السبت 2022/10/22

آخر تحديث: 09:06 (بيروت)

نوّاب تغيير أم نواب جُدُد

السبت 2022/10/22
نوّاب تغيير أم نواب جُدُد
هاتوا أصواتكم، لتكون للنواب القدرة على حمل الصدى، أو لكشف عجزهم (Getty)
increase حجم الخط decrease

يحتاج ممثّلو الاعتراض الشعبي إلى الكثير من الجهد، عندما يطاردون أداء نواب الوجوه الجديدة، وسيحتاجون إلى جهد أوسع، كي يخرجوا من حلقة المفردات التي اعتمدوها، ومن المفردات التي أطلقها غيرهم عليهم، فباتوا أسرى "لغة" مزدوجة، قليلاً ما تدلُّ على "المعنى في نفسها" على ما يقالُ في تعريف الاسم، وقليلاً ما تخرج عن اقترانها بزمان، هي التي يجب ألاّ تقترن بزمان، ودائماً حسب تعريف اللغة للاسم وللمصطلح، ولسائر المفردات.

أيُّ نُواب؟
اجتمع "الشعبيون" على إضافة كلمة التغيير إلى مجموعة النواب الذين وصلوا إلى الندوة النيابية. التدقيق في الصفة المضافة، يحدُّ من صحّة الاستمرار في استخدامها، فأن يقال هذا نائب تغييري، يجعل القول يقع موقع معاني متعدِّدة لدى السامع، أو القارئ أو المشاهد. فما معنى التغيير الذي يُلْصِقُه "الشعبيون" بجمع النواب الذين ما زالوا دون "الاسم"، تعريفاً، ودونه قدرةً أو طموحاً؟. يحيل "التغيير إلى تحوّل صفة من صفات الشيء، أو إلى حلول صفة محل أخرى... فما التحوّل الذي يحمله التغييريون؟ وينطوي التغيير على "استبدال الشيء بغيره... فإذا غيَّر الشيء جعله على غير ما كان عليه..." فأي استبدال يهدف إليه التغييريون؟ وأي شيء سيصير معهم، على غير ما كان عليه؟ الجواب ليس لغوياً، لأن الكلام يجري مجرى السياسة، والردّ ليس إرادوياً، لأن الموضوع مأخوذٌ من دفتر الحسابات، والتبشير الإرادوي لا محلّ له من إعراب الجملة التغييرية، لأنه يأتي في لبوس تخرّصاتٍ وتُرّهات.

خلاصةُ القول أعلاه، إن "التغييريين" اسم يُعتمد لغير "جسم" النواب الذين تُلْقى على أكتافهم، وفي عيونهم، برامج حزبيّات متهالكة، ومشاريع منظمات وتجمعات أهلية، هي "أعْجَاز نخلٍ خاوية"، ما إن تهبّ عليها "ريح صَرْصَرٌ" حتى تحملها يوميات السياسات العنيدة "في الجَارِيَة".

نُوابٌ جُدُد
النواب الثلاثة عشر الذين يُدْعون تغييريين، هم نواب جُدُد من دون إضافة، ولم "يكن لنا عهد سابق بهم". لقد ظهرت المجموعة حديثاً، وعمرها لم يتجاوز السنة، لذلك فلا تجربة سياسية مشتركة، تسمح بالقول إنهم تغييريون، ويريدون استبدال الوضع القائم بغيره. لو كان الأمر كذلك، أو لو كان معنى التبديل هو المعنى، لقرأنا مشروعاً محدّداً، ولسمعنا قولاً مفصّلاً، ولاطلعنا على سلوك وأداءٍ يتناسب مع ما هو معلن من تحديدات سياسية...

النقد الذي وجهته الحزبيّات العجولة، أو المتعجّلة، إلى النواب الجدد وقع في خطأ ابتدائي، عندما ظنّوا له "مَوْنَة" على النواب، لكأنهم من عداد تنظيم أو حركة سياسية مؤطَّرة، كذلك وقع النقد في خطأ استطرادي، عندما حوّل مهمات الحزب الذي يصدر عنه "تقييم" الأداء السياسي، إلى النواب الجدد القادمين من جهات لبنان، ومن اتجاهات تجمعها الشعبية، ولا تشكّل عقد انتظامها الرؤى العديدة لأصحابها.

المجموعة الجديدة، هي "كائن" قيد الاختصار، والحكم على هذا الكائن يكون بمقدار ما تراكمه سيرته البرلمانية، وبمقدار ما يتقدم جلاء ارتباط هذه السيرة بمطالب ومراهنات الكتلة الشعبية، التي يَفترض "حزبيوها"، أنهم ذوو الفضل الأول في وصول عدد من "أبنائها" إلى المؤسسة التشريعية. عملية الارتباط، من طرفي الشعبيين والرسميين، تتطلب وجود الشعبيين على قيد الحركة والضغط والتأثير في الشارع، هذا ليكون ممكناً مطالبة الكتلة البرلمانية الجديدة بحمل صوت الشارع إلى قلب الندوة البرلمانية. التأثير متبادل، وتبادل الإضافة إلى ميزان القدرة مشترك. يصل الصوت العالي من الشارع، فيكون صوت النائب عالياً، يغيب صوت الشارع فيخفت صوت النائب العالي تباعاً، ثم يتلاشى. خلاصة الأمر، صوت البرلمان سيضيع ما دام صوت الشارع في التيه، وميزان القوى يُصنَع خارج مقاعد البرلمان، فإذا تمّت الصناعة، أمكن "للتاجر" المنتخب، أن يعرض إنتاج الصوت الشارعي، مضيفاً إليه من صوته، وسط زحام أصوات تجّار السياسة على ضفَّتي الطائفية والمذهبية.

قاموس المفردات
تسمية النواب، تغييريين أو جُدداً، تفتح الباب، استرجاعيّاً، أمام التدقيق في مفردات جَرَت مجرى "البديهيات" المسلّم بها، منذ العام 1915 ومروراً بيوم 17 تشرين عام 2019، وصولاً إلى الأيام الحالية التي ما زالت تشهد خلافات على صعيد التعريف، وتباينات على صعيد التسمية، وجمود قاتل في ميدان الممارسة العملية.
ما اصطُلِحَ عليه، أي ما أتفق عليه، من قبل الحماسيين السياسيين، إطلاق اسم الثورة على الفترة الممتدّة بين 2015 واليوم. تدقيق المصطلح يفيد أنه "لفظ يطلق على مفهوم معيّن للدلالة عليه، عن طريق الاصطلاح، أي الاتفاق. هكذا، وانسجاماً مع التعريف والدلالة، اصطلح على اسم الثورة "اتفاقياً"، وظلّ التطابق بين الواقع والاصطلاح، موضع خلاف لم تردم فجواته.

لقد كان ضمّ حدث تشرين وما سبقه إلى مصطلح الحركة الشعبية اللبنانية هو الأقرب إلى الواقع، الحركة الشعبية، نسخة 2022، هي ما يلمسه اللبنانيون وما يرونه، وكذلك كانت نسخة 2019. تطور هذه الحركة، في مجال البرنامج والشعار والتنظيم والتنسيق والحركة والتحالفات والتباينات... كان كفيلاً بإعطائها، أي الحركة الشعبية، الاسم السياسي الذي يناسب واقع حالها. هذا يخالف ما حصل، فالتسمية الثورية الاستباقية، لم تمنع حقيقة الحركة الشعبية الفضفاضة، التي كانت تتلمّس طريقها... ثم تعثّرت، فكبَت، فانكفأت، فتبعثرت، مدفوعة بعوامل ذاتية وعوامل خارج "تكوينها" الطريّ العود.

لُغَةً ودلالة، تحمل الثورة معنى محاولة الشعب لإخراج السلطة الحاكمة، وفرض تغيير يطيح بالحكم القديم، ليصير "أبناء" الثورة هم السلطة الجديدة، التي تأخذ على عاتقها إحداث تغييرٍ أساسي في الأوضاع السياسية والاجتماعية... والسؤال الذي يطرح نفسه: هل كان واقع حال حركة 17 تشرين، من بنات أفكار الثورة كما هو معروف عنها، وكما هو متوقّع منها؟ الجواب بنعم، لا يعدو كونه "أحلاماً ثورية" صغيرة، والقفز فوق حقيقة تكوين "الحركة التشرينية"، ينتمي إلى عالم الأوهام. لقد كان المؤكد، يوم حدوث التحرك عام 2019، هشاشة الحشد المجتمع في وسط بيروت، وصلابة نواة النظام الطائفي، وما كان معلوماً، لدى من يريد علماً، تعاظم ضعف هشاشة "الثوار" عندما راحوا إلى "الشمولية" بديلاً من اليومية، وتطور صلابة النظام، عندما استوعب الهجمة ضده، ثم نظّم هجماته المرتدة المتوالية.

صدى اصوات الناس
استعراض قاموس المصطلحات، وتدقيق المفردات، غايتهما استخلاص درس متأخّر، من تجربة قديمة. مضمون الدرس، تجنُّب تكرار افتراض "الثورية" في كل صوت مرتفع، فما هو كل صياحٍ ثورة. وتجنُّب خَلْع رداء التغييرية على كل من خالف النظام بجملة، في غياب نصّ اعتراضي ناظم، وفي غياب حركة شعبية ناهضة صاخبة.

البرلمان ليس بديلاً للميدان. ينجح النائب في معارضته، بالتناسب مع نجاح الشارع في تطوير حركته. بين الشارع والمجلس النيابي، صلة تمثّل وتمثيل. يكون النائب الجديد صوت الناس، عندما تعلو أصوات الناس. هاتوا أصواتكم، لتكون للنواب القدرة على حمل الصدى، أو لكشف عجزهم عن ترداد ما تختزنه الأصوات من شحنات غضب. الشارع ضوء كاشف، في سطوعه، "يكرم المرء أو يُهان".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها