الخميس 2022/04/28

آخر تحديث: 14:28 (بيروت)

الرئيس عون وكابوس اللاجئ السوري

الخميس 2022/04/28
الرئيس عون وكابوس اللاجئ السوري
..وفي عهده ركب اللبناني والفلسطيني والسوري معاً قوارب الموت في البحر (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease

يكرر الرئيس ميشال عون يومياً، بلا ملل ولا كلل، دعوته لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، بوصفها الترياق السحري لكل مشاكل لبنان. يستقبل الرئيس من الصباح إلى المساء الكثير من الزوار والوفود. ومهما كانت طبيعة اللقاء، يكون لسان حاله الحديث بإلحاح عن اللاجئين وكيفية التخلص منهم.

فهؤلاء سبب أي أزمة يقع فيها البلد. حتى العتمة الوطنية الشاملة سببها هذا اللاجئ.  

طبعاً، هذه واحدة من التكتيكات السياسية التقليدية في البحث عن كبش محرقة يُحمَّل وزر كل المصائب، ولتبرئة النفس من أي مسؤولية أو ذنب.

ومطلب العودة نفسه، هو أولاً حلم ذاك اللاجئ، الذي حتماً يفضّل بيته وأرضه وبستانه ووطنه على تلك الخيمة البائسة، أو الحجرة المعتمة المحشور فيها بناحية بائسة من نواحي لبنان المهملة. كما أن دول العالم والمنظمات الأممية التي تغيثه، تجهد أصلاً للتقليل من أعباء الهجرات الجماعية ومصائبها، وحتماً لا تنتظر رغبات الدولة اللبنانية ورئيسها، إن وجدت سبيلاً لتلك العودة.

فمن يتحمّل مسؤولية استعصاء العودة حتى الآن؟

نحن نعلم أن الذي كان رئيس التيار الوطني الحر ومن ثم رئيساً للجمهورية، هو حليف وثيق لحزب الله، وجزء مما يُفترض أنه "حلف الأقليات"، ومروّج لنسخة جديدة من الأيديولوجية القومية السورية عن"المشرقية" الشوفينية المعادية للعروبة، ويتبنى وصم الثورة السورية بالإرهاب والداعشية بلا تمييز. وكانت له زيارات إلى قصر الرئاسة السورية، ودعا مراراً لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد. وأرسل موفدين ووزراء وعيّن لجاناً، وأحيا المجلس الأعلى اللبناني السوري.  

كما نعلم جيداً، في سنوات رئاسة عون، المحاولات الكثيرة التي جرت مع الدولة السورية، "صديقة" العهد، لترتيب عودة اللاجئين. ونعلم كيف انتهت جميعها بالفشل بسبب الرفض الواضح من النظام السوري، الذي يتبنى سياسة تطهير طائفي صاغها بشار الأسد بعبارة "المجتمع المنسجم". كذلك، لم يخفِ عون حماسته لما سمي المبادرة الروسية لترتيب عودة اللاجئين، والتي كان هدفها الفعلي لا عودة اللاجئين بل فرض التطبيع الدولي مع النظام القائم وتجديد شرعيته ودعم اقتصاده. ولذا، كان المؤتمر الروسي الذي شارك فيه لبنان فاشلاً.

أكثر من ذلك، نعلم أن حزب الله هو شريك أساسي في الحرب السورية، وصاحب الدور البارز في نتيجتها، تدميراً أو تهجيراً، وما تلا ذلك من مصادرة أراضٍ واستيلاء على بلدات وضواحٍ، وأحياناً عمليات استيطان واسعة النطاق. علاوة عن دالته وحظوته ونفوذه في سوريا وتأثيره على سياسة النظام. 

وإذا ما جمعنا الانحياز العوني للأيديولوجية التي بررت للنظام السوري تهجيره لخمسة ملايين سوري إلى الخارج، ولعدد مماثل تقريباً داخل البلاد، ومشاركة الحزب "اللبناني" الأهم والأقوى في تلك الحرب، وهو جزء عضوي في بنية النظام السياسي اللبناني. وإذا أضفنا إليها معارك السلسلة الشرقية.. يكون لبنان الرسمي عملياً شريكاً لا لبس فيه بالحرب السورية، وبنتائجها التي كان أبرزها تدفق نحو مليون لاجئ سوري إلى لبنان، وامحاء الحدود اللبنانية-السورية ابتداء من القصير والقلمون وصولاً إلى قوسايا.

ما لا يقوله الرئيس عون وحزب الله، أن "الشراكة" اللبنانية بالحرب السورية كان لها تبعات ومسؤوليات وأثمان سياسية واقتصادية واجتماعية، لا تتوقف فقط على "أعباء" اللجوء، (وهي بالمناسبة ترفد الاقتصاد اللبناني بأكثر من مليار دولار "فريش" سنوياً!). فمنذ العام 2012 تقريباً، بدا واضحاً بسبب السياسة الرسمية والحزبية أن لبنان دخل حقبة يمكن وصفها بأنها "حقبة العقاب" والعزل والقطيعة.

فمنسوب الانهيار التدريجي للاقتصاد اللبناني كان متسقاً مع منسوب التورط في الحرب السورية إلى جانب نظام الأسد. والدعم الملياري العربي والدولي السخي والموسمي الذي كان يعوّض فداحة الفساد والهدر والفجور الاستهلاكي، وكان يؤجل باستمرار وقوع الكارثة، بدأ يتراجع إلى أن انقطع. ومن ثم دخل لبنان في العزلة التدريجية، عربياً ودولياً.

مع ذلك، وخوفاً من وقوع لبنان في الفوضى الشاملة، وربما استجابة لسياسات "الابتزاز" والاستثمار باللاجئين وتخويف الغرب من تدفق اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين على شواطئ أوروبا، وحرصاً على الاستقرار بالبلد، وبدافع من بقية تعاطف أو عناية فرنسية خليجية، كان مؤتمر "سيدر" عام 2018، فقط للحفاظ على لبنان كدولة.

11 مليار دولار، كاستثمارات في البنية التحتية والإنتاجية بما ينتشل الاقتصاد من كبوته، ويجنب الدولة الإفلاس، هي حصيلة "سيدر". فرصة إنقاذية لا تُقدر بثمن. فرصة أهدرها عمداً "العهد" وباقي عصبة ما بات معروفاً بـ"المنظومة".

في الأثناء، ما زال الرئيس عون عندما يلتقي مثلاً وفد صندوق النقد الدولي، يكرر الفقرات نفسها في كل بياناته وتصريحاته عن اللجوء السوري بوصفه الهم الأول.

ومنذ "سيدر" إلى اليوم، كان للرئيس عون ولحزب الله إنجازات سياسية وأمنية وديبلوماسية باهرة، إن في العلاقات مع العرب أو مع الأمم المتحدة أو مع أوروبا وأميركا، تضاف طبعاً إلى إنجازات مكافحة الفساد والإصلاح والتغيير و"الإقتصاد المنتج"، التي كان من نتائجها، ركوب اللبناني والفلسطيني والسوري معاً قوارب الموت في البحر.

وانتقل لبنان من تلك 11 مليار دولار المصحوبة ببعض الشروط الإصلاحية، إلى هذه 4 مليارات دولار (صندوق النقد) مقسطة على سنوات عدة بشروط مستحيلة على من هم في الحكم ولن يتزحزحوا عنه (ولا عزاء لـ17 تشرين السفارات). وانتهى الأمر إلى برنامج 30 مليون يورو من السعودية وفرنسا لتوزيعها كإغاثة إنسانية، ممنوع على الدولة اللبنانية أن تمسّ قرشاً واحداً منها.

وعلى الأرجح، هذه هي المؤامرة الكونية التي تعاقب انتصار لبنان وحزبه وعهده بمعية بشار الأسد على الإرهاب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها