الأربعاء 2021/07/07

آخر تحديث: 15:43 (بيروت)

"القوات اللبنانية": العمومية الوطنية وقيد الخصوصية المسيحية

الأربعاء 2021/07/07
"القوات اللبنانية": العمومية الوطنية وقيد الخصوصية المسيحية
القوات اللبنانية تخاطب "بنيتها المسيحية" أولاً (Getty)
increase حجم الخط decrease

الكتابة عن القوات اللبنانية، وقد صارت حزباً، تشترط حسن إقامة العلاقة، بين التاريخ الإشكالي "للقوات"، وبين الحاضر المتداخل، المقيم على إشكاليات بين مختلف أطراف التشكيلة اللبنانية.

الربط بين ماضي سياسة القوات اللبنانية وحاضرها، له شروط ابتدائية عديدة، الأهمّ منها إثنان: الأول، هو المتعلّق بالكاتب، هذا الذي يُفترض أنّه قام بكتابة مراجعته الخاصة، عن تجربته السياسية، القريبة أو البعيدة، من تلك التي كانت للقوات، أما الشرط الثاني، فهو المتعلّق بالقوات اللبنانية، تلك التي يُفترض أيضاً أنها قامت بمراجعة سياساتها الماضية، وخرجت من المراجعة بخلاصات تنتمي إلى الحاضر، وتقيم صلة واضحة بالمستقبل. إذن، وبناءً عليه، تجمع قراءة "القواتية"، بين خلاصتين، هما: خلاصة "الناظر"، وخلاصة المنظور إليه، هذا لكي يكون "النظر" على جادّة الموضوعية الممكنة، وعلى جادّة المسؤولية العامة، التي تتجاوز الطَرَفية الخاصة، إلى المركزية العمومية.

المراجعة الممتنعة
لم تُطرح في سوق الحزبيّة اللبنانية، مادّة مراجعات شاملة، ومن بادر في هذا المجال، كان من الوسط اليساري، الشيوعي تحديداً، أمّا من أوساط "اليمين"، فلربما اقتصر الأمر على مادّة من حزب الكتائب اللبنانية، مؤخّراً، وعلى أفراد انتقدوا تجاربهم الشخصية، ثم انتقلوا إلى مجالات عمل "مجتمعية"، كتلاوة فعل ندامة على ما كان لهم من سلوكات سابقة.

القوات اللبنانية، أضافت إلى إسمها مفردة "الحزب"، لكنها لم تشرح الإضافة سياسياً، ولم تحدّد نهجاً ذي مضمون استرجاعي آخر، يشير إلى أن كلمة "الحزب" تتجاوز بُعْدَها التنظيمي إلى أبعاد سياسية عملية، تسترشد برؤية "نظرية" تتضمّن التجديد اللازم، الذي يناسب عملية الانتقال من خطاب قوات الحرب الأهلية، إلى خطاب قوات ما بعد صَمْت اللغة الاحترابية.

يطلّ من ثنايا واقع غياب مراجعة القوات اللبنانية، سؤال: هل المراجعة مطروحة على بساط النقاش، في دائرة القرار القواتي؟ أم أنها ممتنعة على الطرح، لأسباب منها خصوصية تشكّل القوات، وأحكام دورها، ما كان منه في الماضي، وما هو معروض منه على منابر الحاضر، وفي شوارعه وحاراته.

التقدير الغالب، في مجال المراجعة، هو إقصاؤها عن جدول الاهتمامات الداخلية، ومما يرجّح هذا التقدير، واقع احتفاظ القوات اللبنانية بالمفاصل الأساسية من رؤيتها لأسباب ومقدمات ومسار، الحرب الأهلية اللبنانية، وواقع تمسّكها بذات النبرة التعبوية، التي تغرف من مادة كانت سائدة في زمان الجبهات المتقابلة. مفاصل النظرة السياسية، يمكن سماعها بيسْر، عندما تدلي القوات بتعريفاتها حول الاحتلالات التي تعرض لها لبنان، وحول الولاءات الموزّعة بين اللبنانيين، وأولئك الأنصاف لبنانيين، وحول مسألة "المقاومة" وتاريخها، ومواقع انطلاقها، ومعارك البطولة التي شهدتها ميادينها.. لوهلة، وفي مجال التعريف التأسيسي يعود الخطاب القواتي، لينزل منزلة الافتراق الأهلي، وهذا في حدِّ ذاته، يشكل مخالفة سياسية ونظرية لخطاب القوات، الذي يريد شرح الحلّة الجديدة لقواته، مثلما يساهم في تعزيز سياسات الحجزْ والفرز، التي ما زالت تتحكم بأطراف لبنانية أخرى، وتقدم مادة تبرير ملموسة، إلى أوساط مختلطة من اليساريين، الذين ما زالوا مقيمين أيضاً، في "منازل الأمس"، ولم يسعوا حثيثاً، في مناكب مغادرتها.

قيد الخصوصية
إحجام القوات اللبنانية عن افتتاح جلسات مراجعة سياساتها، يجب أن يُنظر إليه بنظارات بنية القوات الأصلية، فهناك الوسط الاجتماعي الذي نبتت منه، وهناك شبكة المصالح التي يتمثلها خطاب القوات، وإلى تلك البنية يتوجه خطاب التعبئة وشدّ العصب أولاً، وما يفيض عن حاجات داخل "العصبية"، يوجّه إلى خارج الإطار الخاص، لكن من دون تجاوز عليه، ودائماً بما يرفده وبما يضيف إليه، من حصيلة العلاقة الآتية من جهة الإطار العام. في السياق هذا، يجب ألاّ يُسقط من الحساب، أن القوات اللبنانية تخاطب "بنيتها المسيحية" أولاً، وضمن البنية هذه تنشب معارك تنافس، وتدافع، واحتكار تمثيل، لهذا كله، لا تستطيع القوات الإقدام على "دعسة ناقصة" تنال من "مسيحيتها"، فتلك البيئة لم تحصّل ما يكفي من ثقافة الاندماج، التي تسمح بالخروج قليلاً على الثقافة الموروثة. استطراداً، وبإيجاز، لم تقدّم مرحلة ما بعد الطائف ما يساعد على تحسين شروط العمومية الأهلية، ضمن كل بيئة أهلية خاصة، وما ترسّخ بعد وقف الحرب الأهلية، إحياء العصبيات الداخلية، منذ الانتخابات النيابية الأولى التي أقدم عليها نظام "الطائف"، وحتى تاريخ الإلحاق السياسي، الذي تولّت رعايته الإسلامية السياسية بشقيها، الشيعي والسنّي، وكان موضع قبول تحاصصي من أطياف واسعة، من المسيحية السياسية.

مسؤولية التمايز
تمايز القوات ذو شقين، الشق الأول سياسي نظري، جرت الإشارة إليه كإطار لمراجعة مطلوبة من قبل كل من انخرط في الحرب الأهلية اللبنانية، والشق الثاني عملي، له صفة البرنامج والممارسة العملية اليومية. الشقّان متلازمان، ولا يقلّل من ذلك إدراك أنهما يجمعان بين ماضٍ لا يمكن تجاهله، وحاضر لا يمكن الاندراج فيه اندراجاً وطنياً عاماً، من دون التعرض لما كان له من أيام سالفة.

سبق القول، إن في الأمر مصاعب متعددة، لكن هذه يجب أن تدار بحسابات لها وجهة معينة، وهذا مما يُطلب توفيره من قبل المرجعيات القواتية، أقلّه على صعيد التذكير به، وعلى صعيد إعلان العزم على الخوض في غماره.

في سياق التمايز العملي، الذي تقتضيه العمومية الوطنية، لن يكفي القوات اللبنانية التمايز "الأدائي" من قبل نوابها ووزرائها، فإذا كان مهمّاً حرص أولئك على الظهور المتكرر في أثواب الشفافية، ومن مواقع الحرص على "المقدرات" الوطنية، فإن الأهمّ هو الإقدام على خطوة سياسية تنزع التذرّع بحصرية التمثيل الذي يدّعيه العهد الحالي لنفسه. هذا يقتضي مغادرة شعار الانتخابات النيابية المبكرة، الأحادي الجانب، والانتقال إلى تسهيل ولادة حكومة جديدة. الانتقال من الانتظارية القواتية، إلى احتلال موقع في المشهد، يصيب عهد التعطيل أولاً، ويصيب تيار الاسترئاس ثانياً، ويضيف إلى العمومية دفعاً ما، عندما يعطل الإقصائية، والاستئثارية اللتين ميّزتا العهد الرئاسي الحالي.

ليكن تمايز في الإقدام، ولتكن العمومية إحدى وسائل كسر قيد خصوصية الإحجام، هذا إذا أرادت القوات أن تكون حزباً عاماً جديداً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها