الخميس 2022/05/12

آخر تحديث: 14:36 (بيروت)

للمشاركة حتماً بالانتخابات.. بلا أوهام

الخميس 2022/05/12
للمشاركة حتماً بالانتخابات.. بلا أوهام
لإبقاء الاعتراض على قيد الحياة (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

منذ اتفاق الدوحة (2008) الذي سبق واحدة من أشرس الانتخابات (ربيع 2009) وذهبت نتائجها هباء، بات واضحاً أن النظام البرلماني وُضع جانباً، لصالح "لوياجيرغا" أو مجلس أعيان، يكرّس تقسيم المجتمع اللبناني إلى وحدات قبلية-طائفية، متنازعة الأهواء والمصالح، متوافقة على توزيع مغانم الدولة ومصادرها المالية والاقتصادية.

نظام "التسوية" هذا، الذي كان الحل الوحيد لتفادي الحرب الأهلية -حسبما روّجوا- أبقى الناحية الإجرائية فقط للانتخابات، وألغى مبدأ انبثاق السلطة من صناديق الاقتراع. وترسيخاً لهذه "الديموقراطية التوافقية" (الخالية من الديموقراطية ومن التوافق أصلاً)، تمت هندسة قانون جديد يضمن تماماً استمرار مجلس الأعيان، ويحبس اللبنانيين في متحداتهم القبلية الطائفية. بمعنى آخر، مصادرة الدولة والمجتمع. فكل الذي حدث من تمديد لمجلس النواب وتعطيله، ومن ثم الذي حدث حتى فرض انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية.. أي ما بين 2013 و2018، هي خمس سنوات لفظ أنفاس ما تبقى من إرث النظام الديموقراطي.

هكذا، وبناء على التجربة المريرة طوال عقد كامل، يتضح لنا أن الدولة أضحت في مكان والسلطة في مكان آخر.

أما الانتخابات نفسها، فتبدلت وظيفتها وغايتها. فهي لم تعد مصدر تجديد السلطة أو التمثيل السياسي لإرادة المواطنين. وتحولت إلى صيغة متحذلقة للاستفتاء أو المبايعة.

الانسداد السياسي وتعطيل الديموقراطية، بالتوازي مع مصادرة الدولة والمجتمع، ترافق حتماً (بسبب طبيعة السلطة القائمة) مع نموذج فريد من نوعه للفساد والتخريب الاقتصادي. ما أفضى إلى انفجارات 2019-2020.

على امتداد ثلاث سنوات تقريباً، كان السحق للانتفاضة الشعبية على جرعات مؤلمة وشديدة القسوة. وتم سلب كرامة أغلبية اللبنانيين وتدجين القسم الأكبر من السكان مجدداً. يقول أحدث تقرير للأمم المتحدة: "الأعمال المدمرة للقادة السياسيين والماليين في لبنان هي المسؤولة عن دفع معظم سكان البلاد إلى الفقر، في انتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان. لقد تم دمج الإفلات من العقاب والفساد وعدم المساواة الهيكلية في نظام سياسي واقتصادي فاسد مصمم لإخفاق من هم في القاع. كانت المؤسسة السياسية على علم بالكارثة التي تلوح في الأفق لسنوات، لكنها لم تفعل شيئًا يذكر لتلافيها". هناك عشرات التقارير الأممية المشابهة و"المشينة" بحق المسؤولين، الذين لم يتوقفوا يوماً عن الابتسام أو اصطناع البلاهة إزاءها.

لقد تم رفض مطلب الانتخابات المبكرة، ناهيكم عن مطلب قانون انتخاب عادل، لهذا السبب: اكتساب الوقت حتى تبديد موجة الانتفاضة وزخمها العاصف، وتحويلها إلى زبد متلاشٍ.

بعد كل هذا، اختلّ مجلس اللوياجيرغا اللبناني بـ"طرد" الزعيم السنّي سعد الحريري، كمهزوم وحيد في معركة 17 تشرين، كأضحية دسمة قُدمت للجمهور المهزوم بدوره.

اليوم، يأتي الاستحقاق الانتخابي بلحظة يبدو فيها اللبنانيون إما محبطين لاستعصاء التغيير الذي يتمنونه، وإما مقاطعين تعاطفاً مع زعيمهم الضحية، وإما مندفعين قبلياً-طائفياً للمبايعة، وإما معارضين عنيدين يحاولون الإبقاء على جذوة ديموقراطية على وشك الانطفاء.

بلا أوهام، هذه الانتخابات تحديداً ليس بمقدورها صنع معجزة تحرير الدولة ولا تغيير السلطة. ليس بمقدورها (وفق قانونها) فرز أكثرية تحكم وأقلية تعارض. ومع ذلك هي بالغة الأهمية ومصيرية، ومن الواجب المشاركة فيها بكثافة، لا طمعاً بـ"مجلس نواب" وفق ما نشتهي، بل لإبقاء الاعتراض على قيد الحياة. ولكي تبقى السلطة القائمة غير كاملة التفويض، منقوصة الشرعية. حتى أولئك الذين يقاطعون بغريزة الولاء للزعيم المنكسر، عليهم المشاركة كثأر من "اللاعدالة".

لم تعد الانتخابات اللبنانية متوائمة مع الغاية الدستورية. ولهذا السبب، المشاركة فيها يجب أن تكون لا كمخدوعين، بل ضد الخدعة نفسها. لكي نتمكن من صنع "برلمان ظل" يكون باستمرار شبحاً مخيفاً للذين سيجلسون في قاعة مجلس النواب.

واجبنا اليوم هو الاقتراع بكثافة وبشجاعة ضد هذه الانتخابات الفاسدة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها