الأربعاء 2022/12/28

آخر تحديث: 12:32 (بيروت)

حصاد 2022: ورثت الكوارث وشهدت المآسي.. وانتهت دولة "فارغة"

الأربعاء 2022/12/28
حصاد 2022: ورثت الكوارث وشهدت المآسي.. وانتهت دولة "فارغة"
يعيش اللبنانيون حالة إنكار لواقعهم السياسي الذي ينعكس على حياتهم اليومية (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
من يتابع تحضيرات كثر من اللبنانيين للاحتفال باستقبال السنة الجديدة، قد يجزم من دون تردد انهم يعيشون حالة الإنكار الجماعي، كي لا يُقال انفصام في الشخصية.

فالسنة التي يحتفلون باستقبالها، يعرفون تماماً أنها ترث عبء أزمات تتناسل منذ الـ2019 وما قبلها. وكل المؤشرات تؤكد أن مزيداً من الأيام الصعبة تنتظر اللبنانيين عام 2023.

فسنة 2022 التي تضع أوزارها بعد ثلاثة أيام شهدت مآسٍ تداخل فيها السياسي بالاقتصادي بالاجتماعي، ورثت جزءاً كبيراً منها عن سابقاتها من السنوات، وستورثه للآتي منها، تحديداً سنة 2023.

فما الذي حملته سنة 2022 من أحداث ومحطات سياسية نعيش إلى اليوم بعضاً من تداعياتها؟

"اعتكاف" الحريري والانتخابات
في الشهر الأول من السنة، وتحديداً في 24 كانون الثاني أعلن سعد الحريري تعليق عمله وعمل تيار "المستقبل" في الحياة السياسية اللبنانية. برر ذلك حينها بأن "لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني". لكن أسباباً متداخلة كانت وراء "اعتكافه"، منها ما هو شخصي ومنها ما هو سياسي داخلي، وأخرى مرتبطة بعلاقته مع السعودية.

بالتالي، حين جرت الانتخابات النيابية في 15 أيار من هذه السنة، كان تيار المستقبل غير ممثل في المجلس النيابي اللبناني، للمرة الأولى منذ العام 2005.

لكن هذه الانتخابات، التي شارك فيها المغتربون في 8 أيار، حملت بارقة أمل للبنانيين من خلال وصول 13 نائباً جديداً مستقلاً من رحم ثورة 17 تشرين؛ ليخبو بعض من ذلك الأمل من خلال إرباك و"التباس" شابَ سلوكيات بعضهم. ومع ذلك، فإن لبنانيين كثراً لا يزالون يراهنون على كونهم أسسوا لـ"شيء" جديد كسر احتكار الطوائف والأحزاب.

كذلك شهدت هذه الانتخابات، وهي الثانية والأخيرة في عهد الرئيس السابق ميشال عون، ما اعتبر "مفاجآت"، كسقوط كل من رئيس الحزب الديموقراطي طلال إرسلان ونائب رئيس المجلس النيابي السابق إيلي الفرزلي، ونجاح مرشح "حزب الله" عن دائرة جبيل وكسروان، للمرة الأولى، رائد برو.

إلى ذلك، تقدم عدد من المرشحين بطعون إلى المجلس الدستوري. لكن اثنين فقط تم الأخذ بهما، فأُبطلت نيابة كل من رامي فنج وفراس السلوم بعد خمسة أشهر من ممارستهما للنشاط النيابي، وأعلن فوز كل من فيصل كرامي وحيدر آصف ناصر في 24 تشرين الثاني.

الهجرة غير الشرعية
لم تختلف سنة 2022 عن سابقاتها لجهة تهريب الأشخاص على الحدود اللبنانية السورية، لكن الجديد فيها ازدياد الهجرة غير الشرعية قبالة السواحل الشمالية. فقد بلغ اليأس باللبنانيين حد أن يرموا أنفسهم في الخطر والمجهول هروباً من واقعهم. وتجلت المأساة في 23 نيسان بغرق مركب لمهاجرين غير شرعيين، لبنانيين وفلسطينيين وسوريين، فُقد خلاله 22 شخصاً بينهم اطفال.

لكن ذلك لم يمنع استمرار محاولات الهجرة غير الشرعية، سواء للبنانيين أو لمقيمين على الأراضي اللبنانية. منها ما تم كشفه وتوقيفه قبل تجاوزه المياه الإقليمية اللبنانية، ومن المهاجرين من غرقوا، وآخرين نجحوا في الوصول إلى عدد من البلدان، فأقاموا في مخيمات بؤس، أو تم توقيفهم كما حصل مع مهاجرين غير شرعيين وصلوا إلى تركيا، ووضعوا في ما يشبه الإقامة الجبرية في تشرين الأول من العام 2022.

الحكومة والرئاسة: ملهاة ومأساة
إ
ذا كانت ماساة غرق المهاجرين غير الشرعيين حصلت في ظل قيام حكومة "شرعية"، فإنه بعد الانتخابات النيابية، تم مجدداً تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل حكومة جديدة. إلى اليوم لم تُشكل هذه الحكومة. وعوض أن تكون مدخلاً للإنقاذ، صارت تحتاج إلى من ينقذها من التشكيك بـ"شرعية" ممارساتها ودورها ومدى صلاحياتها، وسط تباينات سياسية وانقسامات وخلافات على الشكل والمضمون.

وليكتمل المشهد السياسي بؤساً، فقد تسلل الفراغ إلى القصر الرئاسي في بعبدا ، بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق عون وخروجه منه إلى منزله الجديد في الرابية. وقبل أن يغادر أصدر مرسوما يقضي باعتبار الحكومة مستقيلة، وقد اعتبره بعضهم "لزوم ما لا يلزم".

وقد عجز مجلس النواب، منذ بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس في الأول من أيلول إلى اليوم، عن القيام بواجبه وانتخاب رئيس جديد. واحتار اللبنانيون في توصيف جلسات الإنتخاب العشرة بين الملهاة والمأساة، وإن رجحوا الثانية.

ترسيم الحدود
وسط كل هذه التحديات، وقّع لبنان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل في 27 تشرين الأول من خلال الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، الذي نافس في شهرته المحلية السياسيين اللبنانيين. حددت هذه الاتفاقية حصة لبنان في مناطقه البحرية الاقتصادية، رغم تحفظات عدد من السياسيين وأصحاب الإختصاص على الخط الذي انطلقت منه المفاوضات.

إلى ذلك، بقيت قضية تفجير مرفأ بيروت عالقة من خلال عرقلة العدالة، وبقي أهالي الضحايا يعتصمون ويرفعون الصوت ولا من يصغي أو يبادر.

ومن القضايا الموروثة قضية اللجوء السوري الذي تحول ورقة صراع داخلية-داخلية وداخلية –خارجية، اختلط فيها الشق الإنساني بالعبء الاقتصادي، بالعنصرية المقنّعة حيناً والسافرة في أحيان كثيرة. وستنتقل هذه القضية إلى السنة الجديدة التي ترث الكثير من التي سبقتها. من ذلك مثلاً، استمرار انعكاس الأزمة الاقتصادية المالية والنقدية على معدلات الفقر والبطالة في لبنان، وهي ما تحتاج إلى قراءة مستقلة. إلا أن الخطير انعكاس هذه الأزمة على الأجهزة العسكرية والأمنية وعناصرها الذين انهارت رواتبهم. ويتلقى هؤلاء بعض "الأوكسيجين" الذي يساعدهم على الصمود من خلال مساعدات من عدد من المانحين الدوليين والعرب وفي طليعتهم الولايات المتحدة وفرنسا وقطر والسعودية".

وفي موازاة هذه المساعدات للقوى الأمنية اللبنانية، استمرّت الولايات المتحدة في معاقبة أفراد ومؤسسات لارتباطهم بطريقة أو بأخرى بـ"حزب الله".

على الرغم من كل ما شهدته هذه السنة وما ستورثه من مشاكل وتعقيدات للسنة المقبلة، يواصل اللبنانيون "إنكار" واقعهم والتكيّف. وقد يشرح علم النفس بعضاً من أسباب هذا الإنكار حين يصفه بأنه "ضمن آليات الدفاع والاستراتيجيات اللاواعية التي يتبعها الأشخاص لحماية أنفسهم من الوقوع في مستنقع القلق والتوتر الدائم من خلال رفض جوانب الواقع نفسه".

ويبدو اللبنانيون بارعين في ذلك.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها