الجمعة 2022/05/20

آخر تحديث: 10:31 (بيروت)

تيار المستقبل وتحولات المشهد الانتخابي

الجمعة 2022/05/20
تيار المستقبل وتحولات المشهد الانتخابي
تراجع تيار المستقبل عن التقاط ومواكبة نبض الجماعة السنّية (Getty)
increase حجم الخط decrease
ستشكل الانتخابات النيابية التي جرت في 15 أيار من هذا الشهر مصدراً غنياً ومخزناً وافراً للمعطيات والافتراضات والتحليلات حول لبنان وتركيبته ونسب التمثيل فيه، من الآن وحتى موعد الانتخابات النيابية في دورتها المقبلة بعد أربع سنوات، إذا ما بقي لبنان على صورته الراهنة، وذلك بسبب ما حملته هذه الدورة من معطيات جديدة ومفاجآت ونتائج لم تكن متوقعة. والسبب في ذلك قانون الانتخاب نفسه، وما سيتبعه من أحداث نتيجة الحصيلة التي خرجت بها هذه المنازلة.

تجربة المقاطعة
ما ميز هذه الدورة هو الحدث الفريد الذي رافقها، والذي تمثل بموقف وقرار رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد رفيق الحريري تعليق المشاركة في العمل السياسي، وبالتالي عدم المشاركة في هذه الدورة ترشيحاً وانتخاباً.

طبعاً، الحريري لم يدع أحد إلى مقاطعة الانتخابات، كما حدث في لبنان عام 1992 حين تداعت قوى مسيحية عديدة لذلك، ولا كما حدث في العراق عام 2005. بل إن دعوات المقاطعة أتت من مجموعات محسوبة على تيار المستقبل كرمى لعيون الشيخ سعد، حسب اليافطات التي علقت في بعض شوارع بيروت. لكن الشيخ سعد في المقابل لم يخرج ببيان علني يدعو إلى وقف هذه الممارسات، أو يطالب بالمشاركة الكثيفة، مما دفع بمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان أن يفعل هو وقوى أخرى نجحت في كسر ما سمي مقاطعة السنة. وبذلك يكون سعد الحريري قد حرر سكان العاصمة وأهل بيروت من ذنب الاقتراع لغيره نتيجة انسحابه.

تجربة مقاطعة العام 1992 لدى المسيحيين أتت بنتائج سلبية كبيرة على المسيحيين أنفسهم، وعلى الاجتماع السياسي الوطني لناحية إحداث فراغ في الدولة وشرعية القرارات، مما اضطر القوى المسيحية للعمل بدأب والعودة بشراسة إلى الحلبة.

في العراق سرعان ما تراجع سنة العراق عن قرارهم عام 2005 بمقاطعة الانتخابات، بسبب الخسائر الفادحة التي حصدوها. لكن كان "اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب"، كما يقول المثل العامي. 

الموجة الشبابية
الانتخابات الراهنة أشرت إلى مجموعة من التحولات على مستوى لبنان وعلى مستوى تيار المستقبل، الذي كان موقفه أقرب إلى الحرد الانتخابي منه إلى الموقف السياسي. وقد يكون لهذا الحرد نتائج ودلالات في المستقبل يمكن تلمس مؤشراتها من الآن.

لقد أطاح عزوف تيار المستقبل بمجموعة من المكتسبات كان تيار الرئيس الشهيد رفيق الحريري قد كونها ووقف خلفها.

أولها أن تيار المستقبل ابتعد عن مواكبة الموجة الشبابية لدى نخب أهل السنة والجماعة.

كان الرئيس الشهيد وفي نهاية كل عام دراسي، يقف مزهواً في احتفالات الخريجين من الجامعات، حين يبدأ بمصافحة الطلاب الذين تخرجوا بدعم من مؤسسة الحريري. بمعنى آخر، فإن تيار المستقبل عُرف بأنه التيار الذي كان يرفد النهوض الشبابي لدى أهل السنة وطوائف أخرى، لناحية مواكبة تدفق النخبة المتعلمة إلى سوق العمل أو إلى المناصب القيادية في الدولة والمجتمع. أما الآن، فإن بعضاً من شباب السنّة بدلاً من الانشغال بالقضايا الوطنية، قرروا الانصراف لممارسة هواية السباحة في بركة بلاستيكية بمياه آسنة في حي البرجاوي في الطريق الجديدة، في ابتكار هزلي درامي انتحاري مأساوي لن يكون مثله.

مثال حليمة القعقور
لقد شكل تقدم ونجاح الدكتورة حليمة القعقور عن أحد مقعديّ السنّة في الشوف، وضمناً إقليم الخروب، الإشارة الأولى والقوية إلى أن الموجة الطليعية والتقدمية الشبابية لدى أهل السنّة، باتت من خارج تيار المستقبل الذي كان يرفد ويحيط بتقدم النخب الشبابية لدى هذه الجماعة. من دون أن ننسى أن الدكتورة القعقور المثابرة وصاحبة المواقف الجريئة، هي سليلة عائلة لم تتمكن نخب منها في الوصول إلى الندوة البرلمانية، بالرغم من المحاولات الكثيرة التي خاضها نسيبها حسن القعقور للوصول إلى مجلس النواب، وفشل آنذاك في سبعينات القرن الماضي، حين كان من ضمن الشخصيات المدعومة من الرئيس كميل شمعون من قصره في السعديات.

لقد كانت معركة الانتخابات الفرعية 1971 في دائرة الشوف من أعنف المعارك الانتخابية التي شهدها لبنان، بين زاهر الخطيب الذي تقدم لشغل مقعد والده المتوفي أنور، وحسن القعقور ابن بلدة بعاصير، بالنيابة عن المواجهة بين كميل شمعون وكمال جنبلاط.  

استمر زاهر الخطيب، ابن بلدة شحيم، في شغل هذا المقعد سنوات طويلة ممثلاً إقليم الخروب، إلى أن أزاحه نائب تيار المستقبل من البلدة نفسها النائب الحالي الدكتور محمد الحجار، بغطاء ودعم من الرئيس رفيق الحريري.

الآن وفي 15 أيار 2022، بقي النائب الحجار في منزله، ملتزماً بموقف الشيخ سعد، فيما تثبت من جهة موقع نائب البلدة الثاني الدكتور بلال عبد الله، واستعادت حليمة القعقور المقعد الذي فشل نسيبها في الظفر به منذ أكثر من نصف قرن.

منيمنة وقلب بيروت
الدلالة الثانية التي تؤشر إلى تراجع تيار المستقبل عن صدارة المشهد السياسي الاجتماعي، كتيار رافد ودافع للنخب لدى المسلمين السنّة، جاء من قلب المدينة التي أعاد إعمارها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أي من قلب العاصمة بيروت.

ففي العام 2016، وبعد الهبة الشعبية المدنية الأولى 2015 في ظل الحراك المدني المديني لحملة "طلعت ريحتكم"، تقدم المهندس إبراهيم منيمنة مع رفاق له في دفع وتحريك حملة انتخابات بلدية بيروت تحت شعار "بيروت مدينتي"، فيما دعم تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري آنذاك الرئيس الحالي للبلدية جمال عيتاني. وكانت النتيجة خسارة منيمنة وحملته الطليعية للمنافسة آنذاك.

لقد راكم ودعم النائب المنتخب منيمنة مصداقيته -منذ ذلك اليوم- على الفشل المتلاحق والمتصاعد لرئيس البلدية الحالي المدعوم من المستقبل، ليعود بعد ست سنوات نائباً منتخباً ممثلاً للدائرة الانتخابية الثانية في بيروت، التي كان مثّلها الرئيس سعد الحريري في البرلمان.

كانت الإشارات التي أرسلتها المنازلة البلدية السابقة كافية لمن يريد الالتقاط أن مزاج العاصمة وأهلها بدأ بالتغير تجاه تيار المستقبل وخياراته الإنمائية والسياسية والخدماتية، إلى أن أتت المنازلة الانتخابية الراهنة ليقول المقترعون كلمتهم في صناديق الاقتراع بكثافة، لصالح منيمنة.

ريفي وطرابلس
الإشارة الثانية الدالة على تراجع تيار المستقبل عن التقاط ومواكبة نبض الجماعة السنية، كانت هذه المرة من العاصمة الثانية طرابلس وليس فقط من بيروت. ففي العام 2016، وبالتوازي أيضاً مع معركة بلدية بيروت، حقق اللواء أشرف ريفي الداعم للائحة "قرار طرابلس" فوزاً كاسحاً آنذاك في كسب معركة بلدية طرابلس للائحة المدعومة منه برئاسة أحمد قمر الدين.

وفيما استقال من تيار المستقبل الكادر القيادي الأكثر التصاقاً وقرباً من ناس المدينة، الدكتور مصطفى علوش، دارت الدوائر في المقابل، لتعيد أشرف ريفي -المتقدم في بلدية طرابلس سابقاً كما منيمنة في بيروت- ويتصدر المشهد الانتخابي النيابي في المدينة، ويمسك بقوة بجانب من تمثيلها برلمانياً، بعد أن كان تيار المستقبل متصدراً القيادة.

فقدان الميزة
الدلالة الأكثر قوة في هذا السياق أتت من مدينة صيدا مسقط رأس الحريرية، حيث عاد إلى تصدر المشهد النيابي والسياسي الخصمان اللدودان للحريري، أي أسامة سعد وعبد الرحمن البزري.

الدلالة الأخرى الأكثر عمقاً لا تتصل بتراجع تيار المستقبل على مستوى مواكبة النخب الإسلامية السُنية، بل إن التراجع امتد إلى الميزة الأخرى التفاضلية التي كانت تميزه وحده والتي كان يحملها، كتيار سياسي في الوسط الإسلامي عابر للطوائف. وقد تمثل بخسارة المقعد الماروني الذي شغله النائب هادي حبيش، إضافة إلى باقي المواقع والمقاعد التي كانت لديه عند الطوائف المسيحية.

بعد كل هذه المؤشرات والدلالات والشقوق التي ظهرت في جسم التيار الذي كان يحوذ على كتلة من 33 نائباً مسلماً ومسيحياً عام 2009، هل يمكن لتيار المستقبل أن يستدرك ما أصابه ولحق به؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها