الخميس 2022/01/27

آخر تحديث: 14:45 (بيروت)

السيء انقضى والأسوأ نعيشه والأشد سوءاً آت

الخميس 2022/01/27
السيء انقضى والأسوأ نعيشه والأشد سوءاً آت
العزلة ستكون أكبر (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease

في مكان آخر كان يمكن أن يسبب زلزالاً مدمراً يطيح بكل شيء. تقرير البنك الدولي الأخير عن أزمة لبنان قال حرفياً إنها "من تدبير قيادات النخبة في البلاد"، وإن "الكساد الاقتصادي متعمَّد"، وإن "نموذج التنمية الاقتصادية للبنان قد أفلس". جملة واحدة من هذه الثلاث كان يمكنها في أي بلد آخر أن تودي بالنظام السياسي برمته. مع ذلك، لم يكن للتقرير أي صدى فعلي في لبنان. وهذه إشارة عن مدى الانحطاط الذي وصلت إليه البلاد. فاللبنانيون الذي كانوا مرعوبين في الصيف من أن يصل سعر الدولار إلى أكثر من عشرين ألف ليرة، هم مبتهجون اليوم لـ"تراجع" الدولار من 33 ألف ليرة إلى 23 ألف ليرة فقط لا غير! أي أنهم باتوا "متأقلمين" مع سيناريو مفاده: السيء انقضى والأسوأ نعيشه والأشد سوءاً آت.

جاء التقرير في اليوم الذي انعدمت فيه الكهرباء تماماً وخيم الظلام الكامل على لبنان. تلك الكهرباء وحدها التي كلّفت اللبنانيين أكثر من 45 مليار دولار من غير طائل. رقم خرافي آخر تبخّر في دهاليز الفساد الأسطوري الذي أشار إليه أيضاً في اليوم نفسه تقرير "منظمة الشفافية الدولية" معلناً نيل لبنان "أدنى درجة يحققها على مؤشر مدركات الفساد تاريخياً".

للتذكير، في كانون الأول الماضي، اضطر الأمين العام للأمم المتحدة أن يتخلى قليلاً عن دماثته وديبلوماسيته ليقول بلغة فجّة أن النظام المصرفي نفّذ مؤامرة احتيالية على اللبنانيين. 

يوم الأحد الماضي، أتى وزير الخارجية الكويتي في زيارة نادرة لأي مسؤول عربي إلى بيروت. وعلى غير عادة الكويتيين حين يزورون لبنان حاملين مشاريع عمل وخطط واستثمارات ومساعدات وهبات.. أتى هذه المرة حاملاً دفتر شروط خليجية "تعجيزية" مكتوبة بحبر سعودي ومستلهمة بجزء كبير منها من نصوص فرنسية وأميركية وأممية (القرارات الدولية)، هي بأغلبها معروفة ومكررة منذ خريف 2004، أي منذ صدور القرار 1559.

بمعنى آخر، وبغض النظر عن المضمون السياسي التعجيزي وبوصفه إعلان خصام حاد مع لبنان، فإن ما حمله الضيف الكويتي، يقول أن لا أمل بانتشال لبنان من كارثته الاقتصادية، بنجدة عربية، في أي وقت قريب. العزلة ستكون أكبر، والحصار الذاتي سيكون أشد. وهو حصار أتى بخيار لبناني لا بقرار خارجي، كان مثاله الأخير في سلسلة الاعتداءات "المدروسة" على جنود الأمم المتحدة.

قبل يوم من تلك التقارير الدولية المخزية، وبعد 24 ساعة من الزيارة الكويتية العصيبة، أعلن رئيس الحكومة الأسبق، سعد الحريري، اعتكافه العمل السياسي، وهو "رمز" نظام سياسي-اقتصادي قام على تسوية مستحيلة بين مشروع إعادة الإعمار ومشروع المقاومة. تسوية مريعة بين ليبرالية اقتصادية ومافياوية ميليشياوية (لنضع مصطلح "الأوليغارشية" جانباً). تسوية فاشلة بين ديموقراطية سياسية وإقطاعية طائفية. تسوية قاتلة بين خطاب الاستقلال والسيادة وسلاح الاحتلال. استقالة الحريري من السياسة هي أول إعلان هزيمة يقرّ به أحد أقطاب السلطة في لبنان. إقرار بالغ الندرة أصلاً في العالم العربي.

ما يهمنا ليست هزيمته الشخصية أو الحزبية، بل هذه النهاية المأسوية للنموذج الاقتصادي ولهذا النظام السياسي الذي كلّفنا ديناً عاماً يقدّر بمئة مليار دولار، إضافة إلى نحو 80 مليار دولار حجم خسائر الانهيار المصرفي. ولمعرفة هول هكذا أرقام، نذكر أنه لم يكن للبنان دين عام يذكر قبل العام 1975. أما خسائر 16 سنة حرب فقدرتها الأمم المتحدة بـ25 مليار دولار فقط! أي أن فاتورة الحرب الأهلية المدمرة تساوي نصف ما ذهب هدراً وتبخر في مغارة الكهرباء وحدها. كما علينا أن نتذكر أن كلفة حرب تموز 2006 في 33 يوماً بلغت نحو 12 مليار دولار.

قبل أسبوع أيضاً، ظهر نص مشروع الموازنة، الذي يمكن اختصاره كالتالي: ما نُهب قد نُهب. والتعويض سيكون بمزيد من النهب.

الترجمة العملية لما تريده الحكومة وما يتضمنه مشروع الموازنة، أن النظام الذي أعلن سعد الحريري نهايته، لا يريد مغادرة السلطة ولا يريد بتاتاً وجود بديل. وبهذا المعنى، من المرجح أن تكون انتخابات الربيع إحدى أكبر الخدع السياسية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها