الجمعة 2021/07/23

آخر تحديث: 11:13 (بيروت)

في انتظار داود باشا!

الجمعة 2021/07/23
في انتظار داود باشا!
أفدح شرشحة سياسية شهدها البلد (Getty)
increase حجم الخط decrease

في العادة، عندما يتم استدعاء رجل الدين لزيارة مريض ما، أو نقل المريض إلى رعاية رجل الدين، فأنها إشارة كافية إلى أن أمره انتقل إلى إرادة خالقه رب العالمين، وأن الأطباء لم يعودوا قادرين على إحداث أي تقدم في حالته الصحية عبر علاجاتهم وأدويتهم.

هذا عملياً ما حدث بداية هذا الشهر تموز من العام 2021، حين انتقل أمر معالجة أزمة لبنان إلى إشراف قداسة بابا روما البابا فرنسيس بعد أن عجز وكيله في لبنان البطريرك بشارة الراعي عن إحداث أي اهتمام أو صحوة من الرعية الفاسقة الفاجرة، فسارع قداسته، الذي استدرك خطورة حالة ابنه المريض، إثر الاجتماع العلامة، بين وزراء خارجية مجلس الوصاية المشكل من وزراء خارجية الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية في باريس، فاستدعى على الفور، على وجه السرعة، رؤساء الكنائس لمناسبة "يوم التأمل والصلاة من أجل لبنان".

ونادى في نهايته بأعلى صوته: "على القادة اللبنانيين أن يجدوا حسب مسؤولياتهم حلولاً عاجلة للأزمة في لبنان، وأن يضعوا أنفسهم في خدمة السلام، لا في خدمة مصالحهم الخاصة"، حسب قوله. وختم قائلاً: "كفى استخدام لبنان لمصالح ومكاسب خارجية".

مجلس الوصاية الثلاثي الذي طلب المساعدة في الصلاة من بابا روما كان تحدث بلسانه البنك الدولي بعد ذلك بساعات معتبراً " أنّ الأزمة الاقتصادية في لبنان من المرجح أن تحتل المرتبة العشرة الأوائل، وربما الثلاثة الأوائل، وأشد حلقات الأزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر".

بعد هذه الوقائع المتنقلة من باريس إلى صلاة روما ونفير البنك  الدولي الفريد من نوعه، توجهت سفيرتا الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا إلى الرياض، لدراسة الوضع المتدهور للمريض اللبناني مع وكيل وزارة الخارجية السعودية، والبحث في الإجراءات العقابية والتدابير المسلكية التي يجب اتباعها إزاء هذا المريض المشاغب، الذي لا يعرف أن مرضه قد تخطى الحدود، لتعودا من الرياض بحقنتين مدعمتين من المضادات الحيوية، لدرجة أن سفيرة فرنسا السيدة آن غريو ممثلة نابوليون بونابارت في بيروت لم تتورع أمام رعونة وفطنة الرئيس الدكتور حسان دياب من تلقينه درساً لا ينسى في الأدب وحسن اللياقة والكياسة أمام عدسات المصورين في نقل مباشر لأكبر وأفدح شرشحة سياسية شهدها بلد من بقايا جمهوريات الموز يدعى لبنان.

وعلى الرغم من هذه الأحداث الجسام، لم يتورع القائد الأعلى للقوات المسلحة اللبنانية الجنرال الرئيس ميشال عون، بالتعاون مع صهره النابغة، ووريثه السياسي، من نصب كمين محكم للرئيس المكلف سعد الحريري لإسقاط حكومة 24 رضيعاً، وسفك دماء ما تبقى من دستور الجمهورية وتجاوز إرادة الأكثرية النيابية والقول لحامل ورقة التشكيلة ما تتعذب مرة أخرى، نحن في الظاهر، لن نتفق مع بعض وأرجو أن تريني "عرض كتافك" والله معك وما بقى تعيدها.

لكن الرئيس القوي، لم يتردد في اليوم الثاني في دعوة المجلس الأعلى للدفاع، حتى ومن دون قادة الأجهزة الأمنية، للبحث في أوضاع البلاد والتوقيع بشكل استثنائي على دفع ثمن آخر باخرتي مازوت وبنزين لزوم الرمق الأخير لجمهورية باتت تحت رحمة مجلسين:

مجلس الوصاية الأول بزعامة الولايات المتحدة الأميركية برئاسة جو بايدن المهرول هرباً من أفغانستان، تعاونه فرنسا إيمانويل ماكرون صاحب المبادرة الشهيرة في قصر الصنوبر، والمملكة العربية السعودية التي باتت على وشك الاقتناع بضرورة النظر إلى حال اللقيط اللبناني وحاجته الماسة إلى شحنة من حليب الأطفال الرضع، نكاية بالولي الفقيه قاطع المياه عن عرب الأحواز.

أما مجلس الوصاية الثاني الذي اهتدى إليه رئيس الدولة اللبنانية، هو المجلس الأعلى للدفاع بديلاً عن مجلس الوزراء، بحضور رئيس حكومة تصريف الأعمال أو من دونه، لا همّ، كاستنساخ لتجربة الحكومة العسكرية التي أعلنت حربي التحرير والإلغاء، خصوصاً إذا ما دخلت البلاد في المستقبل غير البعيد في الفراغين الرئاسي والنيابي، وقرر صاحب القصر كما هو ظاهر حتى الآن، تمديد إقامته مع العائلة الكريمة في قصر الشعب، وعدم مغادرة دارته هذه المرة إلا مع بزوغ فجر الجمهورية الثالثة، جمهورية الإصلاح والتغيير الفريدة التي لم يسمح له أخصامه من تحقيقها.

السؤال، من سيفرض إرادته ورأيه في النهاية من المجلسين على هذه البقعة المسماة لبنان؟

مجلس الوصاية الأميركي الفرنسي السعودي أم المجلس الأعلى للدفاع الموقر؟

في العودة إلى ذاكرة تجربة المتصرفية عام 1860 كان داوود باشا أول متصرف عينته الدول الكبرى التي هرعت لإنقاذ سكان جبل لبنان من الفناء، حين شهروا السيوف والسكاكين في وجه بعضهم البعض.

فمن سيكون داوود باشا المقبل؟

نحن في الانتظار على شوق كبير!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها