السبت 2022/01/15

آخر تحديث: 13:53 (بيروت)

عن مصير مرافق أمني لزعيم سياسي

السبت 2022/01/15
عن مصير مرافق أمني لزعيم سياسي
حتى الدولة، التي لمّت منتصرين ومهزومين ومقاتلين وأيتام، انهارت (Getty)
increase حجم الخط decrease
أحمد، وهو اسم مستعار طبعاً، "شوفير تاكسي". يعمل على تطبيقات النقل الخاص. يجول بسيارته، فيطنّ هاتفه، ويتوجّه إلى نقطة محدّدة ليقلّ زبوناً. يوصله، ثم يعود ويرنّ هاتفه، فيذهب في جولة أخرى. هكذا تمرّ ساعاته وأيامه. أحمد، أربعيني، لا يشكو من الأوضاع العامة السيئة في البلاد. يكاد يكون حالة نادرة على هذا المستوى. في الصيدلية، في الفرن، عند "البنشرجي"، في المصعد، عند مدخل المبنى، حتى داخل البيت، شكوى وعلّة واستياء عام. في مركبته الصغيرة، "الشغل على قدّه". طلبيّتان أو ثلاث نهاراً فقط. فـ"الحمد لله، سيارتي ملكٌ لي، ومنزلي ملكٌ لي". يعمل من أجل الطعام ومصاريف اليوميات، فقط. ولا همّ آخر. قد يكون ذلك خياراً صائباً، على فرديّته وعزلته ووحدته.

70 ألف دولار
لكن لأحمد همّ مبيّت ومكبوت. عمل لأكثر من عقد في المرافقة الأمنية. شكله وهندامه، وجسمه يوحي بذلك أساساً. استقال من عمله مجبراً بفعل تراكم الرواتب غير المدفوعة لسنوات. 70 ألف دولار، قيمة رواتب لم يقبضها على مدى سنوات. هل من داعٍ للسؤال عن الجهة المشغّلة، التي امتنعت عن دفع مستحقات موظفيها، الأمنيين وغير الأمنيين، لسنوات، بفعل أزمة مالية سبقت كل الأزمة الاقتصادية في البلاد، وبفعل فشل إدارة مشاريع وفساد ونهب؟ زعيم تيار المستقبل، ومن حوله، أطاحوا بعشرات المؤسسات وآلاف الموظفين بغضون سنوات. أحمد أحد "ضحاياه" المباشرين.

وظيفة غير عادية
قبل فترة، تلقّى أحمد مستحقّاته. بالليرة اللبنانية، وعلى تسعيرة 1500 ليرة للدولار الواحد. ولمن يشأ، بإمكانه احتساب حجم المبلغ الذي تقاضاه بالدولار الأميركي وقيمته الفعلية على سعر صرف الدولار. لقاء ماذا؟ خدمة شبه عسكرية، ثلاثة أيام في الوظيفة مقابل يوم عطلة، على مدى سنوات. استنفار أمني دائم، طالما أنّ "الرئيس" في البلد. موجة اغتيالات، تلتها أخرى. أحداث أمنية، تأهب، أرق. رائحة بارود وهول دمار ودماء وجثث متفحّمة وأشلاء، قابعة كلها في الأذهان على مقربة مئات الأمتار من مقرّ الوظيفة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى استلشاء قيادة المستقبل بظروف موظفين في وظائف غير عادية، مناطة بهم مسؤولية أمن التيار وزعيمه. عناصر أمنية متروكة بلا مال ولا رواتب. والله سَتَر. تيار عقائدي؟ لا. تنظيم حديدي؟ لا. بنية ولاءات؟ ربما. لكونه مشبّعاً مالياً؟ على الأرجح. انهار مالياً؟ نعم. ما مصير كل ذلك الولاء؟ كل تلك الشعارات والعناوين؟ كل ذلك المشروع؟ ومواجهة المشروع المضاد الشرس والمنظّم بإحكام؟ الخلاصة واضحة، بوضوح النتائج وحال البلد ومن يحكمه ويتحكّم به.

دورة واحدة
لأحمد زملاء كثر، راح كل منهم في حال سبيله. فتحوا دكاكين صغيرة في أحيائهم، امتهنوا بيع السيارات، دخلوا وظائف تخليص المعاملات بفعل علاقات شخصية بنوها في وظيفتهم السابقة، هاجروا أو استحصلوا على فرص عمل في الخارج. ومن هم أعلى منهم "رتبة"، باتوا مدراء في شركات أمنية أو حتى شركاء فيها. أحمد سائق تاكسي. طبعاً، لا عيب في ذلك. العيب الوحيد، أنّهم تركوا في حال سبيلهم، بهذا الشكل. اختفى المال، فذهب الولاء. وذهبت معه أيضاً كل شعارات المشروع السياسي المبني أساساً على هفوات وصفقات و"لاءات" تعدّل بحسب الحاجة السياسية والانتخابية. مصير يشبه إلى حدّ كبير مصير آلاف مقاتلي الحرب الأهلية، الذين تشرّدوا بعد إعلان السلم الأهلي. مع فارق متباين، في التجربة. أحزاب عقائدية وأخرى لحظوية، انهارت. فشرّدت أبناءها. عملت على توظيف مقاتليها في مؤسسات الدولة، ومن لم ينجح منهم في ذلك كان مصيره التشرّد التام. هزيمة عامة وشخصية، يحفظ ماء الوجه فيها عزّة نفس نادرة لا تسمح بالتسوّل ولا الوقوف على عتبات الاستعطاف والتوسّل.

اليوم، حتى الدولة، التي لمّت منتصرين ومهزومين ومقاتلين وأيتام، انهارت. فماذا عن الولاءات؟ كل ولاءات الزعيم والحزب والطائفة والمذهب والقضايا والشعارات المعلّبة؟ كأن التجارب تدور دورة واحدة، باختلاف الأسماء والأحزاب والأشخاص والعناوين. بلغة الطبيعة البقاء للأقوى. ضعفاء ومهزومون يُذلّون. آخرون يحافظون على ماء وجههم. أما أقوى الضعفاء المهزومين، فهم القادرون على الثأر لذلّهم. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها