الإثنين 2022/01/10

آخر تحديث: 11:01 (بيروت)

Don't Look Up

الإثنين 2022/01/10
Don't Look Up
ما نعيشه في لبنان هو تدمير منهجي وعن سابق تصور (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
ترتكز فكرة الفيلم الأميركي "لا تنظر إلى فوق" على نقد لاذع وأسود للسياسة والمجتمع الأميركي بشكل خاص، عند مقاربة الأمور الخطيرة، لا سيما التغيّر المناخي. يتحدث الفيلم عن أستاذيّ علم فلك يكتشفان مذنباً ضخماً يندفع نحو الأرض، وبإمكانه أن يدمرها في حال الاصطدام بها.

وعندما يقومان بإعلام السلطات السياسية، وتحديداً رئيسة الولايات المتحدة الأميركية، بخطورة الوضع.. تدخل الحسابات السياسية والانتخابية لدى الأخيرة، في تحديد طرق معالجة حدث سيؤدي إلى انقراض الأرض. وما زاد الطين بلة محاولة استغلال ملياردير، هو من أكبر ممولي الرئيسة، لهذا المذنب، للاستفادة من الموارد الطبيعية التي يؤمنها.. إضافة إلى التعاطي السطحي لوسائل الإعلام مع هذا التطور الخطير، وكيف تستطيع وسائل التواصل الاجتماعي تشتيت الناس، وحرف انتباههم إلى أمور ثانوية وسخيفة.

يكشف سيناريو الفيلم الساخر والأسود أزمة القرارات السياسية، التي تتخذ بناء لمعطيات خاطئة، وحسابات شعبية، وسيطرة مصالح الشركات المالية الكبرى على مراكز القرار.

لم أستطع طوال مشاهدتي للفيلم إلا مقارنته مع الواقع اللبناني، الذي يمرّ بواحدة من أصعب الأزمات المالية التي عرفها العالم، وكيف تُعالَج بقصر نظر غير مسبوق. فالساسة في لبنان لا يرغبون بوضع خطة واضحة وصريحة وجريئة للحد من التدهور السريع الذي نغرق فيه يوماً بعد يوم. كل فريق يتلهى بمحاولة كسب الجمهور، وبرأيه أن الانتخابات النيابية هي المدخل للقضاء على خصومه. وبالنتيجة، نحن أمام طروحات سطحية شعبوية غير ملائمة للخروج من المستنقع الذي نعيش فيه. وكوننا نعيش في بلاد العجائب، نتلهى كل يوم بمفاجأة سخيفة ترمى بوجهنا، من مقاطعة جلسات مجلس الوزراء، إلى معركة دستورية حول فتح دورة استثنائية لمجلس نيابي عاطل عن الإنتاج، إلى الدعوة إلى طاولة حوار من دون أي تحضير، ولن تؤدي إلى أي نتيجة، إلى استنفار القواعد الحزبية لخوض الانتخابات النيابية بكل الوسائل، والمهم النتائج، إلى جيوش إلكترونية تستغل وسائل التواصل الاجتماعي لإضفاء صفة القداسة على الزعيم الذي تمثله، متناسية أنها جيوش جائعة وفقيرة، إلى وزراء لا همّ لهم إلا الظهور الإعلامي بينما المطلوب واحد، إلى وعود بتغذية كهربائية لن نرى منها نوراً إلا في حال القيام بإصلاحات بعيدة المنال، إلى التهليل بأعداد المغتربين الذين زاروا لبنان في العطلة، وكأنهم خشبة خلاصنا الاقتصادية، إلى التباهي بقدرة اللبناني على التأقلم وتخطيه أصعب الظروف.

وبينما يقترب مذنب الانهيار من لبنان بسرعة غير مسبوقة، يتلهى أعضاء من المجتمع المدني بتخوين بعضهم البعض، بدل العمل على وضع خطة سياسية تشكل باب الحل الوحيد للتهديد الوجودي الذي نعيش في ظله، منتهجين كما الأحزاب التقليدية سياسة دفن رؤوسهم في الرمال، بانتظار الانهيار الوشيك.

في نهاية الفيلم يصطدم المذنب المارق بالأرض ويبيدها. وذلك نتيجة تراخي المسؤولين عن اتخاذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب.

في النهاية، هو فيلم خيالي ولن يؤثر على حياة ممثليه إلا مزيداً من الثروات والأموال. أما ما نعيشه في لبنان، فهو نحر جماعي لشعب، وتدمير منهجي وعن سابق تصور لوطن اسمه لبنان وعمره أقله مئة سنة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها