الإثنين 2022/04/04

آخر تحديث: 11:30 (بيروت)

حول جدوى الانتخابات وعبثية المقاطعة

الإثنين 2022/04/04
حول جدوى الانتخابات وعبثية المقاطعة
الدعوة إلى المقاطعة تعاني مأزقاً أعمق بكثير مما تعانيه الدعوة إلى المشاركة (المدن)
increase حجم الخط decrease

تابعت في الآونة الأخيرة باهتمام الكتابات التي تدعو إلى مقاطعة الانتخابات، خصوصاً تلك الصادرة عن أقلام من صلب انتفاضة 17 تشرين أو متعاطفة معها. الحجج الأساسية التي تستند إليها تلك الدعوات، هي تبعثر قوى التغيير، إخفاقها في صياغة مشروع سياسي وانتخابي واضح، محدودية حظوظها في نيل تمثيل يعتد به في الانتخابات المقبلة. وبالتالي، فوز قوى السلطة وتحديداً حزب الله وحلفاؤه بأغلبية المقاعد، ما يسمح لها بتجديد شرعيتها الشعبية. وتتبعت كذلك مساجلي تلك الأقلام، سواء من الكتّاب أو من المنخرطين المشاركين مباشرة في الانتخابات، وتكونت لدي القناعات التالية:

في السياسة، وعلى بعد أسابيع قليلة عن موعد التصويت، الدعوة إلى المقاطعة تعاني مأزقاً أعمق بكثير مما تعانيه الدعوة إلى المشاركة. صحيح انه سيكون من المفاجئ جداً أن تحدث انتخابات 15 أيار انعطافاً جذرياً في تكوين السلطة، لكن لا يجوز اختزال النتائج بهذا المعطى وحسب. في المقابل، وإذا كانت المجموعات والشخصيات التي تبني رهاناً قوياً على المشاركة داخل "قوى التغيير"، مع كل ما تحتمله عبارة "قوى التغيير" من التباس وتحفظ، قد أخفقت في صياغة مشروع سياسي واضح وجاذب ومؤطر لرأي عام واسع ومتفاعل انتخابياً، فالدعوة إلى المقاطعة ما زالت من حيث التحضير والتنظيم والتعبئة أبعد بكثير عن هذا الهدف من الدعوة إلى المشاركة.

إذن، الغائب الأكبر لدى وجهتيّ النظر تلك داخل قوى التغيير هو المشروع السياسي، الذي هو أشمل وأعقد من مجموع أو حصيلة الأوراق والأدبيات والسرديات الأيديولوجية المبعثرة للمجموعات المتناسلة، أو الاصطفافات والتحالفات والمفاوضات في الغرف المغلقة، أو الأنا الشخصية المتضخمة لبعض رموزها. والحديث هنا يطول ويتشعب. إخفاق قوى التغيير في بلورة مشروع سياسي "مركزي" قادر على ترجمة الاحتقان الشعبي المتفجر في 17 تشرين في صناديق 15 أيار، وبطريقة منظمة على مستوى كل لبنان، أفسح في المجال أمام مجموعات المناطق، لا بل أرغمها، على أخذ زمام المبادرة "من تحت"، أي تولي أمر كل مستلزمات ومكونات المعركة الانتخابية بطريقة لامركزية، كل على مستوى دائرته الانتخابية، من تدبيج الخطاب السياسي وتشكيل التحالفات إلى وضع آلية تأليف اللوائح وإدارة وتمويل الحملة الانتخابية. بالطبع لم ترتق كل الدوائر إلى مستوى النضج نفسه ولم تحرز أيضاً درجة النجاح نفسها. كما أن هذا لا يوازي المزايا الهائلة التي يوفرها وجود حملة مركزية وبرنامج وطني وأهداف مشتركة وشعارات موحدة، وخصوصا خلق تلك الموجة العارمة من الإقبال على التصويت، التي يمكن أن تنجم عن مثل هذه الحملة. على الرغم من ذلك، تبدو في أفق العديد من الدوائر الانتخابية الكثير من الفرص الواعدة واحتمالات النجاح. ويمكن الرهان من دون مجازفة أن مجلس 2022 سيضم في صفوفه نواباً من "صنف جديد" لم تعهده برلمانات الدورات السابقة، المعلبة بمعظمها. ومع بعض المجازفة ورهان معقول على أداء أفضل وإدارة رشيدة للحملات في الوقت المتبقي حتى 15 أيار، يمكن مضاعفة تلك التوقعات.

***

إذا اعتمدنا معياراً أوسع لمفهوم التغيير، أقل جذرية من طموحات القوى الناشئة على ضفاف 17 تشرين، فإن تغييراً سياسياً ذي مغزى قد ينتج عن هذه الانتخابات، ألا وهو فقدان النواة الصلبة التي يقودها حزب الله الأغلبية التي تتمتع بها حالياً في البرلمان. حتى لو لم تنشأ أغلبية جديدة بديلة، فإن تطوراً من هذا النوع، معززاً بوجود عدد من النواب من القوى الجديدة، لا يمكن أن يفسرّ على أنه تجديد للشرعية الشعبية للسلطة الحالية. وحتى لو أستقر الستاتيكو الراهن عددياً مع اهتزاز تمثيل أحد أركان التحالف القائم، وهو أمر مرجح لدى فريق رئيس الجمهورية، فهذا لا يؤدي إلى الاستنتاج آلياً أن السلطة جددت شرعيتها. من ضمن السيناريوهات المحتملة، وحده إخلاء الساحة الانتخابية لحزب الله وحلفائه بما يمكنه من انتزاع أغلبية الثلثين داخل مجلس النواب، يمكن أن ينطوي على مثل هذا التفسير.

في مطلق الأحوال، البرلمان الحالي سيورث البرلمان الجديد في 16 أيار أزمة متعددة الأوجه والمستويات تكاد تكون غير مسبوقة في التاريخ الحديث. والسلطة الحالية، بجناحيها الرسمي والفعلي، ليست فقط عاجزة عن مواجهة هذه الأزمة بل هي المتسببة في نشأتها واستمرارها وتفاقمها. أية "شرعية" يمكن أن تكتسبها تلك المنظومة من نتائج هذه الانتخابات لن يكون باستطاعتها مدّها برصيد يعينها على التعامل الجدي مع الأزمة، حتى لو أضيف إليه وهج السلاح والاستقواء بالخارج والرهان على تطورات دولية تراها مؤاتية، كمثل إحياء الاتفاق النووي أو الحصول على مساعدات أو قروض خارجية جديدة. فنظام التشغيل الذي اعتمده ائتلاف السلطة الحالي لتدبير أموره، وبالتالي تثبيت شرعيته، والقائم على المحاصصة الطائفية والمحسوبية والفساد والزبائنية وتغليب الاقتصاد الأسود الموازي على الاقتصاد الشرعي، أصيب بالشلل التام بعدما استنزف كل طاقات النظام المصرفي والمالية العامة للدولة ومجمل ودائع اللبنانيين، ولم يعد ممكناً احياؤه.

الإفلاس المالي والاقتصادي للمنظومة الحاكمة، وإفلاسها السياسي والأخلاقي الذي تعرّى في 17 تشرين ومن ثم في 4 آب، وعدم القدرة على التعامل بالحد الأدنى مع حاجات اللبنانيين، ستبقى السمة الرئيسية للوضع في لبنان إلى حين حصول التغيير. هذه نقطة انطلاق أساسية، لا بل هي رصيد سياسي تأسيسي لأي مشروع بديل، لكنه بالطبع ليس رصيداً كافياً. كذلك، الانتخابات النيابية محطة مهمة في هذا المسار، يمكن أن تعززه كما يمكن أن تعرضه للانتكاس، لكن لا يجب النظر إليها بوصفها خشبة الخلاص أو آخر المطاف. ثمة ورشة عمل شاقة تنتظر قوى التغيير، لا يجب أن تنتظر 16 أيار كي تبدأ.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها