السبت 2022/10/01

آخر تحديث: 09:31 (بيروت)

لا رئيس للموارنة

السبت 2022/10/01
لا رئيس للموارنة
ماذا بقي من مارونية الرئيس وما هو المقياس الذي تقاس به؟
increase حجم الخط decrease

 

عقد المجلس النيابي اللبناني جلسة "قنبلة دخانية" . عنوان الجلسة انتخاب رئيس للجمهورية. حمل العنوان الآنف تضليلين حقيقيين، لم تحجبهما قنبلة التعمية الحقيقية بدورها. تضليل واضح القول: "جمهورية"، ومثله القول: "رئيس"، وإلى القولين تنضمّ أقوال "البلد. الوطن الشعب"، التضليلية، بمسميّاتها وبصفاتها، وبما يتعلق بمتون مواضيعها وبهوامشها.

جلسة "الدخان" الذي تلاشى سريعًا، انفضّتْ بسرعة، وحين تبخَّر القوم المجلسي، تَرسَّبَتْ في قعر "دست الطبخة" جملة مُرّة: لا رئيس لنا.. لنا مقصودة، لأنها تتيح اقتسام ما تملكه "لنا" ولأنها تأخذ الترئيس من الذين كانت لهم كل "لنا الرئاسة. تحت سقف مجلس لنا ولنا، يعاد التصنيف. المسلم الذي كان ينتظر على الباب، صار المفتاح والباب والبوّاب. وتشاء تطورات الجغرافيا اللبنانية، أن يكون الثلاثي المفتاحي "مسلمًا شيعيًّا"، وأن يكون الذي أوصدت دونه الأبواب، أو ذاك الذي مُنح فتحة مواربة في باب، "مسيحيًّا مارونيًا"، فقدَ اختيار الترئيس، وصار عاجزًا عن صناعة آلية انتخابه.

الخسران المتراكم

عند بحث الخسارة، نُنُحّي المسيحية السياسية جانبًا، ولا ننحّي مسؤوليتها، ونكتفي بالمارونية السياسية، لأنها قابلة الرئاسة، وولّادة رؤسائها. قيادة المارونية لكيانها".
خَطَتْ خطوة الفشل الأولى عام 1975، عندما اختارت الردّ بالحرب الأهلية، على مطالب كمال جنبلاط، والحركة الوطنية. أقفل النظام، بقيادته المارونية أفق إصلاحه، واستدعى"الغريب" السوري، فقدّم له "السيادة" على الجغرافيا، وعزّ عليه التنازل، أمام الداخل، عن كامل امتيازاته، هذه التي أفْتَتِ التطوراتُ الداخلية باستحالة ديمومتها، على الحالة التي كانت لها بعد نيل الاستقلال الوطني. شُبِّهَ للمارونية أنها استدعت لها نصيرًا، وشُبِّهَ لها أن" الجار" سيكون لمصالحها، هي، حارسًا وخفيرًا، وكان ما كان من أمر الوصاية السورية، ومن أحكام الهيمنة التي ما زالت مستمرّةً، نَهْجًا وممارسةً، مع أبنائها وأحفادها، في مفاصل الجغرافيا، وفي مراكزها الاستراتيجية.

كرَّرِتِ المارونية ذاتها عام 1982، بعد أن انقلب عليها نصير الأمس، وبعد أن انقلبت عليه، فتدخل العدو الاسرائيلي، وحوصرت بيروت، ودارت معارك شديدة الوطأة... حصل ذلك، وظلّت المارونية في موقع المتفرج، والمراقب، والمنتظر حتى يحين موعد قطاف "رئاسة" جديدة، لم يكتب لمن حملت اسمه، بعد وصوله، طول البقاء.

بعد تلك المقدمات "الخسرانية"

أشعلت المارونية حربًا داخلية في الجبل، وأشعلت حربًا بينية، طرفاها العونية والقوات اللبنانية. ولم يستكن الاضطرام الماروني إلا بعد توقيع اتفاق الطائف، الذي توازن في النصّ، واختلّ في الممارسة... وهذا كان من طبيعة الموازين، فالطرف الذي راكم رِبْحًا، منذ العام 1975 وحتى مطلع العام 1990، وَظّفَ ما اجتمع لديه من "رأسمال"، أمّا قوى الخسران، فقد وقفت مشدوهة عاجزة أمام مشهد خزائن مدخراتها... الخاوية.

مجلس الفائزين

عرض شريط الخسارة المارونية لا يُراد له مراجعة في المراجعة، فمن اعتذر عن مشاركته في الحرب الأهلية، لأسبابه الوجيهة، أو غير الوجيهة، أقفل "الدفتر" ورماه صوب الماضي، هذا على الرغم ممّا تحمله لغة المسترئسين من أقطاب الموارنة، من استحضار فجٍّ للماضي، ومن ابْتِسَارٍ وحَذْفٍ واختزال لمعان أساسية ملأت دُنيا القتال، وشغلت ناسه.

لغة التعبئة تحاول تعديل ميزان القوى، وتضع نصب نبرتها رئاسة الجمهورية كهدف مفصلي... لكن اللغة مازالت دون القدرة على التعديل في ميزان الواقع.
انتخاب الرئيس يمرّ بالمجلس النيابي، وهذا يتشكل، منذ عقود، من منتصري الحرب الأهلية، الذين يُطلق عليهم خصومهم لقبَ أهل الممانعة، هؤلاء الذين من الأجدى وصفهم بأهل المنع، والامتناع.

وعلى ذات السياق السردي، انتقل الممتنعون من حقبة إلى حقبة، ترافقهم نجاحات رهاناتهم... من الفوز بالداخل، متسلحين بدستور الطائف، والفوز على الداخل، مدعومين بهيمنة مُغَادِرَة من دون انسحاب، وهيمنة مُتَدَخِّلة، ولو من خَلْف حجاب. للتذكير، والكلّ لا ينسى، أن تَفَوُّقَ المجلسيين الحاليين، بدأ بقتال الاحتلال، وهذا رهان تحريري، واستقوى بالطائف، وهذا رهان استقوائي، وختم بنجاح معركة الأرض المحتلة، وهذا رهان ختام كان إعلانه هَيِّنًا متواضعًا، ثم انكشف تباعًا، عن مشروعٍ متشابكٍ، خلاصته حتى تاريخه، حِمٌلٌ ثقيلٌ تنوء به الحياة اللبنانية.

بين سرد راكم تراجعاً عن مراكز قرار "الانتظام" اللبناني، وسردٍ راكم تقدُّمًا مُتَوَاليًا نحوَهَا، طَلعتْ حصيلة مٌختلَّة، في مجلس غير متكافئ النفوذ بين كتله، هذا المجلس جاء، بعد الطائف، برؤساء جمهورية لا يشبهون من سبقهم من الرؤساء، في السياسة التي تطلبها المارونية من أبنائها الرؤساء، وفي موقع التابع الذي كانت المارونية تُنْزِلُ باقي الطوائفيات فيه، فدارَ الزمن السياسي، وباتَت المارونية من نزلائه.

يحقُّ لكل متابع للسرديات، القول: بما أن الحال هي الحال المعروضة على بساط التفكّر والتفكير، فماذا بقي من مارونية الرئيس الماروني؟ وما هو المقياس الذي تقاس به مارونية الرئيس؟ وما علاقة رئيس اليوم برؤساء البارحة؟ وما خليط "النكهات" الذي يُصنَعُ منه خبز الرئاسة؟ وماذا عن الخبّازِ المتقدّم على سائر الأقران من الخبّازين؟

رئيس ماروني

المجلس النيابي الحالي، سينتخب رئيسًا مارونيًا، كما هو متعارف عليه في لبنان، لكنه لن ينتخب رئيسًا للموارنة، كما هو مطلوب ومقصود ومرغوب، من قبل الكتلة الأهلية المارونية.
في لبنان، يكون الرؤساء الثلاثة، رؤساء عموميين، على صعيد رسمي فقط، ويكون كل رئيس منهم رئيسًا خاصًا، للكتلة الأهلية المذهبية التي ينتسب إليها. تلك هي حال المقعد موقع الجمهورية، وفي موقع البرلمان، وفي موقع السرايا، ومن يخرج عن السياق، يُرْمَى بسهام احتجاج أبناء جلدته.

اليوم، وانسجامًا مع المقدمات، يكاد موقع رئيس المجلس أن يكون وحيدًا في "المطابقة الصافية" بين هويِّةِ الولادة البيولوجية، والولادة الخصوصية. هذا الانسجام بين" الذات والذوات"، هو خلطة من فائض نهوض أهلي، وفائض نجاح سياسي، وفائض قوّة يحمي النجاحين.

قد يكون ذلك إلى حين.هذا صحيح، لكن السؤال هو: متى لم يكن التفوق في الداخل، وعلى الداخل، مسألة حينٍ وحين، وأحيانًا وأحَايين؟ ومسألة رهان، وتَقَلّبٍ بين فسحة استقلالية ومساحات رهنٍ وارتهان؟

عليه، ماذا نقول عن الرئيس المغادر، هل كان مارونيّا عندما أتوا به؟ وهل سيغادر مارونيّا، على تظنّ به المارونية، وتأمله وتطلبه؟ أغلب الحسابات، وليس الظنّ، أن رئيس العهد، سيغادر حاملًا بطاقة هويّته، لذلك لن يضيف وداع الكرسي إلى تعزيز فرص وصول رئيس يحمل اليسير من بطاقة هويّة انتمائه الخاص، والكثير من تعريف انتمائه العام.
في الأثناء، ماذا ينتظر الموارنة؟ الحكمة تقول يجب ألّا ينتظروا، فقد يقعون على سراب.
والحكمة تقضي بمبادرة تسقط من نصّها "الرئيس القوي ورئيس التحدّي"، وتفترض الحكمة إطالة النظر إلى الداخل، واستنباط ما فيه من تفاهمات، الداخل أولًا، فما حولنا يسوق أدلّة وفيرة تؤكد على أولوية الداخل، لأن الترياق لن يأتي من الشرق، ولا من الغرب...

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها