الإثنين 2022/10/31

آخر تحديث: 14:15 (بيروت)

القبيلة العونية.. والقبائل الأخرى

الإثنين 2022/10/31
القبيلة العونية.. والقبائل الأخرى
"الرئيس" هو زعيم قبيلة (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

جارتنا سيدة كأنها دواء لأي جرح، لفرط لباقتها وحسن معشرها. سيدة من لطف ومحبة، ابنة طبقة وسطى متعلمة. مع ذلك، أو رغم ذلك، هي "عونية". ولديها عادة سيئة: إصرارها بين حين وآخر على أن تسحب الكلام تدريجياً نحو السياسة. ليس أي سياسة، بل لإقناعنا بفضائل العونية. وهي بذلك تخرق باستمرار ميثاقاً مع جيرانها جميعهم، الذين يكنون لها الود بشرط أن لا تفتح فمها السياسي. وهم يتجنبون مجادلتها تماماً. فلا هم مستعدون لتغيير قناعاتهم، وبالطبع ميؤوس منها الشفاء من العونية.

رغم إدراكها وإدراكنا هذه الحقيقة، تظل تمارس عادتها السيئة مرة أو مرتين في الشهر.

مثال السيدة العونية، ليس استثنائياً. إذ يمكن تخيّل بسهولة سيدة "تبجّل" نبيه برّي مثلاً، أو تفتدي بروحها وروح أولادها حسن نصرالله. ولسمير جعجع ووليد جنبلاط وسليمان فرنجية وسعد الحريري مئات آلاف السيدات أيضاً اللواتي "يعبدن" هؤلاء الزعماء ولا يتزحزح إيمانهن المطلق بهم.. مدى الحياة.

أما الرجال والشبان فهم مستعدون للموت في سبيل أولئك القادة. وقد برهن هؤلاء الرجال والنساء عن إخلاص وولاء في السنوات الثلاث الأخيرة خصوصاً، إلى حد التطبيق العملي لشعار "بالروح، بالدم، نفديك..". فما أصاب اللبنانيين على يد قادتهم مجتمعين، وفق كل الأدلة والتقارير والوثائق والبراهين والبيانات والفضائح المشهودة، لم يغير في هذا الإخلاص النادر بين الشعوب لقادة وزعماء من هذا الطراز.

كل ما فعلته انتفاضة خريف 2019، أنها أظهرت وجود عشرة بالمئة على الأكثر يمكن وصفهم "مواطنين" أو كائنات سياسية. ما عداهم هم قبائل لا أكثر.

لا يمكن تفسير وجود العونية (والباسيلية) أو الجنبلاطية أو البِرّية أو الجعجعية، بالطائفية وحدها. فهذه الأخيرة هي تقسيم وفرز أولي، ورغم صلابتها لا تكفي لفهم الظاهرة إلا إذا اقترنت بـ"العصبية"، أو الحزبية بمعناها القرآني، أي القبلية كهوية سياسية اجتماعية (وحتى لغوية) لا تتبدل.. ولا خروج منها.

حتى العوني السابق أو الحريريّ السابق، هو عوني أو حريريّ أصولي، أي أكثر تمسكاً وحنيناً لصفاء العصبية.

لذا، وعلى مثال جارتنا، الكلام السياسي عبثي. السياسة بوصفها ديناميكية الخطأ والصواب، النافع والمضّر، الإدارة الناجحة والحوكمة الرشيدة، تصبح هنا قرينة الاستحالة. فلو رأت بعينيها جبران باسيل يرتكب جرماً فستلجأ إلى أكثر الأفكار والتبريرات التواء كي تعذره وتبرئه. وما يغذّي عصبيتها هذه أن مقابلها دوماً ثمة سيدة أخرى ترى قداسة في جعجع أو نصرالله أو برّي..

زعماء قديسون معصومون مقابل زعماء قديسين معصومين. هكذا هي السياسة القبلية اللبنانية.

استثنائية مشهد الأحد 30 تشرين الأول في قصر بعبدا، أن الرئيس هو زعيم قبيلة. دخوله كان بمواكبة من رايات وحشود برتقالية، وخروجه أيضاً، مع إضافة شعيرة توريث الرئاسة وتطويبها (رمزياً) لذكر العائلة، الصهر جبران باسيل.

ما قاله وأثبته المشهد، أن رئاسة الجمهورية طوال الست سنوات كانت فقط تخص القبيلة العونية، التي انعقدت لها الولاية الرئاسية بقوة القبيلة الحليفة (شعب حزب الله). مشهدية الخروج لم تحدث لأي رئيس آخر، لسبب بسيط هو أن لعون قبيلته، في السراء والضراء. وهي لم تكن احتفالاً أو تكريماً بنهاية "عهد" بل عبارة عن مسيرة عبور من مقر إلى آخر، وانتقال من "مضرب" بعبدا إلى مضرب "الرابية".

ذاك ينسحب أيضاً على زعماء القبائل الأخرى، بنشعي-زغرتا، المختارة، معراب، مصيلح، حارة حريك.. إلخ.

والقبيلة العونية كمثيلاتها: الآخرون هم الفاسدون الخطأة المذنبون المقترفون. وعندما نجمع ذلك ونقسمه، فإن الحصيلة المنطقية الوحيدة التي ترضي هذه القبائل، هي أن أولئك العشرة بالمئة وحدهم الفاسدون المجرمون البلا هوية ولا إخلاص ولا ولاء. العشرة بالمئة الذين يستحقون الجحيم وحدهم.

لكن أيضاً القبيلة العونية ليست كمثيلاتها. هي الوحيدة التي تصاحبها على نحو مثالي كل عوارض "اضطراب الشخصية النرجسية": الشعب المختار.

ربما لهذا السبب، ما من "كلام سياسي" مع جارتنا العونية، أو أي عوني آخر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها