الأساسية (الكهرباء مثلاً)، ناهيك عن المنهبة الكبرى التي شهدها "العهد القوي"، هولها ليس في وقوعها وحسب، بل في إدراجها كلها طي التناسي والتجاهل والتعمية.. والأسوأ على ما يبدو انعدام أثرها أو ضآلتها في "الامتحان" الانتخابي. بمعنى آخر، لا قانون ولا محاسبة ولا معاقبة. وانتخابات هذه هي سمتها يستحيل التعويل عليها وحدها من أجل تغيير فعلي لاستعادة دولة ودستور واقتصاد.

هذا بالذات هو الطغيان.. غياب أي مساءلة ومعها التنازل عن الكرامة والحقوق والحرية. وهذا بالضبط ما يعاكس تاريخ اللبنانيين الحديث وما دفعوه أثماناً هائلة إن بما يماثل المشاهد الأوكرانية أو السورية.

مع ذلك، ورغم كل التشاؤم، هذه ليست دعوة لليأس إطلاقاً، طالما ثمة "خميرة" من الديموقراطيين، خصوصاً أولئك الشابات والشبان الذين يرفضون الاستسلام، وطالما أن ثمة مؤسسات لم تنهزم بعد وأولها الكنيسة، وطالما أن ثمة "خوارج" في كل طائفة ضد طواغيتها الصغار.. معهم اليأس مؤجل.
أكثر من ذلك، إن بقاء تلك الديناميكية الديموقراطية في "المجتمع المسيحي"، رغم الانحطاط في الخطاب السياسي الذي أصيب به، إضافة إلى "التمرد" الذي يكسر شعائر المبايعة في الطائفتين الشيعية والدرزية، كما التنوع (والضعف) عند الجماعة السنّية، علاوة على مواطني المجتمع المدني، صمغ الجمهورية ونسغها.. هذا رهان مستقبل قد يبدو بعيداً وليس مستحيلاً. 

و15 أيار ليس آخر الأيام.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها