الجمعة 2021/09/17

آخر تحديث: 14:54 (بيروت)

سيناريو السلطة لإسقاط تحقيق المرفأ.. دهاء "المافيا"

الجمعة 2021/09/17
سيناريو السلطة لإسقاط تحقيق المرفأ.. دهاء "المافيا"
منظومة تثبت للبنانيين مجدداً أنها قادرة على فعل كل شيء من أجل قهرهم (Getty)
increase حجم الخط decrease
كيف ستواجه المنظومة الحاكمة المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار؟ هو سؤال يشغل بال العديد من المعنيين في ملف مجزرة 4 آب، خصوصاً بعد مذكرة التوقيف الغيابية التي أصدرها البيطار بحق الوزير السابق يوسف فنيانوس، المدعّى عليه في الملف، والذي تغيّب عن جلسة استجوابه التي كانت مقرّرة يوم أمس.
فنيانوس، أصدر بياناً اليوم علّق فيه على مذكرة التوقيف الصادرة بحقه، فأشار إلى أنه "تعرّض لظلم كبير جراء هذا الإجراء". وكرّر ما سبق أن قاله محاميه أمس عن جلسة البتّ بالدفوع وعدم ردّ النيابة العامة عليها واستئناف قرار نقابة المحامين في الشمال بإعطاء إذن الملاحقة. أسقط فنيانوس عن نفسه أي حماية سياسية، فقال إنّ "الحماية الوحيدة التي أتمتع بها هي الحماية التي يتيحها القانون، ولا صحة للكلام عن حمايات سياسية وغير سياسية، فتطبيق القوانين في هذه القضية هو السبيل الوحيد المتاح من أجل سماع إفادتي"، لافتاً إلى أنه لم يفكر ولم يلجأ في أي لحظة لمواجهة القضاء من خلال دعوى رد أو دعوى مخاصمة ولكن أداء المحقق العدلي قد يدفعه إلى ذلك مكرهاً.

موقع السلطة الحاكمة
بدهاء عالي الجودة، تتعامل السلطة الحاكمة مع ملف التحقيقات في جريمة المرفأ. من بين رموزها مدعى عليهم في الملف. أحدهم، فنيانوس، صدرت بحقّه مذكرة التوقيف. آخر، رئيس الحكومة السابق حسان دياب، غادر البلاد. وثلاثة آخرين، النواب الحاليون والوزراء السابقون غازي زعيتر وعلي حسن خليل ونهاد المشنوق، يتمتّعون حتى اللحظة بالحصانة النيابية. لكن هذه الحصانة مهدّدة بالسقوط التلقائي بعد أيام، فتلعب السلطة على النقاط والوقت والنصوص القانونية، خصوصاً تلك التي تسمح لها باللعب في الوقت الضائع، من أجل تمرير فترة سقوط الحصانات على خير وسلامة أولئك المدعى عليهم.

السياق الزمني
دياب لن يعود إلى لبنان قبل 18 أو 19 تشرين الأول المقبل. حصانة النواب، زعيتر وخليل والمشنوق، تعلّق تلقائياً فور نيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثقة، إلى حين بدء دورة العقد الثاني لمجلس النواب، الذي يبدأ "يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول" حسب المادة 32 من الدستور اللبناني. أي أن دورة العقد الثاني تبدأ هذا العام يوم الثلاثاء في 19 تشرين الأول. من المقرر عقد جلسة الثقة لحكومة ميقاتي يوم الإثنين المقبل، أي في 20 أيلول الجاري. ومن المفترض أن تنال الحكومة ثقة البرلمان، في اليوم نفسه، أو على أبعد تقدير في 21 أيلول، إن امتدت الجلسة على يومين. وبالتالي، يصبح النواب المدعى عليهم "عراةً" من حصاناتهم بين 21 أيلول و19 تشرين الأول.

سقوط مرحلي للحصانات
يمكن للنواب المدعى عليهم، إن حدّد القاضي البيطار جلسات لاستجوابهم في هذه الفترة من سقوط حصاناتهم، التقدّم بدفوع شكلية والتذرّع بعدم التبليغ والعمل على إرجاء جلسات الاستجواب. لكن مع احتساب المهل الزمنية، قد لا تنفع هذه الذرائع والمماطلة للتغيّب عن الجلسات. وبالتالي، على هذه السلطة إيجاد طريقة أخرى لعدم مثول "كوادرها" المدعى عليهم أمام البيطار. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أنّ فريق الدفاع عن المدعى عليهم تحوّل إلى فرق، وتم تركيب ما يشبه "غرفة قانونية" تعمل على إدارة هذا الملف، من خلال التنسيق بين مختلف المكاتب الحقوقية المعنية بالدفاع عنهم. فيعمل هؤلاء المحامون على إحاطة الملف من الجوانب كافة، محصنّين بدهاء سياسي وآخر أمني وثالث قضائي لتأمين الحماية القانونية اللازمة للمسؤولين المدّعى عليهم.

ردّ الدعوى
وحسب ما علمت "المدن"، فإنّ فريق الدفاع عن فنيانوس، سيلجأ إلى الحق الطلب بردّ القاضي البيطار وتنحيته عن الملف. ولدى مراجعة قانون أصول المحاكمات المدنية، تنصّ المادة 120 من الفصل الثامن "رد القاضي أو تنحيه عن الحكم"، على أنه "يجوز للخصوم أو لأحدهم طلب رد القاضي لأحد الأسباب التالية..". ومن الأسباب التي تعرضها المادة صلة القرابة أو المصالح أو العلاقة المسبقة مع أطراف الدعوى أو غيرها، وصولاً إلى البند السابع الذي يشير إلى أنه " إذا كانت بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل، ‏‏ولا يستهدف القاضي للرد بسبب التحقير الذي يوجهه له أحد الخصوم". وقد يتذرّع فريق الدفاع عن فنيانوس بهذا البند لتقديم دعوى ردّ البيطار، مشيرين إلى مذكرة التوقيف الغيابية التي صدرت بحق فنيانوس.

ردّ لا ارتياب
لماذا لا يلجأ فريق السلطة إلى دعوى ارتياب مشروع ببيطار كما سبق وحصل مع المحقق العدلي السابق في الملف، القاضي فادي صوّان؟ لأنه ببساطة دعوى الارتياب لا تعيق عمل المحقق العدلي وتحقيقاته ولا تكفّ يده مباشرة إلا بعد البتّ بالدعوى. أما حسب المادة 125 من قانون أصول المحاكمات المدنية، فإنه "منذ تبلغ القاضي المطلوب ردّه طلب الرد يجب عليه أن يتوقف عن متابعة النظر ‏‏في القضية إلى أن يفصل في الطلب. إلا أنه يجوز للمحكمة التي تنظر في طلب الرد في حال ‏‏وجود ضرورة أن تقرر السير في المحاكمة من دون أن يشترك فيها القاضي المطلوب ردّه". أي أنه بفعل دعوى الردّ، تكفّ يد البيطار تلقائياً وتتوقّف الاستجوابات والتحقيقات، وتكون السلطة قد مرّرت الوقت اللازم لحماية كواردها المدعى عليهم.

توقيف التحقيق
قد يعمد وكلاء فنيانوس، مطلع الأسبوع المقبل، إلى تطبيق هذا السيناريو الذي من خلاله يمكن تقديم الحماية القانونية الطبيعية لموكلهم وزملائه من المدعى عليهم. كما بإمكان فرق الدفاع الآخرين عن المدعى عليهم التقدّم في وقت لاحق بدعوى ارتياب مشروع، لإضافة المزيد من الممطالة والعرقلة للتحقيق. لكن ما يجدر التنبّه له، أنه بعد التقدم بدعوى الردّ، والقيام بالتبليغات اللازمة، تصبح جلسات الاستجواب الأخرى التي حدّدها البيطار في 27 و28 أيلول لاستكمال استجواب الضباط الأربعة المدعى عليهم مهدّدة. أي أنّ استجواب كل من قائد الجيش السابق جان قهوجي، ومدير المخابرات السابق كميل ضاهر، والعميدين السابقين في المديرية جودت عويدات وغسان غرز الدين بحكم المؤجّلة. أي أنّ التحقيق يصبح بمثابة المعطّل فعلياً.

في مواجهة السلطة الحالية، في ملف التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت أقلّه، يظهر حجم دهاء وخبث هذه المنظومة الحاكمة. هي منظومة حاكمة منذ عقود، في الحرب والسلم، في سنوات الاستقرار وسنتيّ الانهيار. منظومة تتمسّك بكل صلاحياتها ومصالحها وكوادرها ونقاطها، وبإجماعها وشراكاتها. منظومة تثبت للبنانيين مجدداً أنها قادرة على فعل كل شيء من أجل قهرهم، وإطفاء أي أمل يمكن أن يضاء في حيواتهم ويوميات ذلّهم وطوابيرهم المعتمة. المعركة قاسية مع طرف غير عادي، أشبه بشمشوم قادر على تهديم الهيكل إن فقد أعصابه. فليهدم الهيكل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها