الخميس 2022/04/07

آخر تحديث: 16:18 (بيروت)

لينقذ المسيحيون أنفسهم وينقذونا

الخميس 2022/04/07
لينقذ المسيحيون أنفسهم وينقذونا
الخوف على المصير لم يعد تصوراً مستقبلياً (Getty)
increase حجم الخط decrease

لم يتحدد بعد موعد زيارة البابا فرنسيس إلى لبنان المفترضة في حزيران المقبل. مع ذلك، فحضور الفاتيكان "الحميم" والمستدام في لبنان في السنوات الثلاث الأخيرة، والاهتمام الشخصي من قبل قداسة البابا بأحوال البلد، لا ينمّان فقط عن عاطفة خاصة تجاه بلاد الأرز كجزء من "الأراضي المقدسة"، وعن عناية استثنائية بأحوال مسيحيي الشرق بسبب ما ألمّ بهم من نكبات.. بل أيضاً ينمّان عن خوف عميق وحقيقي على مصير مسيحيي لبنان ومصير الكيان نفسه. فزوال لبنان بالصيغة التي للمسيحيين فيها دور الصدارة والتأثير والشراكة الفعالة، يُدخل المشرق العربي في حقبة جديدة تغلب عليها الظلمة والانحطاط، ويمّحي معها تاريخ حضاري ديني لا تعويض لخسارته إطلاقاً.

الخوف هذا يتفاقم أكثر إن كان مصدره أيضاً (وربما أولاً) خيارات المسيحيين وسلوكهم السياسي. فتجربة العقدين الأخيرين أفضت إلى التأكيد مجدداً أن الشطر الأكبر من مسيحيي لبنان لم يتعافوا من "تروما" اتفاق الطائف، واختاروا باستمرار السير في سبيل إسقاطه، وعلى نحو يعاكس كل ما تبنته الكنيسة نفسها وشجعه الفاتيكان ذاته.

والحال أن التحدي الذي يواجه المسيحيين، وهم منقسمون بين خيار صدامي لا أفق له وخيار ذمّي لا حرية معه، لا يسعفهم في تجاوزه والتغلب عليه "الشركاءُ" من الطوائف الأخرى المبتلاة إما بالضعف البالغ أو فائض القوة الذي لا يُحتمل. وهم أيضاً كان لهم السهم الكبير في إلحاق الضعف بالضعفاء ورفد القوة للأقوياء.

الخوف على المصير لم يعد تصوراً مستقبلياً، إنه خطر داهم ولصيق الحاضر. فمنذ أن غلب على الرأي العام المسيحي "هذيان" الرئيس القوي والعهد القوي والتيار القوي (بما يعتمله من تهويمات العودة إلى ماضي الجمهورية الأولى "المارونية")، إضافة إلى الشعارات الكاذبة والبالغة الخداع من نوع "حقوق المسيحيين"، راحت كل المؤسسات التي شقيت أجيال من المسيحيين وعموم اللبنانيين لبنائها منذ منتصف القرن التاسع عشر –على الأقل- تتهاوى بزمن قياسي. مؤسسات لم تقوَ على تقويضها حرب الـ15 عاماً، باتت الآن بحكم السقوط.

لن نكرر هنا سرد ما أصاب كل ما يجعل الدولة دولة: التعليم، الإدارة، الصحة، القوانين، الدستور، الأمن، الاقتصاد، المصارف، الطاقة.. إلخ، فهذه كلها معلومة الحال البائسة. لكن نشير وحسب إلى المؤسسات "الرمزية" والمعنوية والسلطوية التي كان أركانها وحراسها المسيحيون أولاً، ابتداء من رئاسة الجمهورية وصولاً إلى حاكمية المصرف المركزي، مروراً بالمناصب العامة وأدوارها الكبرى في تدبير المجتمع والاقتصاد والسياسة، ناهيك عن صنع الثقافة وهي الأخطر.

كل هذا حلّ به خراب وضرر عميق، لا بالفساد على معناه الشائع، إنما بفساد أشد فتكاً هو انعدام المشروع الوطني. وهذه هي خيبة بكركي تحديداً ومصدر خوف الفاتيكان أيضاً.

فمنذ "التمرد" الذي عاناه البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، إلى المشاكسة العنيفة التي يعانيها البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، معطوفة على المشاغبة السياسية مع دوائر الفاتيكان والتذاكي عليها، يبدو الخيار الانتحاري الذي رأيناه في "حرب الإلغاء" ما زال سائداً على نحو أو آخر.

وكما كان الحال في ذاك الزمن، أي حين اجتمعت إرادة عربية وغربية (وفاتيكانية ضمناً) لصوغ مبادرة إنقاذ تجسدت باتفاق الطائف، يبدو اليوم أن ثمة مسعى جدياً فرنسياً عربياً فاتيكانياً بمواكبة حثيثة من البطريركية المارونية، لصياغة مبادرة ربما يمكنها أن تتحول إلى "مشروع وطني" لإنقاذ لبنان.

هذه هي أهمية زيارة البابا بوصفها تدشيناً لمسار الإنقاذ. فهل سيقبل "الأقوياء" أم سيقتحمون بكركي مجدداً؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها