فمع غياب الأدوات المباشرة لهيمنة حزب الله التي كانت تتمثل بالأكثرية في المجلس النيابي وتعطيل الحكومات مع حلفائه، ومع بروز جو معارض في مراكز نفوذه، تبلور بالخرقين اللذين تحققا في دائرة الجنوب الثالثة ونسبة أصوات جيّدة نسبيًا للائحة المعارضة في دائرة الجنوب الثانية، تبقى لحزب الله الأدوات المباشرة للهيمنة المتمثلة بالتوجّه نحو العنف. فهل تسمح الظروف الإقليمية في المنطقة وأولوياته بالعودة إلى مسلسل الاغتيالات التي شهدتها الفترات السابقة؟ وهل يستخدم حزب الله سلاحه من جديد في الداخل كما فعل في 7 أيّار 2008 في حال مُسّت مصالحه؟ يبقى خيار العنف واردًا في ظل ميليشيا تهدف إلى فرض هيمنتها على البلد لمصلحة أولويات مشروعها الإقليمي مهما كان الثمن.
رد نواب وتنظيمات المعارضة
لا شكّ في أن قوى المعارضة حصدت نتائج فاقت التوقعات من حيث أرقام الانتخابات الأخيرة. فمع حصولها على عدد جيّد من النواب، أصبحت قادرة على إزعاج النظام من الداخل، بالرغم من أن عددًا من هؤلاء النواب لم يحسموا خيارهم في مسائل أساسية، وأهمّها مسألة توزيع الخسائر. وعلى المقلب الآخر، ولكن بدرجة أخفّ، موضوع سلاح حزب الله والسيادة. وعلى الرغم من ذلك، لا ينبغي أن يرتكز دور المعارضة في المرحلة المقبلة على هؤلاء النواب فحسب، لا بل الأهم هو تأسيس جبهة سياسية واسعة تضم مجموعات وتنظيمات المعارضة، والأفراد أصحاب الحيثية في العمل السياسي. وذلك بهدف خلق إطار تنسيقي مع نواب المعارضة من جهة، ودعمهم في الشارع خلال خوض المعارك السياسية والتشريعية، بهدف الضغط على النظام وفرض مواجهة حقيقية مع قواه من جهة أخرى.
أمّا بالنسبة لأولويات المعارضة في المرحلة المقبلة، فيبقى الانحياز للناس والأغلبية الساحقة من المجتمع فوق أي اعتبار. ومن هنا تبقى المعركة الأهم هي معركة تحميل الخسائر لكل من جمع وراكم الثروات، على ركام السياسات والنظام المالي والاقتصادي المهترئ، الذي قاد إلى الانهيار على مدى السنوات الماضية.
شرعية 17 تشرين
بمعنى آخر ينبغي تحميل الخسائر لأصحاب المصارف وأصحاب النفوذ المالي ورفض أي محاولة للمسّ بأصول الدولة وبيعها أو خصخصتها بغية حماية مصرفيي النظام. مع ذلك، لا بديل عن فرض مواجهة حقيقية مع حزب الله بعيداً من نهج قوى 14 آذار المتمثلة بالقوات اللبنانية وحلفائها ومصالحها الفئوية لصالح "التسوية الناقصة" مع حزب الله في المرحلة المقبلة. وذلك لفرض مواجهة ترفض منطق الميليشيا وتهدف للتصدي لعنف حزب الله الأمني والعسكري، الذي قد يستخدمه في أي لحظة بهدف عرقلة أي مسار ديموقراطي في البلد خارج عن إرادته.
بمعنى آخر، العنوان العريض لأولويات المعارضة في المرحلة المقبلة ينبغي أن يكون "استرجاع أدوار الدولة في الأمن والاقتصاد والمجتمع وعلى الأصعدة كافة". واسترجاع هذه الأدوار من نظام المصارف والميليشيا وأحزاب الطوائف بغية إرساء دولة ذات شرعية شعبية، نابعة عن لحظة 17 تشرين.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها