الجمعة 2022/12/02

آخر تحديث: 08:01 (بيروت)

بين الحل الرئاسي او الانحلال المؤسساتي

الجمعة 2022/12/02
بين الحل الرئاسي او الانحلال المؤسساتي
هل ستبقى الأوضاع في إطار الإشارات ام ستتسع الى ما هو أكبر وأعمق؟
increase حجم الخط decrease
 

دخل لبنان منذ انتهاء ولاية العماد ميشال عون الرئاسية وسط الشغور في منصب الرئاسة الأولى مرحلة من السباق بين حالين او اتجاهين. الأول وهو انتخاب رئيس للجمهورية يخلف الرئيس عون ويكون الرئيس الرابع عشر للبنان ليعيد انتظام أمور واعمال مؤسسات النظام السياسي ويسمح إعادة تكوينها ويضع البلاد امام بداية مشروع حل، او الاتجاه أكثر فأكثر كل يوم نحو انحلال أحوال البلاد ومؤسساتها وما تبقى من هياكلها على مختلف المستويات وفي كل المناطق علما انها تتعايش مع حالة خاصة معروفة تحت لافتة المقاومة ومناطق نفوذها.

حالة السباق هذه لا ترتبط فقط بوضعية الرئاسة الأولى فقط اذ ان حالة التدهور كانت قد انطلقت او أعلنت عن نفسها منذ اندلاع انتفاضة 17 تشرين الاول/ اكتوبر الوطنية 2019 ومن ثم دخول البلاد في مرحلة التدهور والانهيار المالي ومن ثم النقدي والاقتصادي وصولا الى ظهور علامات التشقق السياسي والاجتماعي.

انعكس امر التدهور بسرعة على مستويات الدخل والمعيشة لدى اللبنانيين الذين انقلبت حياتهم راسا على عقب على مختلف المستويات وسط استمرار الصراع السياسي بين تركة عهد عون الكارثية والاتجاه الى إعادة تكوين السلطة واصلاح المؤسسات والانطلاق مجددا مع رئيس جديد.

لم يكن كلام رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل كلاما في الهواء حين تحدث عن فوضى دستورية واجتماعية مع ما يعني ذلك من إشارات ودلالات، ففي النهاية فان باسيل المنخرط والمتصل بقوة بكل ما جرى كان من السهل عليه تقدير وتحضير ما يمكن ان يجري خصوصا في ظل موقفه من عدم تسهيل أي حل مقترح على مستوى تشكيل حكومة جديدة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي لكي تدير البلاد وكالة عن رئيس الجمهورية خلال مرحلة شغور منصبه ولا على مستوى انتخاب رئيس جديد حتى لو كان من نفس الخط السياسي الذي يدور في فلكه وفي مقدمهم سليمان فرنجية الذي يميل حزب الله وحركة امل اليه بشدة.

حالة التدهور المالي والاقتصادي انعكست وتنعكس على اغلب قطاعات البلاد الانتاجية واغلب مكونات الدولة اللبنانية ومؤسساتها العامة اوالخاصة.

 وصل حال الترهل والعجز الى حدود مأساوية لم يكن لاحد القدرة على تصور انها ستصل الى هذه الحال وخصوصا على مستوى الامن والقضاء، فكثيرة هي الوقائع التي تتحدث عن عجز وارتباك القوى الأمنية في قمع وملاحقة مخالفات كثيرة لأسباب بسيطة منها انعدام الوسائل وامكانات الحد الادنى بين يدي هذه العناصر للتنقل او غيرها من الامور الأخرى حتى بما فيها العادية. وبطبيعة الحال، فان الجسم القضائي قد تعرض هو ايضا بدوره الى حالة عجز وارتباك بسبب الاعتكاف او الاضراب او بسبب التدخلات والضغوط السياسية.

 وصل الامر بالقضاة الى اعلان الاعتكاف والاضراب احتجاجا على أوضاعهم المادية مما عطل اغلب اعمال النيابات العامة.

في المحصلة انهيار شبه شامل لمؤسسات الدولة واعمالها بالترافق مع بداية ظهور مظاهر الانحلال الشامل.

اول الإشارات الدالة على حالة الانحلال، أتت من اعتكاف القضاة وتعطل المحاكم مع ما يعني ذلك من تسيب وفوضى على مختلف المستويات.

 ثم اتت المذكرة التي أصدرها مدير عام قوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان التي تمنح القطعات الأمنية سلطات تنفيذ مهمات الضابطة العدلية عند عدم التمكن من الاتصال بالنيابات العامة عن إعطاء الإشارة القضائية. وتسمح المذكرة بتوقيف أفراد من دون الرجوع إلى إشارات قضائية، وقد برر هذا الإجراء بسبب اعتكاف العدد الأكبر من القضاة عن متابعة أعمالهم، لا بل إن مجموعة منهم أقفلوا خطوط هواتفهم وبالتالي اربكوا عمل القوى الامنية اعتراضاً على تدهور قيمة رواتبهم.

عولجت المسالة بعد تدخلات سياسية واعتراضات قضائية وحقوقية وضجة سياسية كبيرة اندلعت نتيجة الواقعة.

صحيح ان الأمور عادت وانضبطت لكنها شكلت إشارة قوية الى الانعكاسات السلبية لحالة البقاء في الترهل والابتعاد عن الحلول الفعلية.

بعد إشارة الارتباك والترهل الظاهرة من القضاء وقوى الامن الداخلي أتت الإشارات الطبيعية من المجتمع الأهلي والسياسي، في أكثر من منطقة أقدمت جمعيات محلية نتيجة انهيار خدمات القطاع العام على مبادرات فردية واجتماعية منها تزويد الشوارع بمصابيح انارة تعمل على الطاقة الشمسية وقد جرى ذلك في الكثير من القرى والشوارع بما فيها في العاصمة.

الإشارة القوية الثانية أتت من منطقة الاشرفية حيث اقدم النائب نديم الجميل الذي يرعى  جمعية "اشرفية 2020 " على اطلاق ما يسمى مبادرة "عيون الاشرفية" وهي بعد انارة شوارع ومساحات مظلمة في المنطقة تولت الجمعية المذكورة  التعاقد مع شركة امنية خاصة على تنظيم حراسات ودوريات راجلة ليلا بين الاحياء في شوارع الاشرفية لحراستها من السرقات التي انتشرت وكثرت في المدة الاخيرة وحمايتها من التعديات الممكنة. وقد تعاقدت الجمعية المذكورة حتى الان مع نحو مئة شاب من سكان الاشرفية مقابل اتعاب شهرية تقدر بنحو 200 دولار امريكي لكل عنصر حراسة يتنقلون حتى الان على الدراجات من دون أسلحة مزودين بالعصي ومصابيح الإضاءة وقد خصص خط ساخن لتلقي الاتصالات والشكاوي من المواطنين، (معلوم ان هذا المبلغ يفوق باضعاف ما يتقاضاه أي عنصر امني في القوى الأمنية الرسمية). على ان تعمل هذه العناصر بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الرسمية إذا ما استدعى الامر مواجهة أي حادث حسبما صرح النائب الجميل الذي وضع نشاط جمعيته في إطار الشرطة المجتمعية.

من هنا فان الإشارات الظاهرة من تصرفات واحداث عدة انطلاقا من اعتكاف القضاة الى مذكرة اللواء عثمان وصولا الى حركة النائب الجميل ومبادرة عيون الاشرفية "الحراسية"، ليست الا إشارات دالة على الترابط بين ابتعاد الحل المتمثل بانتخاب رئيس للجمهورية مع استكمال انحلال مؤسسات الدولة، فإيهما سيسبق ويسيطر في الفترة المقبلة وفي حال تأخرت الحلول الرئاسية هل ستبقى الأوضاع على ما هي عليه في إطار الإشارات ام ستتسع الى نطاق الاحداث والى ما هو أكبر وأعمق؟   

 

     

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها