ثمّة من يمضي بثبات نحو هدف واحد، لخصتها العبارة التي عنونت صور المناسبة الاحتفاليّة: حتّى يُزهر من بيروت ربيع العرب. هنا، يصبح تمثال سمير قصير إلى جانب المحتفلين ذا رمزيّة خاصّة، بل ويُصبح اختيار الساحة نفسها مكانًا للاحتفال مسألة هادفة شكلًا ومضمونًا. ويكتشف المتابع أنّ ثمّة ما هو أبعد من ذلك، مع إشارة المنظمين في كلمتهم إلى بيان الحلم نفسه الذي نشره سمير قصير في خضم مواجهته الوصاية السوريّة على لبنان، على صفحات جريدة النهار، وإلى ما تحقق هذه الانتخابات من إسقاط أبرز حلفاء النظام السوري.
مقارعة الاحتلال والوصاية
رويدًا رويدًا ترسم المشهديّة صورة سياسية متناسقة، شكلًا ومضمونًا، بعدما تكامل شكل الاحتفال مع حديث منيمنة عن العاصمة، ودورها في مقارعة الاحتلالات والوصايات، من الاحتلال الإسرائيلي عام 1982، إلى إخراج الجيش السوري من لبنان عام 2005. ويرسم منيمنة في كلامه عن بيروت مشهد المدينة المتألّقة، المبدعة، المتنوّعة، المدينة التي يتكامل نضالها ضد كل الوصايات مع وقوفها إلى جانب نضالات شعوب المنطقة: من نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، إلى نضال الشعب السوري ضد نظامه. ومرّة جديدة يعود منيمنة إلى العبارة المفتاح: أن يزهّر من بيروت ربيع العرب.
في كلام منيمنة، وإلى جانب البُعد التحرري، ثمّة اصطفاف واضح إلى جانب قضايا العدالة الاجتماعيّة. من الحديث عن النظام الاقتصادي وتركّز الثروة في يد القلّة وسياسات إعادة التوزيع، إلى الحديث عن خوض معركة حماية أصول الدولة رفضًا لتبديدها في عمليّة معالجة خسائر المصارف، وصولًا إلى الحديث عن المخاطر التي قد تحيط بسياسات الخصخصة في هذه المرحلة بالتحديد. وفي كلام منيمنة استعادة متكررة للحديث عن الفئات الأفقر والأكثر هشاشة، ومحدودي الدخل، وبحث دائم عن نوعيّة القرارات التشريعيّة والمعارك الكفيلة بحماية هؤلاء.
في كل ذلك، يرسم الرجل مشهدًا مختلفًا في قلب العاصمة. يبتعد في حديثه عن التصنيفات الإيديولوجيّة التقليديّة المقولبة والجاهزة. لكنّ خطابه يستعيد في طيّاته روحيّة اليسار الاجتماعي، التقدمي والتحرري، الذي لطالما حلم كثيرون باستعادته ومن قلب العاصمة: الذي لا يهادن في قضايا التحرّر من الوصايات والاحتلالات على أنوعها، ولا يهادن في التضامن مع شعوب المنطقة، ويركّز على مواجهة خطاب التهديد والوعيد وسلب قرار الدولة. لكن، وفي الوقت نفسه، هو ذاك الخطاب الذي لا يفوته الحديث على أولويّات العدالة الاجتماعيّة والسياسات الاقتصاديّة العادلة، ومواجهة أطماع الفئة الأكثر نفوذًا بخيرات المجتمع. هنا مجددًا، وبينما يتكلّم منيمنة من قلب الاحتفال، لا يبدو طيف سمير قصير بعيدًا لا شكلًا ولا مضمونًا.
ينهي ابراهيم منيمنة كلامة بإشارة بالغة الأهميّة، إلى أهميّة الانتظام السياسي لدعم المعارك التشريعيّة التي يخوضها نوّاب التغيير، ليدعو بعدها إلى التطوّع داخل حملة بيروت تقاوم لهذه الغاية بالتحديد. وفي كلام ناشطي الحملة، كلام متكرّر عن تطوير نموذجها التنظيمي، ليسمح بالاستقطاب والعمل السياسي في المدينة، وليسمح أيضًا بمواكبة المواجهات السياسيّة التي تبرز بالتوازي مع تمثّل الحملة وقوى التغيير داخل البرلمان. في خلاصة الأمر، يمكن قراءة التالي بين سطور كلام منيمنة وناشطي الحملة: لن يقتصر دور الحملة على دعم المعركة الانتخابيّة، بل يتعداه إلى دور وسياسي منظّم، وإن لم يتبلور بعد شكل هذا الدور وإطاره.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها