الأربعاء 2022/04/27

آخر تحديث: 13:07 (بيروت)

الطائف مادة دسمة للانتخابات: تعديل.. أو "وكالة تفليسة"

الأربعاء 2022/04/27
الطائف مادة دسمة للانتخابات: تعديل.. أو "وكالة تفليسة"
مقررات الطائف الإصلاحية باتت في خبر كان (Getty)
increase حجم الخط decrease
هل يكون اتفاق الطائف مادة دسمة للانتخابات النيابية المقبلة، المقرر إجراؤها بعد نحو أسبوعين؟ وهل يدرك المرشحون، كل المرشحين، مفصلية نتائج هذه الانتخابات، خصوصًا إذا ما تمكّن أحد الأفرقاء الكبار المتناحرين من حصد نتيجة عالية، بما يجعله يعلي النبرة مطالبًا بمؤتمر تأسيسي، من خلال توسيعه "بيكار" التهويل بتطبيق نظام "ولاية الفقيه"، أو ما يمكّن الفريق الآخر من أن  يعلي النبرة والتمسك بالدعوة إلى الحياد، بما يعني كل تفاصيل الابتعاد عن التمركز في جهة معينة ضد جهة أخرى، وصولًا إلى  التطورات الإقليمية والحلول المطروحة للصراع العربي-الإسرائيلي، وتجنيب لبنان دفع مزيد من الأثمان من أرضه وسيادته وكرامته؟

ويزيد في استعار هذا الصراع أن الطائف ومقرراته الإصلاحية باتت في خبر كان. والبنود التي لم تنفّذ أكثر من أن تحصى، كحلم إنشاء مجلس الشيوخ، وهو حلم لم تلحظه ورقة مبعوث الجامعة العربية الأخضر الإبرهيمي، التي أعدها نتيجة اتصالاته مع السياسيين اللبنانيين، إنما جاء نزولًا عند رغبة الزعامات الدرزية بهدف تولي درزي رئاسته. علمًا أن الميثاق يرتكز على قيام "دولة علمانية ديموقراطية" وتحرير كل المواقع في الدولة من ملكية الطوائف بدءًا برئاسة الجمهورية وحتى أصغر موظف.

والمعلوم أن البند الأهم في الطائف هو ألغاء الطائفية السياسية لاستكمال مراحل التخلي عن الوباء الطائفي، كما أورد كتاب "الميثاق أو الانفكاك.. الطائف ذلك المجهول" للكاتب المهندس الدكتور نزار يونس. وهو كتاب صدر قبل أشهر وكأنه وُضع لتذكير السياسيين بدولة صيغت ركائز قيامتها بعد الحرب التي شهدتها طوال 15 سنة. لكن ساستها تغاضوا عن تنفيذها وأنهكوها  في صراعاتهم السادية، وقلة من شبابها ومنهم مرشحون لهذه الانتخابات على علم بتفاصيلها!

وإلغاء الطائفية السياسية ليس البند الوحيد الذي لم ينفّذ، بل قد يكون معظم البنود وُئد حال ولادتها. وهي بنود ربما نسيها أو تناساها حكام لبنان منذ 1990 حتى اليوم. وقد أوردها كتاب "الطائف ذلك المجهول"، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: "استقلال الدولة وسيادتها على أراضيها وعلى قرارها واحتكارها السلاح، وحل الميليشيات". وهذا أمر طُبِق انتقائيًا واقتصر على سلاح "القوات اللبنانية"، الجناح العسكري المسيحي، ولا تزال باقي الميليشيات تسرح بسلاحها وتمرح حتى اليوم.

وفي حيثيات  الطائف التي أيقظها الكتاب لئلا تصبح في غياهب النسيان عشية هذه الانتخابات، أن المؤتمرين توافقوا على تنفيذ الميثاق الجديد على مرحلتين: الأولى انتقالية يُعمل بها لإنهاء حالة الحرب. وما أن تهدأ، تبدأ الثانية غداة انتخاب أول مجلس نيابي على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين. وكل ذلك استدعى انتخاب "رئيس عازم على قيادة الحوار"، هو الرئيس رينيه معوض، وتشكيل حكومة وفاق وطني انتقالية تتولى تنفيذ الإصلاحات والعمل على تشكيل الهيئة الوطنية للحوار المنصوص عليها في البند "ج" من الميثاق، برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية رئيسي مجلس النواب والحكومة، لاقتراح الإجراءات والصيغة  الكفيلة إلغاء الطائفية السياسية، والعمل في هذا الوقت على المناصفة الحقيقية في مجلس النواب "المُشكّل من 108 مقاعد، وإلغاء التمثيل الطائفي في الوظائف العامة، وعدم ذكر الطائفة أو المذهب على الهوية".

وفي 5 تشرين الثاني 1989 انتخب النائب معوض رئيسًا، وفي عيد الإستقلال، أي بعد 17 يومًا من انتخابه، اغتيل "الرئيس العفيف الرزين"، وتعرض اتفاق الطائف لانتكاسة كبيرة. و"نيابة عن الأطراف الخارجيين والداخليين المتضررين من فرضية قيامة الوطن اللبناني، تولّى الوصي المنتدَب بعد اغتيال الرئيس، بحذاقة لا مثيل لها، مهمة تعطيل الميثاق والإجهاز على مريديه، واعتمد في سبيل تحقيق أهدافه على المؤسسة السياسية الطائفية التي أعاد تشكيلها من أمراء حرب وأمراء مال، ومن بقايا منظومة الاحتراف السياسي".

ويضيف المؤلف، أنه ليزيد في طعن الميثاق، أقرّ مجلس النواب في تلك الفترة المضطربة، التعديلات التي صدرت بمرسوم في 21 أيلول 1990، وأطلقت على الدستور الجديد تسمية "دستور الطائف". وفي 23 أيار 1991 أصدر رئيس الجمهورية الياس الهراوي القانون الرقم 251، عدّل بموجبه المادة الأولى من قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب، بإضافة مقاعد نيابية على العدد المتفق عليه، وهو مطلب كان الرئيس السوري حافظ الأسد متمسكًا به، وبُذلت جهود شاركت فيها المملكة العربية السعودية لإقناعه بالتخلي عن تمسكه بجعل عدد النواب 128 نائبًا.

وفي خطوة بدت مطلوبة، أشار يونس في "الطائف ذلك المجهول" إلى  إسقاط حكومة الرئيس عمر كرامي في أيار 1992 واستبدالها بحكومة أُسندت إلى الرئيس رشيد الصلح "الذي امتاز بغيابه الدائم، العارض أو المُفتعل عن ممارسة تقاليد عائلته المعروفة بحصافة الرأي وشجاعة القرار"، ووظّف الوصي موقع رئيس الوزارة أداة مطواعة للانقلاب على اتفاق الطائف. وهكذا وضع  الصلح في ذلك العام مشروع قانون انتخاب "مفصلًا على قياس رغبات الوصي المنتدَب ومعاونيه" من 128 نائبًا  بدلًا من 108، ضاربًا عرض الحائط ما أقرّ في الطائف، وجرى في صيف 1992 انقلاب على الميثاق عبر "مسرحية الانتخابات" وسط مقاطعة مسيحية شبه كاملة، وقد شرعنتها سلطة الوصي السوري.

مقررات لم تنفذ، وهي تنتظر ما يريده ناخبو قانون الانتخاب في أوراق اقتراعهم. وهذا القانون هو الثمرة الأسوأ في الوثيقة بعد تعدد "الرؤوس" في سلطة القرار بما يكفل عدم انتاجيتها.

وفي إطار وثائق يونس لتعزيز موارد كتابه، عاد إلى كتاب النائب السابق ألبر منصور "الانقلاب على الطائف" الذي قال فيه: "لا أعتقد أن انتخابات نيابية في العالم يمكن أن تتم كما حصل في لبنان".

وفي ممارسات "اغتيال الطائف"، مورس توزيع المواقع على الطوائف، و"تمت الاستعانة بمرجعية خارجية لإدارة السلطة تحت ستار رعاية الوطن، كما حصل إبان حقبة الوصاية السورية. والأكثر سوءًا تعيين 40 نائبًا عام 1990 للمراكز الشاغرة والمحدثة".

مقررات  مطلوبة من نواب مقبلين غير معروفي التوجهات فـ"الثورة" باتت من دون هوية ومتعددة الرأس كما سلطة الانحلال.  فماذا تريد الثورة غير الظهور؟ "ولاية الفقيه"؟ أم الحياد؟ أم لبنان السيادة؟ أم لبنان الانحلال ووكالة التفليسة؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها