السبت 2021/07/24

آخر تحديث: 12:41 (بيروت)

"بيغاسوس": التجسّس على حكّام لبنان لِتَعَلُّم ألف باء الفساد؟!

السبت 2021/07/24
"بيغاسوس": التجسّس على حكّام لبنان لِتَعَلُّم ألف باء الفساد؟!
خبراء في أهم أساليب الكذب والدعاية والتضليل وإفلاس دولة وانهيار اقتصادها (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
مُدهِشٌ خبر التجسس السعودي والإماراتي المفترض على حكّام لبنان! خطوة كهذه تثير الكثير من علامات التعجب. أنْ تتجسس الاستخبارات الأميركية على روسيا، والاستخبارات الروسية على أميركا، فهذا أمر معهود في العلاقات الدولية. أنْ تتجسس إسرائيل على الفلسطينيين وعلى إيران وحزب الله، والعكس بالعكس، أو المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على الحوثيين، والعكس بالعكس ربما، فهذا متوقع. من الطبيعي أن يلجأ الأعداء والمتصارعون في العالم إلى أنشطة الاستخبارات والتجسس. فالأمر يتعلق بأدوات تخدم مصالح استراتيجية وحيوية للاعبين على الساحة الدولية.

أما في ما يخص حكّام لبنان، لاسيما بين عامي 2017 و2018، فما هي القيمة الاستراتيجية المضافة التي سيوفرها التجسس عليهم، غير تَعَلُّم واكتساب مهارات وفنون الفساد والنهب وطرق تقويض الدولة وتدمير ماليتها العامة، وصولاً إلى الانهيار الشامل والكامل؟

الحماية من الأعداء
لا يمكن فهم هذه الدهشة إلا بعد الوقوف على التفسيرات العلمية للاستخبارات والتجسس. هذه الممارسة قديمة في التاريخ وترتبط بممارسة السلطة نفسها. الفيلسوف والجنرال العسكري الصيني، صن تزو (Sun Tzu)، كتب في القرن السادس قبل الميلاد، في مؤلفه "فن الحرب"، عن أهمية "استخدام الجواسيس". ومنذ الماضي البعيد، كان الملوك والحكّام يستخدمون التجسس بما يخدم إدارة السلطة والحفاظ عليها، وضمان السلم والاستقرار في الداخل، بما يساهم في حماية أنفسهم من الأعداء في الخارج. هكذا، يتمكن الحكّام من "جمع المعلومات حول أشخاص ومجموعات أو منظمات من شأنها أن تمثل تهديداً فعلياً أو خطيراً على الأمن القومي"، حسب تعريف أحد القواميس الأكاديمية لمفهوم الاستخبارات. والحصول على هذه المعلومات مفيد في عملية صنع القرار، أي اتخاذ القرارات الضرورية لحماية أمن الدولة.

الهجمات السايبرية
تمتلك الدول أجهزة خاصة للاضطلاع بهذه المهمة: وكلاء. عملاء. جواسيس. التاريخ حافل بقصصهم ومغامراتهم. العنصر البشري أساسي إذاً في أداء الدور المطلوب. ولا يمكن الاستغناء عنه في الرصد والتحليل والتخطيط والاستباق والاستشراف والتدخل. لكن مع تطور وسائل الاتصال الحديثة، والتحولات التي أحدثها الإنترنت في مجال الاتصال، أصبح الفضاء الرقمي حيزاً إضافياً للنشاط الاستخباراتي. من هنا بدأ الحديث عن مفاهيم جديدة، مثل "الحرب السايبرية" و"الهجمات السايبرية". بمعنى آخر، بات هناك إمكان لتطوير برامج إلكترونية قادرة على اختراق شبكات الاتصال والبرامج المعلوماتية والهواتف الخليوية الذكية للتجسس على الأفراد والمؤسسات.

هذا ما فعلته "وكالة الأمن القومي" الأميركية، بحسب ما كشف الموظف السابق في الأجهزة الاستخباراتية الأميركية، أدوارد سنودن، عام 2013. والوكالات الروسية لم ترحم لا أوكرانيا وإستونيا سابقاً، ولا حتى الولايات المتحدة الأميركية، لاسيما خلال الانتخابات الرئاسية عام 2017. ومن الحوادث ذات الصلة اختراق 30 ألف جهاز كومبيوتر لشركة "أرامكو" السعودية بواسطة "فايروس" فتّاك عام 2012. وتنسَب إلى الصين أيضاً سلسلة "هجمات سايبرية" لغايات اقتصادية، مثل عملية قرصنة المعارف والمعلومات العلمية الصناعية، والتي استهدفت حوالي 30 شركة كبيرة أميركية عام 2010. ثمة أيضاً هجمات صينية أخرى استهدفت، طوال سنوات، أكثر من 150 مؤسسة صناعية غربية، وكشف عنها عام 2013. كذلك من المشتبه أن تكون الصين قد نفذت هجمات إلكترونية في خريف 2007، للتجسس على وزير الدفاع الأميركي ونظيره الفرنسي، ومكاتب المستشارة الألمانية.

فضيحة "بيغاسوس"
الحالات المماثلة تفيض. آخرها فضيحة برنامج التجسس الإسرائيلي، "بيغاسوس"، المخصص لاختراق الهواتف المحمولة الذكية، والذي طورته الشركة الإسرائيلية "إن إس أو" (NSO Group). وفي حيثيات الفضيحة أن 40 حكومة اشترت هذا البرنامج التجسسي. تم استهداف أكثر من 50 ألف رقم هاتف خليوي في 50 دولة تقريباً، وذلك منذ عام 2016. والكشف عن هذه العمليات التجسسية تم أخيراً بفضل التحقيق الاستقصائي بمبادرة من مؤسسة "Forbidden Stories" (تتخذ من باريس مقراً لها)، وبمشاركة مؤسسات صحافية دولية عدة من ضمنها موقع "درج". بالطبع إن استهداف بعض الحكومات لرؤساء جمهوريات وملوك ورؤساء حكومات ووزراء وسياسيين هنا وهناك، أو ناشطين ومعارضين وصحافيين، يشكل عملاً غير مشروع وغير مبرر. وهو متوقع. لكن ما يثير الاستغراب والدهشة هو الحديث عن إقدام كل من السعودية والإمارات على اختراق أو محاولة اختراق اتصالات حكّام في بلد مثل لبنان بين عامي 2017 و2018.

الدوافع والأهداف
عادةً ما تتسم دوافع وأهداف العمليات التجسسية بطابع استراتيجي وحيوي واضح. روسيا تستخدم "الهجمات الإلكترونية" لمحاولة إضعاف دول مجاورة تريدها أن تخضع لنفوذها. الولايات المتحدة تتجسس على الأفراد والمؤسسات في أوروبا، ليس ضمن خطة وقائية ضد الإرهاب والجرائم وتجارة المخدرات فقط، بل أيضاً ضمن استراتيجية ترتبط بمكانتها كقوة مهيمنة في العالم. أما الصين، فلديها مصلحة في اختراق الأسرار العلمية والصناعية لمنافسيها الغربيين، في إطار منافسة اقتصادية عالمية مفتوحة.

وفي ما يتعلق بـ"مشروع بيغاسوس"، إذا ثَبُتت صحة المعلومات التي تحدثت عن قيام المملكة المغربية بمراقبة اتصالات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وغيره من المسؤولين الفرنسيين في فترة معينة، فهذا يعتبر بمثابة اعتداء خطير في الدبلوماسية، ويعكس ريبة مغربية أو انعدام ثقة المغرب بالقيادة الفرنسية. أما بالنسبة لتجسس بعض الأنظمة الاستبدادية على ناشطين ومعارضين وصحافيين، فهذا سلوك مألوف ومتوقع، ومقاومته هي في صلب معركة الدفاع عن قيم الحرية في العالم.

بيد أن تجسس الرياض وأبو ظبي (وهو أمر تنفيه حتى الآن كل من العاصمتين) على حكّام لبنان، لا أهمية استراتيجية له، نظراً إلى طبيعة عمل واهتمام هؤلاء الحكّام تقليدياً: محترفو نهب المال العام. ويمتلكون كفاءة عالية الجودة في تهريب الأموال المنهوبة أو أموال العمولات بالحقائب السرية وبواسطة طائرات خاصة تقلهم إلى دول "الجنات الضريبية". ومدرسة استثنائية ولا مثيل لها في الفساد. وماهرون في المحاصصة وتقاسم مغانم الدولة. بارعون في محاباة الأقارب والمقربين. وخبراء في أهم أساليب الكذب والدعاية الكاذبة والتضليل. وأصحاب اختصاص في إفلاس دولة وانهيار اقتصادها.

خطوة استباقية؟
هل تهمّ هذه الخصائص والصفات السيئة دول الخليج؟ أم أن الأمر يتعلق بمجرد الاطلاع عليها ورصد كيفية ممارستها، فقط من باب الفضول؟ أم أن السعودية والإمارات أرادتا مراقبة هؤلاء الحكّام بين عامي 2018 و2019، أي حين كانت حكومة عهد الرئيس ميشال عون، برئاسة سعد الحريري، تلهث وراء المساعدات المالية الدولية، في إطار مؤتمر "سيدر" الذي عقد في نيسان 2018؟ وهل كان أحد الأهداف السعودية والإماراتية يتمثل في الكشف عن النوايا المبيتة والألاعيب السرية لهؤلاء الحكّام، الذين كانوا يخططون لكيفية نهب ما يمكن نهبه من المساعدات المالية ومن أموال "سيدر"؟

سيكون من المفيد أن يكشف السعوديون والإماراتيون عما لديهم من معلومات عن فساد حكّام لبنان، إذا ثَبُتَ فعلاً تورطهم في عمليات التجسس ضمن برنامج "بيغاسوس"، مع أن العيب الوحيد والخطير الذي يستحق اللوم هو استخدام دول عربية لبرنامج تجسسي من صنع إسرائيلي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها