الإثنين 2021/08/30

آخر تحديث: 19:54 (بيروت)

موت جاسوسة "الموساد" يائيل مان: مدبّرة جريمة فردان 1973

الإثنين 2021/08/30
موت جاسوسة "الموساد" يائيل مان: مدبّرة جريمة فردان 1973
بقيت يائيل في بيروت لمدة خمسة أيام بعد العملية (الصحافة الإسرائيلية)
increase حجم الخط decrease

أعلنت إسرائيل عن وفاة جاسوسة الموساد الإسرائيلي يائيل مان، يوم السبت الماضي، والتي لا تزال هويتها الحقيقية طي الكتمان، عن عمر يناهز 85 عاماً، وهي التي لعبت دوراً مهماً في اغتيال ثلاثة قادة من منظمة التحرير الفلسطينية، في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1973، هم المتحدث باسم حركة "فتح"، كمال ناصر، وقائد العمليات في "فتح"، محمد النجار (أبو يوسف)، والمسؤول عن تفعيل خلايا في فلسطين، كمال عدوان. 

جاسوسة في بيروت
ولدت يائيل في كندا عام 1936 وهاجرت إلى إسرائيل عام 1968، وبعد بضع سنوات وتحديداً في عام 1971 تم تجنيدها للعمل في جهاز الموساد. بعد فترة وجيزة من انتهاء تدريبها في إسرائيل، تلقت يائيل مهمتها الأولى. تم تكليفها بالاختلاط مع السكان المحليين في بروكسل، عاصمة بلجيكا. كان لديها شقة ووظيفة وحياة اجتماعية جيدة. وبعد ثلاثة أشهر من وصولها إلى بروكسل، شرعت في مهمتها الأولى، حين كان عليها جمع المعلومات الاستخباراتية في بيروت. 

تصف يائيل مهمتها في لبنان بالقول "أخبروني أنها كانت جزءاً من جهد أكبر ضد الخلايا الإرهابية. كان ذلك بعد مذبحة أولمبياد ميونيخ، خلال فترة مليئة بالإرهاب. عندما دخلتُ بيروت لم تكن هناك خطة عمل، لكنني أيضاً لم أطرح أسئلة حول أي شيء ما لم يكن لذلك علاقة بعملي. لقد ركزت على ما يجب أن أفعله، وبحثت عن قصة تسمح لي بالبقاء في بيروت لفترة أطول من الوقت، بحيث يمكنني الدخول والمغادرة".

أُرسلت يائيل للعيش في لبنان باسم مشفّر هو "نيلسن" بصفتها معدّة أفلام وثائقية، وأعلنت أنها بصدد إعداد فيلم وثائقي عن لبنان وسوريا لفائدة شركة إنتاج بريطانية. وبما أنها لم تفقه شيئاً عن طبيعة هذا العمل، سافرت إلى إسرائيل للخضوع لدورة مختصرة في الكتابة، أُقيمت في منزل الروائي شبتاي تيفث، الذي كان الصديق المقرب لرجل الموساد الشهير مايك هراري.

"ينبوع الشباب"
وبطريقة خفية بدأت بالتحضير لعملية "ينبوع الشباب" التي أطلقها الموساد لاغتيال القادة الثلاثة في حركة "فتح" في حي فردان. وفي العاصمة اللبنانية، تعرّفت على شخصيات لبنانية عدة واختارت بيتاً قريباً من الشخصيات المستهدفة، وتمكّنت من التنقّل بحرية مطلقة في المنطقة والتقطت كميات كبيرة من الصور، كانت ترسلها إلى الموساد.

وفي ليلة العاشر من نيسان 1973، وصل الجنود الإسرائيليون إلى العاصمة اللبنانية بيروت، متنكرين بأزياء نساء، وكان بينهم إيهود باراك، الذي قاد سرية هيئة الأركان العامة، فيما قامت مجموعة أخرى بمحاولة تفجير مقر الجبهة الديمقراطية في حي الفاكهاني. ونُفذت العملية بمعاونة فريق استخباراتي إسرائيلي يُدعى "غيدون"، الذي انتقل ورئيسه بعدها إلى طرابلس للتخطيط لعملية مماثلة.

وخلال العملية قامت وحدة "غيدون"، بتفجير مقر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقُتل اثنان من الجنود الإسرائيليين. والقوة التي هاجمت منازل القادة الفلسطينيين تنكرت بلباس "هيبز Hippies"، قبل أن تنفذ العملية.

مهمة سرية
تصف الصحافة الإسرائيلية يائيل بأنها كانت شابة جميلة وواحدة من أكثر عملاء الموساد جرأة. وقد تحدثت الجاسوسة الإسرائيلية بإسهابٍ قبل بضعة أعوام، عن تجربتها في لبنان، في حوارٍ مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، لم يُنشر باللغة العربية حتى تاريخ كتابة هذه السطور. إذ تذكر أنها في 9 نيسان 1973، وفي تمام الساعة 7 مساءً، التقت برجل إسرائيلي يُدعى إيفياتار لتناول العشاء. جلسا في مطعم أنيق في فندق "فينيسيا" وشربا الخمر واستمتعا بالطعام وتبادلا أطراف الحديث. ولم يكن أي ممن شاهدهما ليظن أنهما في وحدة الموساد " قيسارية"، الذراع التنفيذية للوكالة السرية، أو أن يائيل كانت تقابل صديقها في مهمة سرية.

قبل شهرين من العملية، استأجرت يائيل شقة مقابلة لمكان إقامة الشخصيات المستهدفة. راقبتهم لفترةٍ من نوافذها. وفي العاشر من نيسان، نقلت لإيفياتار رسالة مضمونها: "إنهم في المنزل اليوم، ثلاثتهم".

وحسب الكاتبة الإسرائيلية إفرات ماس، لم تكن يائيل تعلم في ذلك الوقت، بينما كانت تتناول العشاء، أن القوات الإسرائيلية قد خرجت بالفعل في البحر، في انتظار الموافقة على القدوم إلى شاطئ بيروت. ولم تكن تعلم أن تصريحها حول عودة الرجال الثلاثة إلى المنزل سيطلق عملية "ينبوع الشباب"، التي تُعتبر واحدة من أكثر العمليات جرأة في تاريخ أجهزة الأمن الإسرائيلية.

وتقول يائيل عن تلك الليلة "وصلتُ إلى الشقة حوالى الساعة 9 مساءً. تحققت، كما كنت أفعل دائماً، إذا كان أي شخص قد دخل أثناء غيابي، ثم ذهبت إلى النافذة لمعرفة ما إذا كانت "الأهداف الثلاثة" لا يزالون في شققهم، بعد ذلك خلدتُ إلى الفراش".

أضافت "ما هي إلاّ هنيهة حتى سمعتُ صوت إطلاق نار، زحفتُ على الأرض ونظرت إلى الخارج لأرى ما يحدث. كانت هناك ثلاث سيارات كبيرة متوقفة في الشارع. ارتفعت أصوات الطلقات، وصدر صراخ، وأضيئت الأنوار في الشقق الثلاث. حدث كل شيء بسرعة، وفجأة سمعت جملة تعال إلى هنا باللغة العبرية. عندما سمعتُ اللغة العبرية في قلب بيروت، علمت أن العملية انطلقت، وربطت ما كان يحدث بالمعلومات التي قدمتها إلى إيفياتار قبل ساعات قليلة".

بعد العملية
بقيت يائيل في بيروت لمدة خمسة أيام بعد العملية. كانت وحيدة، في بيئة معادية، بينما كانت السلطات المحلية تقوم بمطاردة للعثور على أي شخص مسؤول عن مساعدة الإسرائيليين. وتصف ذلك بالقول "لم أكن أعرف شيئاً عن الآخرين، لأنني تلقيت تعليمات بقطع العلاقات مع المقر حتى لا أخاطر بسلامتي. طُلب مني بعدها مغادرة شقتي على الفور، والذهاب إلى فندق، وإخبار المالك أنني خائفة جداً من البقاء في الحي، وأنه يجب عليّ السفر إلى بلجيكا بعد أسبوع لقضاء إجازة. ولكن عندما اقتربت من المالك، الذي تربطني به علاقة جيدة، وأخبرته أنني خائفة وأريد المغادرة، بدا مرتعباً وأخبرني أنها كانت فكرة رهيبة، فكل مغادرة مفاجئة ستثير شكوك. ثم عرض عليّ العيش معه وأسرته حتى تهدأ الأمور. وأحضر أحد أصدقائه، الذين أعرفهم، لإقناعي. وكرر أن المغادرة ستجعلني مثار شبهة، لأنهم كانوا يبحثون عن أميركيين".

وتابعت "كنتُ في مأزق، وقررت التصرف وفقاً لنصيحة أصدقائي اللبنانيين. أخبرني تسفي زامير، الرئيس الأسبق للموساد، لاحقًا أنني كنت العميلة الوحيدة التي تجاهلت تعليماته على الإطلاق، وأضاف بابتسامته النموذجية: لكن النتيجة كانت جيدة".

وما أن هدأت الأمور، حتى أخبرت يائيل مالك الشقة مجدداً بنيتها السفر إلى بلجيكا، فما كان منه إلاّ أن أصّر بأن يقلها إلى المطار حتى يتمكن من حمايتها. وهنا تقول "إلى جانب الارتياح الكبير الذي شعرتُ به، فكرتُ في المالك اللطيف، وأصدقائي اللبنانيين الذين وفروا لي الحماية. ولكن ماذا لو كانوا يعرفون حقيقتي؟ اليوم ومع انكشاف كل شئ، أفكر في الأشخاص اللطفاء الذين يعيشون في شارع الوليد في لبنان، وكيف سيتقبلون حقيقتي، من المحتمل أن يكونوا غاضبين".

إيهود باراك متذكراً
وإثر شيوع خبر وفاتها، أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، الذي قاد عملية "ينبوع الشباب"، بيائيل قائلاً: "هي أسطورة سائرة من الشجاعة والهدوء والمهنية. زودتنا بالمعلومات اللازمة للقضاء على قيادات إرهابية في بيروت. كانت هناك بينما كنا نقترب للتأكد من أنهم كانوا بالفعل في شققهم وبقيت في المنطقة كي لا نترك اثراً. إنها تتمتع بشجاعة لا تنتهي. أتمنى أن تكون ذكراها مباركة ".

ويُذكر أن محرر الشؤون الاستخباراتية رونين بيرغمان، كشف في عام 2019، أن العميلة الإسرائيلية ساهمت في توفير معلومات وصور خاصة فيما قام الموساد بوضع ألبوم صور خاصة لكل من القادة المستهدفين. كما جمعت معلومات عن محطة للشرطة اللبنانية في الحي، وعن شركات تأجير سيارات فخمة أميركية الصنع في بيروت كان الموساد بحاجة إليها لنقل عناصره من ساحل بيروت إلى شارع فردان. مشيراً أيضاً أن حراساً في الحي استجوبوها وهي عائدة من دكان للخضراوات فأبلغتهم أنها تقيم في شقة قريبة وما لبثوا أن تركوها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها