الخميس 2022/01/20

آخر تحديث: 16:38 (بيروت)

عودة الحريري.. لاستئناف المأساة

الخميس 2022/01/20
عودة الحريري.. لاستئناف المأساة
أسير اللعنة المتكررة (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease
مرة جديدة يعاد إنتاج "مأساة" سعد الحريري، الرجل الذي يصل ثم يسقط ويخرج، ليعود ويستأنف صعوده ووصوله إلى أن يسقط ويخرج مرة جديدة. المسلسل الحزين والرتيب، المترع بالآمال الكبيرة والخيبات الأكبر، اتسم دوماً بقدر كبير من السذاجة والعواطف المستهلَكة. وظلت مع ذلك السياسة الوحيدة التي انتهجها بلا كلل.

على هذا المنوال، تحوّلت سيرة الحريري المديدة إلى رقصة دائرية منهكة لا تتوقف. لكن مشاهدتها ما عادت مسلية ولا ملهمة. وأغلب الظن، أنه هو نفسه حاول مراراً كسر هذه السيزيفية، إلا أن ضعفه إزاء إدمانه السياسي جعله هكذا أسير تلك اللعنة المتكررة.

يوم استقالته "الدرامية" بنبرة متهدجة، استجابة هذه المرة للشارع ولمئات ألوف المتظاهرين، كان الظن أنه أدرك بأن حقبة انتهت وما عليه سوى الانصياع لرغبة التغيير، وأن عليه الإقرار بالفشل والأخطاء الفادحة التي ارتكبها، وفي مقدمتها "التسوية الرئاسية" المشؤومة. وكان المأمول بعد استقالته أن يحذو حذوه بقية الطاقم الحاكم، ولو رغماً عن إرادة "الحاكم الفعلي" وحزبه الذي قرر المواجهة والثبات وكسر الانتفاضة الشعبية.

بعد حين، تبيّن أن الحريري وحده هو الذي دفع الثمن. "الشركاء" تسمّروا في مواقعهم بعناد وفجور استثنائيين. كان المشهد مخزياً ومحرجاً، خصوصاً عندما رأى أنه "عاطل عن العمل" ومقصي، فيما حسان دياب يسكن السراي.

استداركه المتأخر لهذا الاستفراد به جعله ناقماً بعض الشيء، لينحرف نحو سياسات لا هدف لها سوى عرقلة تشكيل حكومة لا يرأسها هو. وحتى في هذا، بدا غير محترف ومفضوحاً مقارنة بدهاء الخبراء في التعطيل والعرقلة. إذ أنه لم يموه قصده ونيته على نحو ناجح. وما حدث لمصطفى أديب كان خداعاً مكشوفاً.

العودة إلى تكليفه ظهرت كمؤشر على نهاية الزخم الثوري، وأن أركان السلطة بصدد إعادة إنتاج شرعية سلطتهم. وفي هذا أيضاً بدا الحريري الواجهة السيئة والإسم العلني للانقلاب المضاد، وأنه تطوع مجدداً لمنح "العهد" قوة استمراره، ولو أنه تلبس لبوس معارضته، وتنكب مواجهته بخطاب مقتبس من لغة "المبادرة الفرنسية" الميتة.

على هذا النحو، كانت حساباته وتكتيكاته خائبة. وخرج من التكليف بلا حكومة ولا قوة يمكنه الاعتماد عليها. فكان "المنفى" الطوعي إلى الإمارات أشبه بإعلان مكتوم عن التقاعد من العمل السياسي. لكن بدافع الحنين أو الإدمان، تاركاً في جيبه تذكرة العودة..

ما أسعفه أو أشعل فيه الرغبة في "العودة" وفي أن يرتدي مجدداً عباءة الزعامة، ليس فقط انطفاء الاعتراض الشعبي وانكسار موجة التغيير، ولا الغيرة الخفية من فطنة نجيب ميقاتي ومهارته في "التعايش" مع الكواسر وترميم صورة رئاسة الحكومة جزئياً، بل أيضاً تنبهه بكثير من الغيظ لما آلت إليه أحوال الذين كان من المفترض أن يسقطوا معه، جبران باسيل مثلاً.. والأهم أن مرحلة إقامته في الإمارات شجعت "الورثة" المحتملين أن يتقدموا بخطوات خجولة نحو التصدر ومد اليد على الزعامة المتروكة بإهمال.

أيضاً، ثمة متغير أساسي حدث هو إعادة التموضع الطائفي، الذي انتهى إلى مشهد مخيف هو "اليتم السنّي". طائفة متروكة بلا رأس بجوار طوائف مستشرسة ومتلاحمة خلف زعاماتها. ولهذا السبب، راحت تتوالى النداءات إلى حدود الترجّي لأن يعود لقيادة الجماعة.

من الواضح أن الحريري ليس في بيروت من أجل السياحة. مجيئه هو إعلان أكيد عن قرار المشاركة، شخصياً أو حزبياً، في الانتخابات.. التي ستعيد إنتاج السلطة نفسها، لنستأنف وإياه الرقصة الدائرية ذاتها الملعونة والمنهكة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها