الثلاثاء 2022/01/18

آخر تحديث: 17:09 (بيروت)

المؤسسة العسكرية بعيون فرنسية: "الجيش على حافة الهاوية"

الثلاثاء 2022/01/18
المؤسسة العسكرية بعيون فرنسية: "الجيش على حافة الهاوية"
انخفضت قيمة موازنة الجيش من 1.9 مليار إلى 114.5 مليون دولار بفعل انهيار سعر صرف الليرة (Getty)
increase حجم الخط decrease
بعنوان "الجيش اللبناني على حافة الهاوية"، نشرت صحيفة "لا كروا" الفرنسية تحقيقاً عن واقع المؤسسة العسكرية اللبنانية وأحوال ضباطها وعناصرها، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف في البلاد منذ نهاية عام 2019. فوصفت الصحيفة، بتحقيق للصحافية جيني لافون، الجيش بأنه "مسحوق بقوة الأزمة"، ويعتمد على سفارات غربية وعربية تخشى من انهياره، لكونه آخر المؤسسات الرسمية الراسخة والصامدة في لبنان.

الكولونيل بولس
لا يعرف الكولونيل بولس (اسم مستعار) الإجابة عن تساؤل خروجه من الخدمة العسكرية بعد عشرين عاماً من الخدمة. أحوال الضابط اللبناني، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته، تغيّرت بشكل دراماتيكي وجذري منذ بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان في خريف عام 2019. كانت قيمة راتبه الشهري، قبل الأزمة، 4 ملايين ليرة لبنانية، ما كان يساوي في ذلك الوقت تقريباً 2650 دولاراً أميركياً. وتابع بولس، يومياً كان انخفاض قيمة مرتّبه بفعل انهيار سعر صرف الليرة التي خسرت خلال عامين 95% من قيمتها. وباتت قيمة راتبه اليوم 160 دولاراً.

ترك الخدمة
يقول بولس إنّ "ابنتي تسألني كثيراً وباستمرار عن سبب عدم مغادرتنا البلاد، كما لو أنّ الأمر بهذه البساطة". الضابط مصرّ على البقاء. ولو أنه يكفي الدخول مرّتين إلى التعاونية ليتبخّر راتبه بينما يغرق في بحر من النفقات والتكاليف. مؤسسة الجيش اللبناني، حتى وقت قريب، كانت تحظى بتقدير كبير من اللبنانيين، إذ فيها من كل الطوائف والأديان. كما أنّ الإقبال عليها كان كبيراً بفعل الأمن الوظيفي (كانت تضمّ 11% من المجتمع الناشط اقتصادياً) وبفعل التقديمات الاجتماعية والمالية (منها دفع أقساط المدارس والقروض المدعومة). يؤكد بوسل على أنه "ليس من السهل الخروج من الجيش عند الوصول إلى رتبة عالية، وسيترتّب علينا إعادة البناء من الصفر من دون أي ضمانات تذكر". فيعتبر بولس نفسه محظوظاً نسبة لما يعانيه جنوده، إذ أن رتبته العسكرية تقدّم له مزايا عديدة (منها سيارة مع سائق، قسائم محروقات، تغطية طبية لعائلته). ويضيف أنّ الجميع يواجهون الأزمة والجميع يتحمّلون. ريتا، زوجة بولس التي تجلس إلى جانبه، تشير من جهتها إلى أنّ "العديد من الجنود يفكّرون في مغادرة المؤسسة، ومن لديه أقرباء في الخارج يستحصلون على أذونات أو إجازات طويلة ولا يعودون".

معاناة أحمد
أحمد، الجندي البالغ من العمر 25 عاماً والمتحدر من جنوب لبنان، كان خياره قبل خمس سنوات أن يخدم بلده ويؤمّن لنفسه وظيفة وراتباً على المدى الطويل. لكن، "من كان يظنّ أنّ البلد سيسقط بهذا الشكل وإلى هذا المستوى"؟ مرتّب أحمد قبل الأزمة كان يساوي 800 دولار، أما اليوم فلا يتجاوز 50 دولاراً. مرتّب "يطير" مطلع الشهر، بحسب ما يقول، بين مصروف اشتراك الكهرباء والحاجات الأساسية لعائلته. منذ أشهر، يحصل أحمد على أذونات للتغيّب عن الوظيفة عدة أيام في الشهر، للعمل كسائق أو عامل توصيل. والمسؤولون عنه يغضّون النظر عن ذلك. يقول إنّ "الضباط يعرفون أننا نعمل لتأمين مستلزمات الحياة، ونحن كثر نقوم بذلك". واستغلّ أحمد فترة الأعياد وعمل لدى بعض المغتربين كسائق، بهدف الحصول على بعض الدولارات. وبفضل ذلك، تمكّن من "دفع بعض الديون وتأمين بعض الطعام من أجل أبنائي الثلاثة".

عمل خارج الدوام
بفعل موافقة ضمنية من القيادة، قد يكون عدد العسكريين الذي يزاولون بعض المهن خارج المؤسسة العسكرية بالآلاف (راجع "المدن"). مصادر عسكرية تؤكد على أنّ "قيمة رواتب العسكريين انخفضت 95% بفعل التضخّم وارتفاع سعر الدولار". وبفعل هذا الواقع الجديد، "تسمح القيادة لعسكرييها بالعمل خارج دوام الخدمة العسكرية شرط عدم انتهاك القانون وتنفيذ أعمال شرعية" حسب ما يضيف المصدر نفسه. وإن كان من المستحيل تحديد عدد العسكريين الذين يلجؤون إلى وظائف من خارج الخدمة العسكرية وعدد حالات الفرار من داخل المؤسسة، فإنّ الباحث آرام نرغيزيان يشير إلى أنّ حوالى 3000 جندي لبناني تقاعدوا بسنّ مبكرة خلال عام 2021. يشير نرغيزيان إلى أنّ "الضغط كبير على الضباط والعسكريين من مختلف الرتب العسكرية، مضيفاً أنه حتى الوصول إلى مراكز الخدمة بات أمراً مكلفاً جداً.

موازنة المؤسسات الأمنية
تأثرت المؤسسة العسكرية بشدة بالأزمة التي وضعت 78% من السكان تحت خط الفقر حسب تقارير الأمم المتحدة. وكانت آخر المشاهد المأسوية لهذا السقوط، إحراق أحد العسكريين المتقاعدين نفسه يوم 13 كانون الأول الماضي. وتبلغ موازنة عام 2021 المخصصة لوزارة الدفاع 2863 مليار ليرة لبنانية، فانخفضت قيمتها من 1.9 مليار دولار (على سعر 1500 ليرة للدولار) إلى 114.5 مليون دولار (على سعر صرف 25 ألف ليرة للدولار). وهي موازنة طبعاً غير كافية لتأمين رواتب لائقة لـ60 ألف عنصر في الجيش يضاف إليهم 26 ألف عنصر من قوى الأمن الداخلي. ويشير مصدر أمني إلى أنّ عدد الأفراد الذين فرّوا من الخدمة في قوى الأمن بلغ 450 عنصراً.

عون وناقوس الخطر
دق قائد الجيش، العماد جوزاف عون، جرس الإنذار في آذار 2021. كما عاد وحذّر في 28 كانون الماضي بأنّ "الناس جاعوا وباتوا فقراء، الرواتب والمعاشات التقاعدية فقدت قوتها الشرائية، وهذا ينطبق أيضاً على العسكريين". فتوجّه إلى السلطة السياسية بالسؤال "ماذا تفعلون؟ ماذا تنتظرون"؟ وتوقفت المؤسسة العسكرية عن تقديم اللحوم في الوجبات الغذائية المخصصة للعسكريين منذ صيف 2020 بسبب ارتفاع الأسعار. وتتلقى المؤسسات مساعدات لوجيستية من خلال تبرّعات عينية يقدّمها العديد من البلدان، وهي عبارة عن طرود غذائية ومساعدات للتنقّل وأدوية وأدوات طبية. ففي عام 2021، قدّمت فرنسا حسب مصدر ديبلوماسي مساعدات عينية بقيمة 4 مليون يورو منها معدات طبية وأجهزة كومبيوتر وقطع غيار للآليات وحافلات (أيضاً هناك مساعدة غذائية قطرية: 70 طناً شهرياً).

المساعدات الخارجية
وعلى الرغم من تأكيد الجيش اللبناني على استمرار تأدية مهامه وواجباته على مستوى حماية الحدود ومنع التهريب ومواجهة الإرهاب ومنع الاقتتال الطائفي، فإنّ الأزمة التي تمرّ بها المؤسسة العسكرية تقلق العديد من السفراء الغربيين. فينظر إلى الجيش على أنه غير مسيّس وغير طائفي وغير فاسد، وأنه المؤسسة الوحيدة التي لا تزال قائمة وراسخة وموثوق بها في لبنان حيث حلّت الفوضى على نطاق واسع. كما أنّ الولايات المتحدة تنظر إلى الجيش اللبناني على أنه حصن الدفاع الأخير ضد الفوضى، فدعمته بمساعدات مالية قدّرت بـ282 مليون دولار عام 2021. كما أنّ الولايات المتحدة تعتبر الجيش الثقل الموازن الوحيد في مواجهة حزب الله وترسانته العسكرية. وفي هذا الإطار، يقول نيرغيزيان إنّ " الولايات المتحدة الأميركية تعتبر الجيش شريكاً ذي مصداقية وقادر على المحافظة على استقرار لبنان".

بغضون بضعة أشهر قد تصل إلى القوات المسلحة اللبنانية مساعدات من نوع آخر. زار وفد من الكونغرس الأميركي بيروت في تشرين الثاني الماضي، وبحث مع قائد الجيش إمكانية تقديم المساعدة النقدية المباشرة على مستوى الرواتب. وتقّدر هذه المساعدة بأن تكون 100 دولار لكل جندي شهرياً، بينما لم يتم بعد تأمين آلية لتوفير هذا الدعم، ولو أنه قد يتمّ تحت غطاء الأمم المتحدة.

فهل يكون ذلك كافياً لعدم انهيار الجيش وتفككه؟ على ما يقول نيرغيزيان، فإنّ "تماسك الجيش اللبناني غير مضمون، ولو أنه أكثر لحمة وأقوى مما كان عليه في بداية الحرب الأهلية عام 1975". ويشدّد الباحث على أنّ تعديل الأجور والتقديمات خطوات أساسية لتعزيز تماسك المؤسسة العسكرية، خصوصاً أنّ البلد يدخل إلى مرحلة ضبابية مع الانتخابات النيابية المنتظرة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها