السبت 2022/05/21

آخر تحديث: 11:50 (بيروت)

مكاسب "القوات" والمستقلّين وخسائر باسيل: التحولات المسيحية

السبت 2022/05/21
مكاسب "القوات" والمستقلّين وخسائر باسيل: التحولات المسيحية
الناخب المسيحي لم يعد مقتنعاً بتوجهات التيار العوني (Getty)
increase حجم الخط decrease
لو كان النظام الانتخابي اللبناني وفق القانون الأكثري كما كان عليه يوم عاد الرئيس ميشال عون من المنفى في عام 2005 محققاً تسونامي نيابي في جبل لبنان، لكان اليوم حان دور تسونامي سمير جعجع، في الجبل والشمال ودوائر أخرى. غير أن النظام النسبي الذي أقرّته القوى السياسية قبل دورة العام 2018 أنقذ التيار الوطني الحر في هذه الانتخابات النيابية من هزيمة مدوية، حين استطاع إيصال عدد جيد من النواب بأصوات متواضعة، نسبة إلى الأصوات التي حظيت بها كتلة القوات اللبنانية.

الأصوات التفضيلية
حوالى 30%؜ من الأصوات التفضيلية المسيحية حصل عليها نواب التيار، في مقابل حوالي 60% من الأصوات التفضيلية للقوات اللبنانية. وهو ما سيكون موضع سجال في الأيام المقبلة بين الخصمين اللدودين، اللذين استبدلا حربهما في مطلع التسعينات بمعركة سياسية بشعار "من الأقوى" بعد العام 2005.

بين كتلتي التيار والقوات فوارق بسيطة نيابياً، رغم الفوارق الكبيرة بالأصوات التفضيلية لصالح القواتيين، على المستويين الوطني والمسيحي. غير أن هذا التعادل في حجم القوى سيفرض نفسه واقعاً جديداً على الخطاب المسيحي السياسي، إذ سيُنهي مقولة "ممثل المسيحيين الأول"، رغم قول باسيل في مؤتمره الصحافي الثلاثاء، إن كتلته هي الأكبر. بدا باسيل هادئاً وأقرب إلى القيام بمراجعة ذاتية حول نتيجة الانتخابات، التي يدرك جيداً أنها لم تكن لمصلحته، ولكن الضرورات تقتضي أن يتوجه إلى جمهوره بخطاب "انتصار". فرغم كل شيء يعتبر التيار فعلاً أنه انتصر بوجه حرب إلغاء شُنّت ضده منذ السابع عشر من تشرين الأول 2019، ونجح في البقاء على قيد الحياة سياسياً.

خطوات جعجع وبروز المعارضين
في المقابل، يخطو سمير جعجع خطوة خطوة بثبات نحو اكتساح الساحة المسيحية، بدءاً من فئة المراهقين وصعوداً. وهو ما بدا في كثافة مندوبي القوات الشباب من جهة، والناخبين الشباب من جهة أخرى. خصم جعجع اللدود في المقبل من الأيام لن يقتصر على باسيل، بل سيكون المجتمع المدني، الذي تمخض بلوائح معارضة ومشتتة لكنها حصدت أكثر من 14 مقعداً في المجلس النيابي. وهنا يمكن السؤال: ماذا لو كانت تلك المعارضة متحدة؟ في قراءة لنتيجة الانتخابات في المزاج المسيحي، لا بد من قراءة تصويت شريحة كبيرة لصالح لوائح المعارضة. في المتن مثلاً، حصل جاد غصن على أصوات تفضيلية تفوق أصوات نواب أحزاب كبيرة، كإبراهيم كنعان وإلياس بو صعب. ليس تفصيلاً هذا الكلام في المتن الشمالي، المعروف بأنه مصنع الأحزاب السياسية. وما فعله غصن يُبنى عليه، خصوصاً أن خسارته كانت بعشرات الأصوات لا أكثر.

تبدل التحالفات
في المتن أيضاً، كاد أمين عام حزب الطاشناق هاغوب بقرادونيان أن يسقط على يد جاد غصن، فلو فاز الأخير لكان خرج بقرادونيان من البرلمان، ودخل مكانه مرشح منضو في لائحة القوات. وهو ما سمح للطاشناق بإعادة النظر بتحالفاته السياسية، مع بروز معلومات عن توجه نوابه الثلاثة للانفصال عن تكتل باسيل المستقبلي، لتشكيل كتلة من أربعة نواب مع ميشال الياس المر. وفي حال حصل ذلك، فسيكون الأرمن للمرة الأولى منذ عام 2005 في حلّ من أي تحالف مع التيار. متغيّر هو المشهد على الساحة المسيحية، الذي سينعكس بطبيعة الحال على الانتخابات الرئاسية المقبلة، المقررة في أواخر الصيف المقبل. وقد يؤدي هذا الاشتباك السياسي إلى فراغ جديد في قصر بعبدا، بعد انتهاء ولاية الرئيس عون في 31 تشرين الأول المقبل. وقد يحوّل هذا الاشتباك المشهد العام للمجلس النيابي، المعقّد بسبب تشعبّه السياسي، إلى مجلس معطّل بفعل خلافاته.

نهاية الروتين
الأرقام المسيحية أظهرت أن الناخب المسيحي لم يعد مقتنعاً بتوجهات التيار العوني، المرتبطة حصراً بحزب الله، خصوصاً أن التيار لم يتمكن من دفع حزب الله إلى المساهمة في تطبيق أي بند من بنود ورقة التفاهم، الموقعة في عام 2006، بل استفاد من تعطيل الحزب للانتخابات الرئاسية بين عامي 2014 و2016 للإتيان بعون رئيساً. وبرزت مؤشرات حول ذلك في خطاب باسيل، الذي تحدث فيه عن الخروج من المحاور، في اعتراف ضمني له بأن التحالف مع الحزب تحول إلى خسارة مسيحية عامة للتيار. قال الرئيس الراحل كميل شمعون مرة: "من يحكم جبل لبنان يحكم لبنان". حكم التيار بصورة شبه منفردة الجبل بين عامي 2005 و2009، وفي عام 2018 ظل متصدراً رغم بعض الخسائر الطفيفة، إلا أنه بعد انتخابات الأحد 15 أيار 2022، بات يتقاسم الجبل مع القوات نيابياً، لكنه أضعف بكثير منها شعبياً. المسيحيون قالوا كلمتهم الأحد: "الروتين السياسي الذي ساد في السنوات الماضية انتهى إلى غير رجعة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها