كما هو متوقَّع، مازال اتفاق الترسيم موضع نقد، وموضوع اعتراض، يشترك في ذلك الحزبيّ المقيم على بيانه القديم، "والخبير" الجغرافي أو العارف التاريخي، وذو المنبت "المُدني"، الذي يقترب حقوقيًا، ولا يصيب التوفيق سياسيًا، وإلى أولئك يُضافُ عدد من المهتمين من موقع السؤال والحرص...لكن الكثرة الساحقة من أولئك، لا تقترح سلوكًا عمليًا، من قبيل عرض الاتفاق على الاستفتاء الشعبي، أو الدعوة إلى تعديله، أو المناداة برفضه، أو الاحتفاظ ببنود "ربط نزاع"، حول قضايا قد تمسّ، في المستقبل، بالمصالح العليا اللبنانية.
السمَة العامة لكل ما ورد من اعتراض، هي سمة الارتباك والحيرة، في السياسة وفي العمل. مصدر ذلك، المعلن أو المضمر، هو الإقرار بالعجز، واقعياً، في الظروف الدولية والإقليمية المعلومة، وفي الظرف اللبناني الراهن، الذي بلغ مستوياتٍ خطيرة من تدهوره، من دون قدرة قوى الاعتراض مجتمعة، على صياغة مشروع كبح ناجح، سياسياً وشعبيًا، في مواجهة التوليفة الرسمية المتحكمَة.
على أن ما هو لافت، في سياق الحيرة والارتباك، هو موقف القوى التي اعترضت على سياسات حزب الله، عندما هدّد باستخدام القوة بحرّا، فدعته إلى الامتناع عن إدخاله لبنان في حرب جديدة، ثم عادت، ذات القوى، لتنتقد الحزب، عندما وافق على الترسيم، معلِلًا الأمر، بالالتزام بما تقرّره الدولة اللبنانية. السؤال الذي يطرح في هذا السياق، ما المقترح على حزب الله؟ رفض الاتفاق؟ منعه بالقوة؟ الجواب المعلوم، إن للحزب مصلحة في ذلك، بديهي ولا يثير استغرابا، فالمصلحة تقود كل اتفاق، لذلك يستمر السؤال: هل يرى المعترضون مصلحة في التزام الحزب هذه المرة أم لا؟ وهل يمكن توظيف ذلك في سياسة نزع الذرائع "السلاحية" فيدعى إلى ترسيم برّي، فتزال ذريعة شبعا البرية، بعد أن أزيحت "شبعا" البحرية؟.
نعتقد بضرورة نقل الهموم الاعتراضية إلى مجال آخر، بحيث تتقدم المواضيع الجديدة الناجمة عن الاتفاق، سائر البيانات القديمة المنتهية الصلاحية السياسية.
خارج الغربال
صحيح قول القائل: إننا أمام مفصل تاريخيّ جديد. الصحيح استطرادا، أن التاريخي الجديد يجعل ما سبقه غير تاريخي عندما يقصيه.
بين التاريخي الجديد، وما كان تاريخيا ذات يوم، فارق عناوين كثيرة، تستدعي استحضارها، بهدف مراجعتها، بحيث يكون الجديد الفكري والسياسي، من نصيب ما هو مستمر واقعيا، من هذه العناوين، وتكون الإحالة إلى المحفوظات من نصيب ما بات غير راهنٍ منها.
من المواضيع التي ترافق اللبنانيين عموماً، والساسة منهم على وجه الخصوص، موضوع الصراع العربي الاسرائيلي، وإعادة تعريفه اليوم. الصهيونية والمشروع الصهيوني، وما مضمونه الراهن. المسألة الفلسطينية، تعريفها في واقعها، وقول الرأي فيها، وفي كيفية الانضمام أليها، بالمؤازرة والمساندة، وضد التخريب ضمنها والمزايدة عليها.
إلى ذلك، ما هو واقع العروبة اليوم، بعد رحلتها الطويلة، بعد الحرب العالمية الأولى وبعد كل القصص الاستقلالية والوحدوية والانفصالية.
عنوان العالم بقضاياه عنوان حاضر بقوة، والنظرة الجديدة إلى مراكزه وأطرافه وتوازناته، بعيدا من الشعارات المنقولة من القرن التاسع عشر، مهمة جديّة لمن أراد انخراطا جديا في المعاصرة، ومسؤولية يجب أن يتحملها من يريد القراءة بعين ناظرة مفكرة، تستبعد عين قراءة المؤامرة المستدامة، وتلاحظ، أقلّه، لماذا تصيب المؤامرة النجاح عندنا، وتخفق في ديار غيرنا.
أما العنوان اللبناني، فيظل في مركز خلاصات كل تلك العناوين، ولعل القراءة الشاملة هدفها وطني داخلي، إذ يكون السير على هدى سياسي عند النجاح في الجمع بين القراءة المستنيرة خارجيا، وبين القراءة الواعية المسؤولة داخلياً، هذا لأن التفاعل بين داخل وخارج، وحسن إدارة التوازن بين أساسيات هذا، وضرورات ذاك، عاملان مقرران في استقرار الأوطان.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها