السبت 2022/10/15

آخر تحديث: 10:18 (بيروت)

حديث التهجير والاتفاق وهوس طرد السوريين

السبت 2022/10/15
حديث التهجير والاتفاق وهوس طرد السوريين
تعاملت الحكومة اللبنانية مع اللاجئين السوريين كحضور ثقيل غير مرغوب فيه (عامر عثمان)
increase حجم الخط decrease

لم أفهم بالضبط الصلة بين انجاز لبنان اتفاقية ترسيم حدوده البحرية مع إسرائيل، وبين قراره ترحيل اللاجئين السوريين واعادتهم قسرا الى بلادهم. ولا يمكن بحال تجاهل هذه المزامنة التي أصر عليها الرئيس ميشال عون حينما قال أمام أعضاء في نقابة المهن البصرية "إن إنجاز الاتفاقية سيتبعها ابتداء من الأسبوع المقبل، بدء إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم على دفعات". 

نعلم طبعا، ان الحكومة اللبنانية تعاملت مع اللاجئين السوريين كحضور ثقيل غير مرغوب فيه، ولم يخجل مسؤولوها من إعلان ذلك دوما، وإطلاق الشكوى تلو الشكوى بشأن السوريين "الذين يأكلون خبزنا"، فيما تحول السوريون إلى مادة أساسية في السباق السياسي، وبرز خلاله وزراء وسياسيون، يوصف أقرانهم في الغرب بالفاشية والنازية والعنصرية، لكنهم في بلداننا يصبحون مسؤولين وقادة والأهم أنهم "داعمون للمقاومة".

هوس طرد السوريين

يقدم الوزير عصام شرف الدين كنموذج صارخ عن هؤلاء . هذا الوزير، أو قل رجل الأعمال، لم ينتج عداءه للسوريين من محض "حرصه" على خبز اللبنانيين. فهو يمثل جزءا من الطبقة السياسية اللبنانية القريبة من النظام السوري، رشحه طلال أرسلان المتحالف مع بشار الأسد ومع حزب الله، ليكون لاحقا أشد المتحمسين لطرد السوريين، وتملكه هذا الهوس مدعوما من الرئيس عون، في مقابل خلاف جوهري وعلني مع رئيس الوزراء نجيب ميقاتي.

هل كان شرف الدين يعمل لوحده، أم أنه كان ينفذ أجندة تخدم نظام دمشق، متذرعا ومعسكره العنصري بجملة أكاذيب وأضاليل حول اللاجئين السوريين، وما يسببونه حسب هذا المعسكر من أذى للاقتصاد اللبناني؟ لم يذكر أي من هؤلاء ما توصل إليه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من ان كل دولار تم إنفاقه من المساعدات الإنسانية الدولية على اللاجئين السوريين كان له تأثير مضاعف تقريبا في تغذية الاقتصاد اللبناني بما يقدر بـ 1.6 دولار. صدر هذا التقييم في عام 2015، ومن المتوقع ان يكون هذا التأثير الإيجابي قد أزداد، لكن ضرورات أجندة نظام دمشق وحتميتها الراهنة هي من يسري في نهاية المطاف.

ماذا لو لم يكن السوريون هنا؟

ما الذي كان يمكن أن يحدث لولا وجود مليون ونصف المليون لاجئ سوري في لبنان؟ هل كان اللبنانيون سيأكلون خبزا أكثر، أم أن أمنهم ووضعهم السياسي سيكون أفضل، أم أنهم ربما لم يكونوا ليواجهوا الوصول للهاوية الاقتصادية كما وصفها عون؟

في حقيقة الأمر، لا شئ من ذلك، بل العكس هو الصحيح، حيث أسهم وجود اللاجئين السوريين في تنشيط الاقتصاد، وسد الفجوة في العمالة ببعض المجالات التي تتطلب خبرة متدنية مثل الزراعة والبناء ولا يعمل فيها من اللبنانيين أكثر من 14 بالمئة حسب الإدارة اللبنانية المركزية للإحصاء، مقابل نحو 50 بالمئة من السوريين وفقاً للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين واليونيسيف وبرنامج الأغذية العالمي. 

وبالإضافة لهذين القطاعين، سدّ اللاجئون السوريون الفراغ في بعض القطاعات التي كانت تعاني من نقص في العمال، كقطاع الخدمات المنزلية ومتاجر البقالة، وخدمات التنظيف وجمع القمامة، وهم لا يتنافسون في هذه مع اليد العاملة اللبنانية، بل مع أقرانهم من العمال المهاجرين، على وظائف تتطلب خبرة متدنية وأجور منخفضة. لذلك مع تنفيذ خطة الإعادة القسرية، قد يجد اللبنانيون أسواقهم بلا منتجات زراعية كافية، والقمامة تغطي شوارعهم.

لقد تلقى لبنان ما يقارب الـ٥٫٨٣ مليار دولارا على شكل مساعدات إنسانية بين عامي ٢٠١٣ و٢٠١٨، موجهة للاجئين السوريين، وهذا الأمر أدى إلى توسيع الأعمال وخلق وظائف جديدة لتلبية الزيادة في الطلب على السلع. نتيجة لهذا النشاط الاقتصادي المتزايد، أسهمت هذه المساعدات السنوية في إدخال ٩٫٣٣ مليار دولار إلى الاقتصاد اللبناني.

ما قبل النزوح

مقابل هذه الحقائق تشير دراسة للبنك الدولي صدرت عام 2012 إلى أن الاقتصاد اللبناني لم يخلق بين عامي ٢٠٠٤ و٢٠٠٩، سوى ٣٤٠٠ وظيفة جديدة فقط، في مقابل التحاق ما يقارب ١٩٠٠٠ فرد جديد إلى سوق العمل سنويا، وكان ذلك بالطبع قبل نشوب الثورة السورية وبدء ظاهرة اللجوء السوري. 

مشكلة لبنان إذا ليست في اللاجئين السوريين (تصر الحكومة اللبنانية على وصفهم بالنازحين) بل في حكومات هذا البلد وطبقته السياسية التي فشلت في بناء اقتصاد متماسك أو في منع الفساد وتهريب أموال المودعين. اللاجئون لم يسرقوا هذه الأموال، السياسيون هم من فعل ذلك، وبعض هؤلاء السياسيين وشركائهم من رجال الأعمال والطبقة الثرية اللبنانية، ما زالوا يحصنون أنفسهم بتملق القوة المهيمنة على الدولة أو ما يسمى المقاومة، وهم ذاتهم الذين يرمون ما فعلت أياديهم على عاتق السوريين.

أما عن مزامنة الإعلان العوني مع الاتفاق مع إسرائيل، فذلك أمر آخر، قد لا يمكن تبريره بمجرد المصادفة، ولن نستبعد أن يكون أحد المضامين غير المعلنة في الاتفاق، حيث يقبل لبنان بالشروط الإسرائيلية، مقابل غض الأميركيين النظر عن إبعاد اللاجئين السوريين، وكذلك بقية الدول الغربية والمنظمات الدولية، ربما مع بعض التصريحات لرفع العتب.

أخيرا، تغافلت متعمدة عن تناول الجانب الإنساني في الموقف اللبناني. فلست أحلم بموقف إنساني تجاه اللاجئين من قبل سياسيين متواطئين مع النظام الذي هجّرهم، ومع تواطئ دولي متوقع ربما لن نجد من المجتمع الدولي موقفا حازما يمنع هذه الخطوة، حتى يرتكب النظام مجزرة من التي اعتاد عليها بحق العائدين، ليفطن العالم آنذاك إلى أن الرئيس عون ومن يشترك معه في خطط الإبعاد القسري، لم يكونوا وحدهم مسؤولين عن سفك المزيد من الدم السوري.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها