الثلاثاء 2022/04/26

آخر تحديث: 12:35 (بيروت)

للخلاص من النظام السياسي القائم في لبنان

الثلاثاء 2022/04/26
للخلاص من النظام السياسي القائم في لبنان
نظام الإتجار بالطوائف والمذاهب (Getty)
increase حجم الخط decrease

إن النظام السياسي الطائفي مولد دائم للأزمات في لبنان، وهو السبب الرئيسي في فساد السلطة السياسية، وفي تصدع المؤسسات الدستورية، والإنحراف في استعمال السلطة، واستثمار الوظيفة العامة وهدر المال العام، والتدخل السياسي في شؤون الإدارة والقضاء .

إن شكل النظام السياسي في لبنان، هو نظام برلماني حر، قائم على مبدأ الفصل بين السلطات والتعاون فيما بينها، وقد أرسى  دستور العام 1990 (الطائف) قواعد دستورية جديدة، ساهمت في الإخلال بتوازن السلطات الدستورية التي كانت قائمة قبل مؤتمر الطائف، الذي وضع حداً للحرب الأهلية التي دامت زهاء خمسة عشر عاماً متوالية، وإن طبيعة نظامنا الدستوري تقوم على  توافقية تعددية ذات طابع طائفي ومذهبي وشكلت أعرافاً تكاد تسمو على النصوص الدستورية، وهي عموماً ذات صلة بجذور تاريخية تعود إلى زمن السلطنة العثمانية ومتصرفية جبل لبنان  والانتداب الفرنسي.

شكلت  تلك الأعراف الموروثة، مجموعة من القيم الاجتماعية والسيكولوجية لمكونات المجتمع اللبناني، والتي جعلت من الصعوبة الالتزام بالنصوص والمواد الدستورية التي أحدثها اتفاق الطائف، وأدى ذلك إلى عدم الالتزام بغالبية النصوص الطامحة إلى إحداث تغييرات جذرية في طبيعة النظام السياسي، والمتصلة بمغادرة نهج الطائفية السياسية والتوجه نحو الدولة المدنية التي يتوق إليها غالبية الشعب اللبناني للخلاص من فساد السلطة وقيام الدولة الحديثة، والتحول نحو علمانية النظام السياسي في مجتمع مؤلف من ثماني عشرة طائفة متنوعة المشارب والمذاهب.

لقد أتاح النظام الطائفي في لبنان، بنشوء ما يشبه "فيدراليات الطوائف" ذات حدود جغرافية معينة، كما أتاح بنشوء سلطات سياسية محلية شكلت سلطات موازية للسلطة المركزية، وذات ارتباط مباشر بسكان تلك المناطق أو الفيدراليات المسلحة، التي يحكمها أمراء الطوائف الذين أصبحوا جميعهم في رأس السلطات المتتالية منذ مؤتمر الطائف حتى اليوم. كما سعت هذه المنظومات إلى نسج علاقات خارجية بعيدة عن السياسة الخارجية للسلطة المركزية للدولة. ما أتاح لها في بعض الحالات الاستقواء بالخارج على سلطة الدولة و فرض شروطها في تكوين المؤسسات الدستورية الأساسية، ومحاولة فرض معادلة الثلث الضامن في مجلس الوزراء، أو الحصول على أكثرية مطلقة في مجلس النواب. بل أكثر من ذلك، وحيث علت المصالح الفئوية للكتل النيابية أو السياسية على المصلحة الوطنية العليا للبلاد، وخلقت من وقت إلى آخر مناخاً من التوتر السياسي وعدم الانسجام في تحقيق الخيارات الاستراتيجية للوطن من النواحي السياسية والاقتصادية والمالية، والإمعان في استغلال الإثارة المذهبية وشد العصب الطائفي، للحفاظ على استمرارهم في السلطة، بذريعة الحفاظ على مصالح طوائفهم ومناطقهم، وما شابه ذلك.

لذلك، فإن العلة الرئيسية التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه، تكمن في طبيعة هذا النظام ومرتكزاته الطائفية. هذا النظام القديم والمتعفن ينبغي الخلاص منه من أجل خلاص الوطن من أمراء الحرب والزبائنية السياسية، التي تشبه حالة الإتجار بالطوائف والمذاهب، وبالتالي الإتجار بالبشر. إذ ليس في العام كله نظام سياسي يشبه هذا النظام المتخلف عن ركب الحضارة والازدهار الاقتصادي والاجتماعي، بل هو  يساهم في خلق حالة دائمة من عدم الاستقرار والتدهور المستمر في القطاعات الإنتاجية للدولة والمجتمع، وهروب الاستثمارات المنتجة وهجرة الشباب نحو الخارج.

لا خلاص للبنان واللبنانيين إلا بمغادرة هذا النهج المتخلف، والعمل على إقرار قانون انتخابي عابر للطوائف وعلى قاعدة النسبية، وإقرار قوانين جديدة لإحداث أحزاب سياسية علمانية وغير طائفية، وتطبيق المادة 95 من الدستور اللبناني بعد إجراء انتخابات على أساس القانون الجديد، واعتماد مناهج تربوية تساهم في تهيئة الأجواء لقيام الدولة المدنية، ليصار على إثرها الانتقال التدريجي نحو قيام الدولة العلمانية، دولة القانون والمؤسسات، التي هي من أبرز طموحات انتفاضة السابع عشر من تشرين والملاذ الآمن لجميع اللبنانيين في وطن حر سيد مستقل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها