الأحد 2022/04/24

آخر تحديث: 11:05 (بيروت)

الانتخابات كأداة لتغييب الأكثرية الشعبية

الأحد 2022/04/24
الانتخابات كأداة لتغييب الأكثرية الشعبية
هل مقاطعة الانتخابات استراتيجية فعّالة؟ (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

لا يكفي تنظيم وإجراء انتخابات كي يُصنّف نظام سياسي ما على أنه ديموقراطي. بل يستوجب ذلك أن تكون هذه الانتخابات ديموقراطية بالدرجة الأولى، أي أن تكون مستقيمة، وعادلة، تضمن التساوي بين المرشحين وتسمح بانتقال سلمي للسلطة. غير ذلك، تكون الانتخابات سبيلاً للسلطة الحاكمة لتثبيت سيطرتها عبر شرعية شعبية زائفة. 

وهذه من سمات الأنظمة الهجينة Hybrid state. إذ هي أنظمة تجمع سمات أوتوقراطية وديموقراطية في الوقت ذاته، فتمنع الانتخابات من أن تكون حرة ونزيهة، كما ينتشر الفساد، وتغيب سيادة القانون واستقلالية القضاء، ويتم التضييق على الحريات.

وهكذا، يشكّل التلاعب بالعملية الانتخابية ونتائجها وسيلة رئيسية لتوكيد سيطرة الأجهزة الشمولية على مفاصل الدولة، أكان التلاعب من سلطة حاكمة أو تنظيمات سياسية. بالتوازي، تشكل الانتخابات أداة أساسية للسلطة المتحكمة لإرضاء المعارضة بشكليات الترشح والاقتراع، وللحصول على قبول المجتمع الدولي.

لبنان يدخل ضمن تصنيف هذه الأنظمة الهجينة، حيث الانتخابات تفتقد إلى الحد الأدنى من الديموقراطية والنزاهة والحرية. هي تزوير لإرادة الشعب الحقيقية، كونها غير متكافئة وغير عادلة. يُطلب من اللبنانيين المشاركة في انتخابات تسوّق على أنها المصدر الفعلي لإنتاج سلطة. غير أن الانطباع الذي يسود هو عدم جدوى المشاركة، لأن السلاح حزب الله والدعم من حلفائه أقوى من أكثرية قد تنبعث من نتائج الاقتراع. أكثرية مُنعت في السابق وعلى دورتين من الحكم، وفرض عليها الانصياع لحق الفيتو في كل استحقاق دستوري، أكان في الحكومة أو البرلمان أو الانتخابات الرئاسية، كما في السياسة الخارجية وتحقيق المرفأ..

وهنا، ينبعث سؤال مهم: هل مقاطعة الانتخابات استراتيجية فعّالة في الوقت الحالي، أم هي تفويت مناسبة مهمة للتغيير؟

يتمحور هدف معظم استراتيجيات المقاطعة في تأمين تكافؤ الفرص للقوى السياسية، ونزع الشرعية عن عملية سياسية خادعة، وإثارة الاهتمام الدولي بتزوير النخب الحاكمة للإرادة الشعبية. فمقاطعة الانتخابات، في ماهيتها، موقف سياسي مقاوم، كونها مصحوبة بشروط تدعو إلى تعديل السياسات العامة وإجراء انتخابات أكثر نزاهة، وتحقيق المساءلة.

يعتبر البعض أن الانكفاء والانسحاب من المعركة هو "هدية" مجانية لهيمنة حزب الله، وأن مقاطعة الانتخابات ستخدم السلطة المسيطرة، ولا قيمة لها في العملية السياسية. هذا قد يكون صحيحاً في حال أولاً: اعتراف حزب الله بالأكثرية. ثانياً، عدم قمع وترهيب المرشحين المعارضين وخصوصاً الشيعة منهم. ثالثاً، عدم توظيف سلاحه في المعارك السياسية الداخلية.

في ظل هذا الوضع، ما فائدة الانتخابات غير توفير غطاء شعبي لحزب الله، الذي يحمي منظومة يريد من خلالها تغيير النظام في النهاية؟ الانتخابات تبدأ بعد اتمامها. فما الجدوى من انتخاب مجلس نيابي سيتم إغلاقه وتعطيل عمله بإشارة من قائد حزب الله، ضمن استراتيجية أصبحت واضحة تسعى إلى تعطيل المؤسسات وإفراغها من مضمونها، وقضمها، واستنساخ تدريجي لنموذج حكم شبيه بنموذج ولي الفقيه، على نحو تبقى فيه المؤسسات في الشكل، لكنها تخضع لإرادة القائد العليا. 

الانتخاب حق للمواطن وليس واجباً. حق يملك وحده حرية وكيفية ممارسته. المقاطعة الشاملة والواسعة، من الناحية السياسية والواقعية، تمثل الخيار العملي الوحيد في ظل انتخابات غير متكافئة يتواجه فيها فريق عاري اليدين مع فريق مدجج بالسلاح.  لذا، فإن المشاركة، بغض النظر عن النتائج، تعطي الانطباع بشرعية الانتخابات والسياق المنتِج لها. وإذا كانت هذه الانتخابات تسمح بقدر من التنافس، فهو يأتي في إطار استخدام الانتخابات وسيلة للبقاء في السلطة داخلياً، وتكريس شرعية ونيل الاعتراف الدولي خارجياً.

لكن، لكي تكون مقاطعة الانتخابات فعّالة، لا يجب أن تقتصر على حزب واحد أو طائفة أو مجموعة أيديولوجية معيّنة، بل أن تشمل غالبية الشعب بغض النظر عن نفوذ من يمسك بزمام السلطة. إذا قاطع 70 أو 80 في المئة من الشعب، فمن المرجّح أن يكون هذا العمل السياسي ناجحًا. المقاطعة الشاملة هي الاستراتيجية البديلة، بعد أن استنزفت كل الاستراتيجيات والمحاولات، من الانتخابات التي لم يحترم نتائجها الحزب المسلح، إلى التعطيل المنهجي لمؤسسات الدولة، إلى التنصل من مضمون ورقة بعبدا، إلى قلب تفاهمات طاولات الحوار المتكررة. هل يجب أن نشرب البحر كي نعي أن مياهه مالحة؟

مقاطعة الانتخابات الشاملة هي انتفاضة 17 تشرين جديدة، تفرض أكثرية شعبية بوجه أكثرية نيابية مزيفة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها