الأربعاء 2022/04/27

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

فن الابتذال: تشكيل لجنة.. لإعداد مشروع قانون.. لإنشاء مجلس

الأربعاء 2022/04/27
فن الابتذال: تشكيل لجنة.. لإعداد مشروع قانون.. لإنشاء مجلس
خسارة أن هذه الجلسة مغلقة ولا تبث مباشرة على الهواء (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease

لدى السلطة اللبنانية قدرة على الابتذال لا ينافسها فيها أحد.

جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية التي عقدت برئاسة ميشال عون، للتباحث في كارثة غرق المركب الطرابلسي، مثلٌ فظٌ على استهتار هذه السلطة بشعبها، وانفصالها عن أزماته العميقة، ولا مبالاتها بمصيره المشؤوم، الطارئ منه كإغراق مركب بمن فيه، أو المتورم منذ انهيار ما تبقى من أمان اقتصادي.

السلطة التي استمعت إلى قائد الجيش يشرح وجهة نظره من الحادثة المفجعة، قررت أن تسلم قضاءه العسكري التحقيق في القضية، ومع أن مواطنيها يتهمون المؤسسة بالتسبب في غرق المركب، إلا أن السلطة السياسية، وأسوة بالأغاني التافهة التي تمجد الجيش كل سنة في عيده، وضعت كامل الثقة فيه، ولربما عقد الرئيسان والوزراء حلقة دبكة لدقيقة تأكيداً على هذه الثقة.

ثم انتقل مجلس الوزراء بعدها إلى التباحث في أفضل الطرق للتسول، كل وزارة بحسب اختصاصها. وزارة الشؤون الاجتماعية للتواصل مع الهيئات الدولية للبحث في تقديم المساعدة للضحايا وذويهم، والدفاع والخارجية للتواصل مع الجهات الدولية للمساعدة في تعويم المركب.

ليس واضحاً ما إذا كانت هذه السلطة تحاول انتهاز فرصة غرق المركب من أجل جلب المساعدات، أو أنها تعودت على التسول، أم أنها عاجزة فعلاً، عن تعويم مركب ومساعدة ذوي الضحايا.

السلطة عاجزة عن تقديم إجابات شفافة لما حدث، وعاجزة عن تعويم المركب، وعاجزة عن مساعدة ذوي الضحايا. ماذا تفعل إزاء كل هذا العجز؟ تتذكر لأن طرابلس فقيرة، فتذرف دموعها، وتقرر "تشكيل لجنة وزارية برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء (!) هدفها إعداد مشروع قانون يرمي إلى إنشاء مجلس لتنمية الشمال".

خسارة أن هذه الجلسة مغلقة ولا تبث مباشرة على الهواء. فقد كان مفيداً جداً للبنانيين أن يتفرجوا على ملامح عون وميقاتي والبقية الباقية من الموجودين، بينما تصاغ هذه العبارة التي ابتذلت لكثرة استخدامها في الكوميديا. "تشكيل لجنة.. لإعداد قانون.. يرمي إلى إنشاء.. مجلس تنمية". أي غيمة خجل ارتفعت فوق رؤوسهم وهم يبتلعون بجدية "قراراً" كهذا؟ ألم يشعر أي منهم بالإحراج مثلاً؟ تشكيل لجنة؟

السلطة العاجزة عن تعويم مركب كان لها يد طولى بإغراقه، انتبهت بعدما طفا أطفال غرقى على وجه الماء إلى أن الشمال بحاجة إلى تنمية. في صباح اليوم نفسه، قبل غرق المركب، كان الشمال، ومعه العاصمة وبقية المحافظات، سعيداً ومزدهراً، وليس ما يزعج اللبنانيين إلا مبالغة العصافير في الزقزقة. بين يوم وآخر انقلب كل شيء. انهارت العملة والاقتصاد وقضي على البنى التحتية في ساعات. البلد لم يكن يعيش حريقاً عاماً دفع لبنانيين إلى رمي أنفسهم في البحر هرباً منه. لم تكن كل الآفاق مسدودة في وجوههم كي يجدوا البحر وحده منفذاً لهم من هذا الكابوس. لم تكن هذه السلطة مبتذلة بما يكفي لأن تقرر أن أفضل طريقة للتعامل مع الانهيار اللبناني هي التغزل بفقر طرابلس، وأن أقوى خطوة لامتصاص غضب اللبنانيين وخوفهم من الآتي يكون بتشكيل لجنة.. هدفها إعداد..

هذا ابتذال فائق الجودة، موجود في جينات السياسيين اللبنانيين الوراثية. في كل مرة نظن أنهم وصلوا إلى قعرهم، يفاجئوننا بقدرتهم على الهبوط أعمق. تعاطيهم مع مأساة المركب الطرابلسي لا تحيد عن سياق التعاطي المخيب مع أي أزمة. هذا محزن بالطبع. غرق المركب سبقه انفجار بيروت، وستلحقه مأساة جديدة، لا نعلم أين وكيف ومتى، إلا أن السياق العام يبرر مثل هذا التشاؤم. قد نجد في حينها من يقرر تشكيل لجنة جديدة. وقد لا نجد أحداً إذا كانت الكارثة، الآتية لا محال، انفجاراً أعم وأشمل وأقوى من أن تحاول سلطة ما تخبئته بممارسة هواية الابتذال.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها