السبت 2022/05/21

آخر تحديث: 11:50 (بيروت)

أفراد التغيير وجمع الحركة التغييرية

السبت 2022/05/21
أفراد التغيير وجمع الحركة التغييرية
ممنوع تكرار حالة التشرذم التي عاشتها حركة 17 تشرين (المدن)
increase حجم الخط decrease

يبدو الوقت اللبناني داهماً في كل مواضيعه. حصيلة الانتخابات النيابية، متصلة مباشرة بمهام الوعود والبرامج التي رفعها حشد المرشحين إليها، ومطالب بها، من فاز بالوصول إلى مقاعد البرلمان. جلاء المشهد عن "فسيفساء" تشكل المجموع البرلماني، يطرح على المتابع، من موقع الحركة الشعبية، عدداً من الملاحظات الاستباقية التي يجدر توجيه العناية إليها.

اتساع شقوق النظام
لقد أدّت سنوات الاحتجاج الشعبي إلى زيادة الشرخ في جدار تصلّب النظام اللبناني. هذه الحالة، كانت قائمة قبل الحرب الأهلية، فسمحت بنفاذ التعبيرات الشعبية، سلمياً، من بين "مسامّها"، وتسنّى لقوى المعارضة الوطنية التحرك فوق مساحة حرية مفتوحة، أمام أعين النظام الطائفي القائم، وفي مدى قوته القمعيّة. لقد تميّز الوضع اللبناني على هذا الصعيد، فكان أن تعذّر، ولسبب بنيوي داخلي، نشوء نظام استبداد يكمل عقد الأنظمة الاستبدادية العربية، وكان قد اتخذ القمع الرسمي، أشكالاً من النزاعات الأهلية، ونشوء حالات افتراق داخلية، واهتزاز الوحدة الداخلية، كل ذلك، كبديل من حالة الوحدة "القهرية" التي كانت سائدة في أرجاء المنطقة العربية.

إدراك واقع النظام، وفهم آلية انتظامه، أمران مساعدان لدى معاينة أسباب نجاح الحالة الشعبية، في المرور المتعرج إلى مراكز قرار السلطة القائمة. يُدرج ذلك، في خانة العوامل الموضوعية المساندة لحركة الشارع، ويعيد الاعتبار إلى حقيقة هامة، موجزها: إن نجاح الحركة الشعبية، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى ترجمة ضغط قوى الشارع، في صيغ خروج بعض الفئات المستفيدة منه على انتظامه، عندما تدفعها الحركة الشعبية إلى حدود تحسس مصالحها، وتوقع الخطر المحيط بهذه المصالح، جرّاء انغلاق النظام على نفسه، وجرّاء احتمالات انفجار النسق السلطوي بسبب من هذا الانغلاق.

أفراد التغيير
النواب الذين فازوا باسم التغيير، هم أفراد حتى لقاء برنامجي واضح يجمع شتاتهم، وينظم إيقاع حركتهم. "الفردانية" المشار إليها معلومة ومعروفة، وانتساب كل فرد إلى مجموعة تغييرية "تختلف اسماً وطرقاً" عن الأخرى، يؤكد هذه "الفردانية".

ما هو مطلوب اليوم، ولأن الوقت اللبناني لا يحتمل فترات سماح شعبية، تحديد تعريف واحد، لمن جاؤوا باسم التغيير. التعريف يقرأه الوضع الشعبي في سطور البرنامج المشترك بين النواب الشعبيين، ويعاينه في مشروع التحرك المشترك، الذي سيجمع نشاط كل الفائزين.

في هذا السياق، سيكون ممنوعاً تكرار حالة التشرذم التي عاشتها حركة 17 تشرين، مثلما سيكون مرفوضاً التشظي الجمعياتي بين العناوين الكبرى، هذا لأن الممارسة السياسية تحت قبّة البرلمان، تختلف عن الهتاف في الشارع، ولأن الانتقال من حالة مطالبة النظام من خارجه، إلى حالة مطالبته من ضمن مؤسساته، يتطلب الإكثار من الأساليب العملية، والابتكار في مجال بناء "المشتركات اللحظوية"، وترك الشعار والشعارية، وما خلفهما من مبدئية ضرورية، لقوى الدعم التغييرية المتحركة بين الفئات الشعبية.

جمع التغيير
المقصود بجمع التغيير، هو كل القوى التي انخرطت في النضال الشعبي، وكل القوى التي خاضت الانتخابات النيابية من موضع الاعتراض على أحكام التوليفة السياسية الطائفية. هذا يعني عملياً، إعادة درس خيارات وشعارات وأساليب كل القوى المعترضة على النظام القائم، وكل الجمعيات والأحزاب السياسية، الناشطة من أجل تغيير هذا النظام.

ما يجعل ما سبق ملحّاً، وآنياً، قيام معادلة الاعتراض على تكامل تام ومتواصل، بين قوة الشارع، وتعاظم ضغطه على "النسق الرسمي"، وبين أداء النواب المفترض أنهم سينطقون باسم هذا الشارع، وباسم مصالحه العمومية.

وما يجب أن يكون واضحاً في هذا المجال، احتمال ضياع النواب الشعبيين الجدد بين مناورات "دهاقنة" النظام العتاق، إذا ما تُركوا لاجتهاداتهم، وإذا ما ظلّوا عراة، سياسياً، من مؤازرة السياسة الشعبية الهادرة في الشارع. قاعدة ارتكاز المعارضين في البرلمان، أصوات وقبضات المتحركين في الساحات، أما خلاف ذلك، فتوكيل وتواكل، وهذا أقرب إلى التخلّي عن ممثلين شعبيين، حديثي السياسة، وحديثي التجربة.. وحديثي السنّ السياسي، وهذه "حداثة" لا تسمح لأي مسؤول شعبي، أن يتخذ حيال النواب الجدد وضعية "إذهبوا أنتم وربكم فقاتلوا".

الأداء الجديد
الانتقال الذي أُشير إليه، من الشارع إلى البرلمان، له أداؤه الجديد، هذا يعني مطالب جديدة، وملفّات دقيقة لطرح هذه المطالب. مآل ذلك، الانتقال من حالة الحماسة الخطابية، إلى حالة الهدوء الحوارية، وهذه الأخيرة، تقتضي النزول عن شجرة الشعارية اللفظية، أي الشعارية التي لا تملك قوى تنفيذها، ولا تؤسس لحالة سياسية صراعية، تلقي الحرج على المختلف السياسي، وتحاصره "سياسياً ووطنياً"، أي تضعه على سكّة الاستجابة للمطلب الشعبي، استجابة جزئية، معلنة أو محوّرة أو واضحة أو مستترة.. وهذا مما يُدعى "بالتكتيك" السياسي المتوالي، الذي يراكم النقاط اللازمة للفوز بحاصل الجولات الصراعية.

أي شعارات؟
لقد اعتمد المرشحون- النواب حالياً، عدداً من الشعارات المعروفة، التي تتطلب متابعة وتطويراً، ونادوا بشعارات قصوى، لا تصلح كمادة فورية، في اللحظة اللبنانية المعلومة. لذلك. فـ"القصّ واللصق"، سيكون مطلوباً، إذا ما أراد النواب الشعبيون التأسيس، مع شارعهم، لحركة سياسية تتقدم ببطء، لكن بوضوح، وتراكم بصعوبة، لكن في الاتجاه الصائب، ووفقاً لخطة محدّدة بعناية.

هي إشارات دالّة. البيان الأول، سيرتب صدور بيانات لاحقة. الخطوة العملية الأولى، ستدل على أفق الخطوات المتوالية. طليعة الدعم من هذه المجموعة أو تلك، ستكون مؤشراً على "الجبهوية" الضرورية في الشارع، وعلى نجاح هذه الجبهوية، سيكون للتجربة النيابية الجديدة، نجاحها السياسي الذي ينتظره كل المعترضين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها