السبت 2022/11/05

آخر تحديث: 08:16 (بيروت)

معارضة صيغة الطائفيات الأهلية

السبت 2022/11/05
معارضة صيغة الطائفيات الأهلية
المطلوب الذهاب إلى نقاش العقلية المارونية والشيعية والسنية وغيرها (Getty)
increase حجم الخط decrease

تنصرف الطوائف اللبنانية مجتمعة، إلى ممارسة سياساتها الأقلّوية، ولا تتعب من الحديث الكاذب، عن الحفاظ على لبنان الذي لا ينهض إلاّ "أكثريّاً"، ولا يستمرّ إلاّ بما يلامس الائتلاف الاجتماعي.

تكرار القول إن "التكاذب" يقود التجميع الأهلي اللبناني، لا يفيد عند طلب التحليل والتفسير، لكنّه مفيدٌ عند طلب فضح التكاذب، وعند السعي إلى تبيان جُمَلِه التي تسند بنيانه، كذلك عند الانصراف إلى تفكيك ونقد ونقض "الإيديولوجيا" الكاذبة، التي ما زالت غير واضحة لصفّ واسع من دعاة "التغيير".

الوضوح، لو حصل يسارياً في السابق، كان يفترض معالجته بوضوح النص مقروناً بوضوح العمل. ولو كان الأمر واضحاً لدى دعاة "الليبرالية"، كان المطلوب من هؤلاء، وضوح النص والعمل أيضاً، في التصدّي لتشوّهات النظام الطائفي الذي قام على عجز، واستمرّ على عكّازات أهلية، تعينه على المشي المتعثّر، وتمنعه، حتى تاريخه من السقوط.
انصراف الطوائف إلى شؤونها المستجدّة، لم تدفع المعترضين عليها إلى الوقوف أمام الواقع المستجد، بل هم ما زالوا راسخين في الأساسي من "علم" الماضي، وهم لذلك ما زالوا على هامش العملية الاجتماعية التي يشكّل التجديد المعرفي والسياسي، مفتاح الدخول إلى رحاب متنها.

من الجديد الذي تكرّس بعد الطائف، واقع التوجّه إلى الكتل الأهلية بأسمائها، وليس بصفاتها السياسية. لقد فقد مصطلح "الطائفية السياسية" دلالته المباشرة التي كانت له، في حقبات سياسية اجتماعية ماضية، وحلّ محلّه إسم كل كتلة أهلية، في الانقسام الطائفي الإجمالي، وفي التوزيع المذهبي الفرعي ضمن كل طائفة من الطوائف.

انطلاقاً من اللوحة التوزّعية الأخيرة، التي رافقت رحيل العماد ميشال عون، صار غير مطابق القول بالعونية السياسية، وبات المطلوب الذهاب إلى نقاش العقلية المارونية، فهناك تجتمع خلطة المؤسسات السياسية، الزمنية والمستمرّة في الزمان، التي تشكّل درع الحماية لما تسمّيه الموقع "المسيحي الأول". يعني ذلك، أن العهد المشكو منه مسيحياً، كان محميّاً بالتفاف مؤيديه ومعارضيه، حول الشخص المعنوي، من دون النظر إلى أدائه، وحول الكرسي "الرمزيّة"، من دون الالتفات إلى جدارة الجالس عليها.

ينسحب القول على العقلية المارونية، على حقيقة الواقع الذي يتربّع على سدّته الثنائي الشيعي، حيث الموضوع تجاوز أمر الثنائي وأفعاله، إلى استجابة العقلية الشيعية وردود أفعالها. هذه العقلية، ومن خلال شِيبِ مُنظّريها، وبواسطة الشباب المنافحين عنها، تقف ضد الخطر "الوجودي" الذي يحيق بالشيعة، كلّما لامست جملة ما، مربض مدفع، أو فوهة بندقية. يشترك في إطلاق النفير الدفاعي، "الديني والدنيوي"، ويلتفّ الجمْعُ المادي، حول الرمزي والمعنوي، المتمثّل في الشخص، والمتجسّد في كرسي النظام الثانية، في مشهدية تماثل الدفاعية المارونية، وتلاقيها على ذات الطريق. هذه "الواقعية" الشيعية، أي المرتبطة بالواقع المحسوس، أكثر من ارتباطها بالحسابات الموضوعية العقلانية، تحوز "وسام" الجمهور لتنال ثناءه ورضاه، مما يستبعد القول بتململ شيعي واسع، وبما يؤكد أن الانقياد الشيعي متحقق بالرغبة وبالانحياز، وأن الثنائي السياسي لا يجرّ مؤيديه ومناصريه وشيعته، إلى "الجنّة بالسلاسل".

على ذات المنوال الطائفي، والمذهبي، تضع المعاينة الوقائعية، جانباً، الرؤساء سعد الحريري ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة، وتذهب مباشرة إلى العقلية السنيّة، فهذه صورة مماثلة لزميلتيها الطائفيتين، تقول في بيئتها شبيه ما تقولانه، وتفعل في ميدان سياساتها قرين ما تفعلانه، وتحكم حصيلة أدائها ذات الخلاصة التي لا يحجب بؤسها "سحر البيان".

النطق من موقع الاعتراض على الطائفيات المتمكّنة، المرتاحة إلى بيئاتها المستكينة، يوجب على "النخبة" الاعتراضية البدء من مكانٍ ما، يؤسس لمعارضة لاحقة واضحة قولاً، ومتجدّدة عملاً، ومنتظمة في أدائها وفي أهدافها وفي إعلان الشعارات.

الخلاصة الفورية، التي يجدر بالاعتراض طرحها بعد اختتام مرحلة الرئيس ميشال عون، هي أن هذا الأخير كان رئيساً للخلاصة الطائفية بكل ألوانها، يوم اتفاقها، وظلّ رئيساً لها أيام اختلافها. هو رئيس التفاهمات ضمن الطائفة الواحدة، عندما التقت حسابات مصالح فروعها، وهو رئيسها عندما حلّ الجفاء السياسي محلَّ الصفاء الذي جاء بالرئيس رئيساً. استعادة "الفيلم" الرئاسي تؤكد ما نذهب إليه، والصراخ الذي يصدر عن المنتفع بدايةً، المتَضرّر لاحقاً، لا يغيّر من جوهر التضامنية الطائفية، التي لم يخترقها حتى اليوم، لا صوت مرجعية دينية، ولا صوت حزب سياسي تجرّأ على اختراق المحظور "التضامني".

حالياً يقف لبنان أمام مخاض يوجب اختيار العناوين التي ستحيط بقدوم المولود الجديد. العناوين يجب أن تكون جديدة وتأسيسية لكلام يتجاوز المألوف الذي تداوله اللبنانيون طويلاً، في مقاربتهم لداخلهم "البلدي"، وفي مقاربتهم لمحيطهم الجغرافي، العربي والإقليمي، وكما هو معلوم، فإن الجديد قولاً، يجب أن يرتبط بجديد فعلاً، على سبيل التحضير، والمبادرة، والانصراف إلى إعداد العدّة لكبح ما يمكن كبحه من أخطار مصيرية، إن لم تتوفّر القوى والقدرة اللازمة لإحباطها. في مضمار العناوين، نرى من الضروري الوقوف أمام المسائل الآتية:

1-     دخول لبنان، الرسمي والأهلي، في مرحلة إقليمية جديدة، إسمها مرحلة "السلام الاستثماري" مع دولة إسرائيل.

2-     سقطت جملة الكيان الغاصب، وجملة فلسطين المحتلة، أي سقطت الشعارية المنبرية، وستُطوى راية الاستثمار النضالي، في المسألة الفلسطينية.

3-     حسمت التوليفة الحاكمة موقع لبنان، في ما كان يدعى الصراع العربي الإسرائيلي، فصحّ فيها المثل الشعبي "لبست قِبْعها والتحقت بربْعها".

4-     معنى انحياز حزب الله إلى البقايا العونية، قد يُفسَر بمعنيين: أولهما، استنزاف العونية التي تناوئ حركة أمل، وثانيهما استنزاف حركة أمل التي جاهرت بمقتها للعونية، تياراً وصهراً ورئيساً.

5-     الاستنزاف المشترك، ربما كان هدفه الأخير، إزاحة الشريك الشيعي، فوراثته مستقبلاً، وتحويل العونية إلى "شرّابة خرج" سياسية، تغطي حزب الله ميثاقياً، وتتولى مشاكسة خصومه في الساحة المسيحية. هكذا لوحة، قد تشكل المرحلة الأخيرة، في تحوّل المقاومة إلى نظام عربي آخر، يبدأ بالحريات، وينتهي إلى الهراوات، ويعقد مع الالتحاقات الخارجية التي تقع في صلب مشروعه.

هذه العناوين، وسواها، يجب أن تكون صرخة في الأسماع، فهل يسمع أهل الاعتراض، ونخبه؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها