الإثنين 2022/05/23

آخر تحديث: 11:13 (بيروت)

أفكار لتطوير العمل المشترك بين نواب التغيير

الإثنين 2022/05/23
أفكار لتطوير العمل المشترك بين نواب التغيير
يتوجب فرز القوى ومعهم النواب الجدد تبعاً للقضايا العميقة (جورج فرح)
increase حجم الخط decrease

الموجة التي توقعنا حدوثها في الأسبوعين الأخيرين قبل الانتخابات، جاءت أكبر من التقديرات. نحو 400 ألف ناخب من أصل مليونين شاركوا في دورة 2022، أي خمس إجمالي المقترعين، أعطوا أصواتهم لما يعرف اصطلاحاً بمرشحي لوائح التغيير. وصل من هؤلاء إلى البرلمان 14 نائباً، سيتموضعون مبدئياً خارج الاصطفافات التقليدية للبرلمان. هذه ظاهرة لم يعرفها، بهذا الحجم، أي من برلمانات ما بعد الحرب. تلك المجالس كانت تطغى على تركيبتها، مع بعض الاستثناءات، في مرحلة أولى الكتل المنضوية تحت الوصاية السورية، ثم في مرحلة ثانية الانقسام العامودي الكبير بين تكتلي 8 و14 آذار، أي حزب الله وحلفاؤه من ناحية، ومناهضيه من ناحية اخرى.

التنوع والتفاوت
من الصعب التنبؤ مسبقا بمآل هذه التجربة الجديدة، رغم الآمال الكبيرة المعقودة عليها. الموجة العارمة المذكورة أعلاه، خصوصاً بالحجم الضخم الذي أتت به، تنتمي إلى فئة "التصويت العقابي" أكثر مما هي للتصويت المبدئي أو "التصويت المفيد". هذا يعكس عموماً صورة ما يرفضه الناخبون وليس بالضرورة ما يريدونه أو يطالبون به، كما أنه يعقّد منذ البداية مهمة النواب الجدد، إذ يلقي على عاتق هؤلاء مهمة استنتاج أو استقراء ما يريده فعلا ناخبوهم الـ400 ألف على تنوعهم وتعدد وعيهم وأولوياتهم، وأحيانا عديدة على تناقضهم. وما يزيد المشهد تعقيداً، أن النواب المنتخبين تحت عنوان التغيير هم أيضاً على درجة كبيرة من التنوع والتعددية من حيث القيم والأفكار والأيديولوجيات والخيارات، وعلى تفاوت ملموس في النضج والخبرة في السياسة والشأن العام. من هنا الصعوبة الفائقة في أن يتوصل هؤلاء، في مهلة زمنية قصيرة، إلى تفاهم صلب حول إطار للعمل المشترك فيما بينهم، سواء بإنشاء كتلة برلمانية تضمهم كلهّم أو معظمهم، أو أي صيغة تعاون أو تنسيق أخرى فاعلة وقابلة للحياة.

في المقابل، الرأي العام يضغط عليهم بقوة في هذا الاتجاه. والبعض يريد نتائج سريعة، لا بل ينظر إلى هذا المطلب باعتباره امتحاناً تأسيسياً لجدارة وجدية هؤلاء النواب. ويساهم في مضاعفة هذا الضغط انطلاق عجلة الروزنامة السياسية، من انتخاب رئيس المجلس ونائبه، ثم اختيار رئيس للحكومة وتشكيل الحكومة، وصولاً إلى استحقاق رئاسة الجمهورية، بعض من ذلك خلال أيام، وبعضه الآخر خلال أشهر معدودة. تلك محطات تتصل بتكوين السلطة، وتقع تالياً في صلب مهام مجلس النواب. لا بل في أعلى سلم أولويات المساءلة والمحاسبة الشعبية والسياسية.

إدارة الأزمة
بالتوازي مع الانتهاء من الانتخابات، وكما كان قد توقعنا، عادت محركات الانهيار نحو الجحيم الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي إلى الدوران، لا بل إلى التفاقم، مع ما يتطلبه ذلك من علاجات طارئة وموضعية بداية، ثم من انعطاف جذري في إدارة الأزمة انطلاقاً من مسبباتها وليس فقط من نتائجها. هنا أيضاً نجد مسائل تقع في صلب انتظارات الناس وتطلعاتهم، بعد سنتين ونيف من المعاناة القاسية والشاملة لمختلف فئاتهم ولمختلف نواحي معيشتهم.

باختصار، وفي مواجهة الروزنامة السياسية المتسارعة والروزنامة الاقتصادية والمعيشية المتدحرجة، الرأي العام يطالب النواب الجدد ليس بالانتظام فحسب، بل بالتوحد. بمعنى آخر، هو يريد منهم أن ينجزوا في بضعة أيام ما عجزت عنه المجموعات التي يتحدرون منها خلال سنتين ونصف، أي منذ اندلاع انتفاضة 17 تشرين.

التسرع والسلق
كان من الوهم التوقع أن ما يعرف اصطلاحاً بمجموعات التغيير والثورة سوف تتقدم إلى الانتخابات بلوائح موحدة. وذلك، لسبب بديهي هو أنها لم تفلح في بلورة مشروع سياسي على قياس الزلازل الكبرى التي ضربت لبنان في السنوات الثلاثة الأخيرة، سواء من حيث الرؤية أو البنية أو البرنامج، وخصوصاً من حيث غياب القيادة القادرة على انتزاع التفويض الشعبي وزمام المبادرة. ومن المبالغة اليوم، لا بل من الظلم الشديد، مطالبة من وصل من هؤلاء الشابات والشبان إلى سدة النيابة بفعل مبادرات قاعدية ومناطقية شجاعة، بالتوحد في كتلة نيابية واحدة، في ظل غياب برنامج سياسي موحد ما زال إنجازه يحتاج إلى جهد كبير. يخشى في حال تم التسرع في هذا المجال، أو الانصياع إلى الضغوط الشعبوية أو التمنيات غير المسندة، أن يسلق مشروع التوحيد هذا، فيولد فضفاضاً وحاجباً التباينات والتناقضات فيما بينهم، والتي لم تتأخر عن الظهور مع الإطلالات الإعلامية العفوية لهؤلاء النواب بعيد انتخابهم، علماً أن هذه التباينات والتناقضات مفهومة ومشروعة.

ما العمل إذا؟

يستحسن في المدى المنظور خفض سقف التوقعات، وحض هؤلاء النواب والنائبات على العمل في الأمد المباشر، ضمن إطار تنسيقي يتعاطى بجدية وكثافة مع قضايا واستحقاقات الروزناماتين السياسية والاقتصادية "بالقطعة"، وتبعاً لورودها، مع الرهان على أن تتقاطع الرؤى والمواقف من تلك الاستحقاقات والقضايا بدرجة عالية، وذلك بدلاً من صب الجهود على مشروع التوحيد المفتعل ضمن كتلة نيابية معلنة وهشّة. مثل هكذا كتلة رسمية ستكون ملزمة إلى حد كبير بتبني أو إظهار نوع من الإجماع في المواقف من القضايا المطروحة. وهذا أمر شبه مستحيل بالنسبة لنواب التغيير، خلافاً للكتل التقليدية الصماء التي تتشكل منها بقية المجلس والخاضعة لمشيئة الزعيم الأوحد.   

ثلاثة محاور
عوض إضاعة الوقت على التوحيد القسري والشكلي، يجدر بالنواب الجدد والمجموعات الجديدة، داخل البرلمان وخارجه، بذل الجهد على "الفرز"، أي فرز القوى ومعهم النواب الجدد تبعاً للقضايا العميقة التي أثيرت في 17 تشرين وعلى ضفافها. وهي تندرج برأيي في ثلاثة محاور عريضة: المسائل المتعلقة بسيادة الدولة وعلاقاتها بالإقليم والخارج عموماً، قضايا الفساد والحوكمة والاقتصاد السياسي، والقضايا المتعلقة بالاجتماع السياسي والمواطنة ومدنية الدولة. كلما جاءت الإجابات متطابقة أو متقاربة في المواقف من هذه القضايا، كلما كانت فرص الالتقاء أو التنسيق متوافرة بين تلك المجموعات والافراد، ومن ضمنهم النواب الجدد. ولا بأس إذا اقتصر أي إطار بداية على من يتشاركون درجة عالية من التقارب والتقاطع، دون سواهم. ولا بأس أيضاً أن ينشأ أكثر من إطار وأكثر من قطب جاذب. المهم الوضوح وعمق التفاهم على الخيارات داخل كل إطار. بعدها يأتي التنسيق والتعاون، وكذلك التباين والتمايز، انما على أرضية صلبة ومحددة المعالم. التكتل، أو التباين، على عمق وصلابة ووضوح في عدة أطر متنافسة أو متعاونة، أفضل بكثير من يوتوبيا الوحدة الشكلية.. حتى ولو كانت هذه الوحدة مطلباً شعبياً عارماً. أما أن تنشأ في مرحلة لاحقة جبهة عريضة أو ائتلاف عريض على نقاط محددة، فهذه مسألة أخرى تبحث في سياقها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها