الجمعة 2022/11/18

آخر تحديث: 07:46 (بيروت)

التوافقية في الطريق الى التسلطية

الجمعة 2022/11/18
التوافقية في الطريق الى التسلطية
التوافق في مفهوم حزب الله يعني الحق بتعطيل أي قرار لا يصب في مصلحته(Getty)
increase حجم الخط decrease
 

أصيبت الأوساط السياسية المتابعة بالمفاجأة بعدما خرج امين عام حزب الله في مناسبة يوم شهيد الحزب بالكلام الجديد والحاسم والعالي النبرة حين تحدث عن المواصفات المطلوبة لرئيس الجمهورية المقبل والذي وصفه بانه ليس الرئيس الذي يدعم المقاومة، بل الرئيس الذي لا يطعن المقاومة في الظهر وأعطى مثالا على ذلك الرئيسين السابقين اميل لحود وميشال عون.

وقد تبع السيد نصر الله في الكلام والتوضيح بعد يومين رئيس الكتلة النيابية للحزب الحاج محمد رعد ليقول بوضوح ما بعده وضوح: "نعرف من نريد ونتحرك من أجل أن يأتي إلى الرئاسة من نريد"، مضيفاً أن "الشغور الرئاسي يصنعه عدم التفاهم على الرئيس اللائق بشعبنا المقاوم، وعندما يحصل هذا التفاهم، يكون هناك رئيس للجمهورية، ونحن مستعجلون على ذلك أكثر من كل الآخرين، والمسألة ليست بارتفاع الصوت، وإنما بجدية الفعل".

امين عام الحزب أوضح النموذج المطلوب والمفضل للرئاسة الاولى ورئيس الكتلة النيابية توجه للأخرين بالقول نحن سناتي بمن نريد ولا تتعبوا أنفسكم،
لأنه لن يأتي رئيس لا نريده.

التحليلات الصحافية والسياسية التي خرجت بها وسائل الاعلام والدوائر السياسية تحدثت عن تبدل في موقف حزب الله، اذ انه كان يتحدث عن التوافق حول الرئيس والان بدل موقفه ليتحدث عن الاتيان بمن يريد.

البعض الاخر انطلق من موقف قادة الحزب في هذه النقطة، ليعتبر ان هذا الكلام يعني ان الحزب يريد واحدا من اثنين أي سليمان فرنجية او جبران باسيل، في حين لم يقفل الباب امام قائد الجيش جوزف عون، بل تركه مواربا.

بالنظر الى التجارب السابقة مع الحزب في مواقف متعددة مشابهة فان حزب الله لم يبدل موقفه من الرئيس والمعركة الرئاسية والذي جرى ان حزب الله بدل لهجته او تكتيكه فيما لم يبدل وجهته الرئيسية والاساسية.

والحقيقة ان من أصيب بالمفاجأة فاتته متابعة مواقف ومنطلقات الحزب بشكل مفصل واساسي، وهو في العمق لم يبدل او يخفي موقفه انما بدل اسلوب التعاطي أي التكتيك وطريقة التعاطي الإعلامي وليس الاستراتيجية التي بقيت ثابتة منذ فترة طويلة.

حزب الله يعتبر من دون تردد، ان أساس قوته نابع من وجود سلاحه ونقطة قوته تعود الى تمسكه بسلاحه وهو لن يتساهل إزاء أي محاولة للمس بهذا السلاح مصدر القوة والنفوذ.

حزب الله يبدل في تعابيره في درجة استخدام الصوت وليس في المضمون.

ان استخدام كلمة توافقية على سبيل المثال، لا تعني بالنسبة لحزب الله الا المشاركة بحق الفيتو أي المشاركة بالقرار وصولا الى الحق بتعطيله اذ لم يكن هذا القرار يصب في مصلحته، التي هي مصلحة بقاء السلاح، حتى لو استدعى الامر تعطيل عمل المؤسسات السياسية والدستورية على الرغم مما قد يحمله هذا التعطيل من اضرار مرحلية او ظرفية.

حزب الله اعتمد هذه الوجهة وقال هذا الكلام واضحا في الوثيقة السياسية التي أعلنها إثر اخر مؤتمر له وهو أوضح حسب نص الوثيقة:"إنّ الشرط الأساس لتطبيق ديمقراطية حقيقية من هذا النوع هو إلغاء الطائفية السياسية من النظام، وهو ما نص "اتفاق الطائف" على وجوب تشكيل هيئة وطنية عليا لإنجازه.

وإلى أن يتمكن اللبنانيون ومن خلال حوارهم الوطني من تحقيق هذا الإنجاز التاريخي والحساس - نعني إلغاء الطائفية السياسية - وطالما أنّ النظام السياسي يقوم على أسس طائفية فإنّ الديمقراطية التوافقية تبقى القاعدة الأساس للحكم في لبنان، لأنها التجسيد الفعلي لروح الدستور ولجوهر ميثاق العيش المشترك".
تضيف الوثيقة: " من هنا فإنّ أي مقاربة للمسائل الوطنية وفق معادلة الأكثرية والأقلية تبقى رهن تحقق الشروط التاريخية والاجتماعية لممارسة الديمقراطية الفعلية التي يصبح فيها المواطن قيمةً بحد ذاته.

إنّ إرادة اللبنانيين في العيش معاً موفوري الكرامة ومتساوي الحقوق والواجبات، تحتّم التعاون البنّاء من أجل تكريس المشاركة الحقيقية والتي تشكّل الصيغة الأنسب لحماية تنوعهم واستقرارهم الكامل بعد حقبة من اللاإستقرار سبّبتها السياسات المختلفة القائمة على النزوع نحو الإستئثار والإلغاء والإقصاء.
إنّ الديمقراطية التوافقية تشكّل صيغةً سياسيةً ملائمةً لمشاركة حقيقية من قِبَل الجميع، وعامل ثقة مطَمْئِن لمكونات الوطن، وهي تُسهم بشكل كبير في فتح الأبواب للدخول في مرحلة بناء الدولة المطَمْئِنة التي يشعر كل مواطنيها أنها قائمة من أجلهم".

ماذا يعني هذا الكلام؟

كلام حزب الله الوارد في وثيقته والذي لم يتراجع عنه، يعني الى ان تلغى الطائفية السياسية فان الحل الواجب اتباعه هو العمل بالديمقراطية التوافقية لضمان المشاركة والعدالة. بمعنى اخر فانه الى ان تلغى الطائفية السياسية فان العمل بكل مواد ونصوص الدستور أي ان الديمقراطية البرلمانية ستبقى مجمدة.

لهذه الأسباب فان الحديث عن التوافقية ليس الا طريقا للوصول لما يريده الحزب وهذا ما عبر عنه السيد نصرالله حين قال نريد رئيسا لا يطعن في الظهر وشرحه محمد رعد باننا سناتي بالرئيس الذي نريده.

باختصار فان التوافقية المزعومة ليست الا طريقا للتسلطية التي تحدد الطريق لوصول رئيس الى بعبدا يريده الحزب شبيها بميشال عون او اميل لحود على أساس ان لا يطعن المقاومة ولا ضير لو نحر كل الشعب اللبناني بفشله ورؤيته المحدودة الضيقة وامراضه النفسية وبطانته الحاقدة، وحتى لو كانت النتيجة كارثة معممة ومتنوعة متشعبة أودت بلبنان الى قعر قعر جهنم.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها