الأربعاء 2021/07/28

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

خلف لـ"المدن": استثناء "المرفأ" من إضرابنا.. ومعركتنا إلى التدويل

الأربعاء 2021/07/28
خلف لـ"المدن": استثناء "المرفأ" من إضرابنا.. ومعركتنا إلى التدويل
خلف: ما يحصل تشويه للصورة والحقيقة، وجدوا في الإضراب قميص عثمان (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
منذ شهرين، يستمرّ إضراب نقابة المحامين. هو الإضراب النقابي الأكبر، والأطول، وإلى اليوم لم يلق آذاناً صاغيةً من قبل المعنيين في السلطة. هو احتجاج على التجاوزات المتتالية والاعتداءات الجسدية المتكرّرة على المحامين، وعلى تجاهل مطالب النقابة وحقوق أعضائها، وعلى عدم احترام المواد القانونية وأولها المادة 47، وعلى مصادرة صلاحياتها.

عناوين عديدة يعيد نقيب المحامين في بيروت استعراضها وصياغتها بشكل أوضح، لاستبعاد كل الفرضيات والنظريات التي تحاك حول هذا الإضراب. إضراب نقابي، أثّر أو قيل إنه يؤثر بشكل مباشر على التحقيق في أكبر الجرائم التي شهدها لبنان، أي مجزرة مرفأ بيروت يوم 4 آب 2020. فإضراب المحامين، تحوّل إلى ذريعة أساسية يتناقلها المدعى عليهم في الملف ووكلاؤهم القانونيون لعدم المثول أمام المحقق العدلي في الملف، القاضي طارق البيطار. هذا إذا وضعنا جانباً موضوعيّ رفض السلطة السياسية إسقاط الحصانات عن النواب (الوزراء السابقين) المدعى عليهم، ورفض إعطاء الأذونات اللازمة لملاحقة القادة الأمنيين. فباتت نقابة المحامين عرضة لحملة مزدوجة، من قبل السلطة ومن قبل ناشطين مناهضين لها على حدّ سواء، تضعها في موقع معرقلي التحقيق. لذا، كان من البديهي التوجّه إلى النقيب ملحم خلف بسلّة من الأسئلة والاستفسارات، لتثبيت هذا الاتّهام أو إسقاطه. خصوصاً أنّ نقابة المحامين جهة أساسية في الادعاء في ملف جريمة مرفأ بيروت، وهي من المعنيين الأوائل في تحقيق العدالة وكشف الحقيقة وإتمام المحاسبة.
ففي ملف المرفأ، يعتبر خلف أنّه "إما نعطي العدالة ومن خلالها نستردّ الأمل والثقة بالقضاء ونعطي ثقة للناس ليكون حجر الزاوية للبنان الآتي، أو أنه لا أمل ولا رجاء ولا وطن. القضاء أمام امتحان. المطلوب جرأة من دون أي اعتبار".

الاتّهام والحملة
في أوساط الناشطين وبعض المعنيين في ملف انفجار مرفأ بيروت، يتم تحميل نقابة المحامين مسؤولية عرقلة التحقيق وعدم مثول المدعى عليهم، بحجة عدم حضور وكلائهم القانونيين الملتزمين بإضراب النقابة. ماذا يجيب خلف؟ جواب بسيط وواضح: "حرام تحميل أهالي الضحايا هذا الموقف، لنقل أنهم لجؤوا أولأً إلى نقابة المحامين مستفسرين عن هذا الموضوع، وهم ولا مرة حاولوا أن يلوموا أو يقولوا إنّ النقابة معرقلة. إنما ثمة من يريد إظهار الصورة السلبية للمكان الإيجابي". يوضح بالوقائع والأرقام أنّ "نقابة المحامين تحمل 1167 شكوى، لا بل أخذت على عاتقها أكثر من 1400 شكوى، والنقابة منذ 6 آب إلى اليوم، كل أسبوع تعقد اجتماعين مع 22 محامياً متطوّعاً من خيرة ورفعة المحامين في العالم، "إذا هودي مع 200 متطوّع نزلوا على الأرض وعم يتابعوا الملف بيجوا اليوم بدهم يشوهولهم صورتهم، هذا جوابي على السؤال".

تفسير واستثناء
يؤكد خلف أنّ الإضراب "فُرض علينا، وليس خيارنا وليس طريقة عمل النقابة، اليوم بعد مراكمة التجاوزات والتوجّهات للنيل من النقابة التي تجسّد حصن الحريات العامة وحقوق الناس يأتون لجعلها مكسر عصا". بالنسبة لخلف والمحامين، "إذا سقط هذا الحصن الأخير راحوا الناس، وكرمال الناس هذا الإضراب. وفسّرنا لأهالي الضحايا بأي موقع نحن موجودون وهم قالوا إنّ النقابة وقفت إلى جانبهم وسنقف معكم". في هذا السياق، أمر أساسي مغيّب عن الساحة الإعلامية وتفاصيل قانونية وقضائية غير واضحة. فحسب ما يقول خلف، النقابة لم تكن قد تبلّغت باستئناف جلسات التحقيق ملف المرفأ، "وحين علمنا وبلّغونا بعودة  عقد الجلسات أعطينا الاستثناء. هذا موضوع أساسي جداً، بناءً على طلب أي محامي نعطي الاستثناء، وخصوصاً في ملف المرفأ الذي يجسّد عدالة وطن". ومع استئناف الاستجوابات، يتم إعطاء الاستثناءات.

عدم التبليغ
يروي النقيب ملحم خلف، أنه يوم الجمعة الماضي لم يتم تبليغ النقابة بعقد جلسة لاستجواب ضباط سابقين مدعى عليهم في الملف. "وبعد الظهر علمنا من الوسائل الإعلامية أنه تم عقد جلسة". ورداً على سؤال، يشدّد خلف على أنه "لم يتقدم لي أي طلب استثناء من قبل محاميي المدعى عليهم في ملف المرفأ. ولنكن واضحين، اللجوء إلى النقابة بهذا الموضوع هو أمر أوتوماتيكي، يصل الطلب والاستثناء إجراء ثابت". ويؤكد ذلك، أنّ التذرّع بالإضراب لامتناع المدعى عليهم عن الحضور إلى الاستجوابات بات أمراً مفضوحاً. أما أسباب عدم تبليغ النقابة بمعاودة الجلسات فغير واضحة بعد. كل الموضوع في طريقه إلى الحلّ. "لسنا مغامرين، ومنذ بدء الإضراب نضع أرجلنا في أماكن ثابتة، لدينا مقاربة ندرسها ونستعرضها لترجمتها في وقت لاحق".

إذن ملاحقة المحامين
وحول عدم صدور أي قرار بعد عن نقابة الحمامين لإعطاء الأذونات بملاحقة المحامين (المسؤولين السياسيين) المدعى عليهم في الملف، يؤكد خلف أنّ الموضوع يسير في إطاره الطبيعي. ينفي أنه يعمد إلى المماطلة، لأنه في حال تمّ طرح الموضوع على مجلس النقابة سيسقط الطلب. فيؤجل الطرح لحين انتهاء المهلة الزمنية، وأنه بعد صدور جواب عن مجلس النقابة تصبح الموافقة ضمنية. ينفي خلف كل هذه النظرية، مشيراً إلى أنّ "الموضوع سيُطرح على المجلس والأخير سيتّخذ قراره". ويشرح في هذا الإطار إنّ الأمور روتينية "فهذه الطلبات تحوّل من النيابة العامة ، تُطرح على مفوض القصر الذي يبلّغ المعنيين لإبداء ملاحظاتهم، وبعدها يطرح الأمر على مجلس النقابة لاتخاذ القرار. وإجمالاً المجلس ينظر في شقّ وحيد، إن كان الطلب المقدم ضمن إطار ممارسة المهنة أو خارجه. تبلغّنا يوم 5 تموز. والمهلة هي حتى 4 آب". هذه أصول وجاهية، تسير في سياق اعتيادي وطبيعي. وعما يحصل من عرقلة سياسية للتحقيقات ومواقف علنية تتحدّى القضاء والمحقق العدلي، يعلّق خلف "كل هذا صحيح،، لكن في المقابل ثمة قاضٍ". تعويل أهالي الضحايا، الجرحى، المتضرّرين، المعنيين، وكل اللبنانيين عموماً، قائم على القاضي طارق البيطار.

اتصال.. تشويه صورة
في معرض حديثه عن إضراب نقابة المحامين وأسبابه، والحملة السياسية والإعلامية التي تشنّ على نقابة المحامين، يقدّم خلف نموذجاً لما يحصل. نموذج من شأنه أن يوضح الكثير من الأمور. يقول: اتصل بي أحد المدعين العامين، وقال لي أنه ثمة جلسة  لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة يوم 5 آب. قال لي قل لمحامينك أن يحضروا.. كأني أنا بقول للمحامي روح وتعا.. عم يعلمنا شو بدنا نعمل"؟ لا تنتهي فصول الرواية عند هذا الحد. إذ تمّ بعدها تسريب الخبر في الإعلام "حتى قبل أن تصل المراسلة إلى النقابة". كأن المطلوب إعطاء صورة بأنّ النقابة تعرقل حتى التحقيق مع رياض سلامة. "ما يحصل تشويه للصورة والحقيقة، وجدوا في الإضراب قميص عثمان". لماذا يراد ضرب النقابة؟ لأنها تجسّد أملاً للناس وتحارب من موقعها من أجل الناس.

الإضراب مستمرّ
لا عودة عن الإضراب. ليس بعد التحامل المستمرّ. "نحن مع الناس وإضرابنا ليس ضد الناس. على مدى 60 يوماً حاولنا القول مش ماشي الحالي بقضاء غير فاعل وغير منتج وغير مستقل. ما فينا نخلي البلد يسقط لإنو ما في قضاء، وتحكم أجهزة بالقضاء، وهذه خطيئة مميتة يريدون محاسبتنا عليها. إذا سقط القضاء رحنا. قلنا إننا داعمين القضاء والسلطة القضائية واستقلالية القضاء. جاوبونا بعكس ذلك". يوضح خلف أنّ موضوع الإضراب تراكمي. أولاً بفعل تجاوزات متتالية أو باعتداءات "وعدم معالجتها وفقاً للأصول من خلال تقديم شكاوى لمحامين تعرّضوا لاعتداءات جسدية وحفظت الشكوى، وبفعل أنّ محامين تعرّضوا لاعتداء جسدي داخل المخفر اعتدي عليهم وركلوا عند استجوابهم، ومفوض الحكومة كان سلبياً والمدعي العام التمييزي سلبي والرئيس الأول أيضاً، وانتهينا عند الساعة 11 ليلاً بسجن المحامي". ثانياً، "من خلال الدخول إلى منزل محام وضبط ملفات تختص بالمهنة". ثالثاً، "رفض الأجهزة الأمنية تطبيق المادة 47 (إلزامية وجود محامٍ حتى في التحقيق الأوليّ) وبوجود أمر خطي من المدعي العام التمييزي". رابعاً، عدم التجاوب مع كل الأذونات الخطية. وصولاً إلى ما حدث مع المحامي رامي عليق. "ثمة أصول وتدابير مسلكية داخلية تقدّمنا بها حتى قبل أن يطرح القضاء الموضوع، كان ناقص يحطوه بصندوق السيارة". يضيف خلف: "اتصلنا بالمحامي العام غسان الخوري لعقد جلسة ولم يستجب. أخذنا تدبيراً أول، إضراب 48 ساعة. قاضي التحقيق يتخذ تدبيراً بحقه، وقف مزاولة المهنة ومنع الدخول إلى قصر العدل. أي أنّ القاضي أخذ صلاحيات نقابة المحامين واتخذ القرار عنها".

أهداف ومطالب
فجّرت مشهدية توقيف المحامي رامي عليّق كل التراكمات الحاصلة منذ زمن. مطالب المحامين واضحة: لا يمكن سحب صلاحيات النقابة التي تنصّ عليها القوانين. لا يمكن استجواب المحامين قبل الحصول على إذن النقابة وفق القانون أيضاً، "تخطوا كل الاعتبارات وثمة تعميم من القاضي المرحوم منيف عويدات بأنّ أي ملاحقة لأي محامي يجب أن تتمّ وفق الأصول وقدّم الشرح اللازم، تجاوزوه أيضاً". إضافة إلى ضرورة تصحيح العلاقة مع القضاء، "والتصحيح لا يمكن أن يحصل إلا من خلال عقلنة المقاربة". فسار الإضراب بشكل تصاعدي، لـ48 ساعة، مدّدت لفترة مماثلة، ثم إضراب عام، وتوجيه نداءات وصولاً إلى حملة التضامن الواسعة التي حصلت من نقابات واتحاد نقابات المحامين حول العالم مع نقابة بيروت. "حضر من يمثلّون مليونين و200 ألف محام من العالم، كل نقابات المحامين من أوروبا إلى العالم العربي حضروا وأيدّونا. حضر 12 نقيباً ورؤساء اتحادات نقابات في أوروبا، 254 نقابة محامين في أوروبا، اتحاد يضم 171 نقابة في فرنسا، اتحاد المحامين العرب. وصلنا إلى هذا المستوى ومدينا يدنا.. لكن من دون أي تجاوب".

إلى الضغط الدولي
بين يدي النقيب ملحم خلف ورقة ضغط إضافية، رماها على طاولة الصراع على السلطة. إذ يكشف أنه تمّ التواصل مع " المقرر الخاص للحفاظ على حرية ممارسة مهنة المحاماة وعلى استقلالية القضاء في الأمم المتحدة، وهذا من ضمن الدستور الذي يحدّد أنّ المواثيق الدولية هي جزء من المنظومة الحقوقية الداخلية. وهذا الموقع باستطاعته التوجّه إلى الحكومة وسؤالها عما يجري وعن واقع الحال". ورقة دولية للضغط وفضح المنظومة الحاكمة لا بد أن تؤتى ثمارها من أجل رفع الخلل الحاصل والصورة المشوّهة للواقع القانوني والقضائي في البلاد. ورقة سيصعب على أركان المنظومة تجاهلها، أو أنّ وقاحتها أكبر من ذلك.

في نقابة المحامين ورشة كبيرة. يدرس مجلس النقابة خلال اليومين المقبلين طلبات 936 من الراغبين في الانتساب إلى النقابة. تصحيح أول وثانٍ ومكننة. إضافة إلى فحوص شفوية لـ627 من المتدرّجين الراغبين بالدخول إلى الجدول العام. وكل هذا يحصل، بينما النقيب والنقابة يتعرّضان للحملات. وكل هذا يسبح في فضاء ملف جريمة انفجار 4 آب، وفي سياق إضراب عام. العمل في نقابة المحامين لا يتوقّف، وكذلك الحملات عليها، لكن طبعاً العبرة ستكون بالممارسة وبالخلاصات والنتائج. وتحقيق النقاط على المنظومة، أو حتى إسقاطها بالضربات القاضية، أمر ممكن. هذا ما أثبتته لنا المعارك النقابية الأخيرة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها