بعد مسيرةٍ حافلة سطع فيها نجمه في الجيش الإسرائيلي، عرض اللواء المتقاعد تال روسو (61 عاماً)، في مقابلةٍ مطولة مع صحيفة "إسرائيل هيوم"، أبرز محطات حياته العسكرية، من تعيينه لقيادة وحدة "ماجلان" في أوائل تسعينيات القرن الماضي، مروراً بحرب تموز 2006، والحملة الأخيرة على غزة. مبدياً في المقابلة تقييمه للخطر الذي يشكله حزب الله حالياً على الدولة العبرية، وكاشفاً عن مهامه ودوره الكبير فيما تسميه الدولة العبرية بـ"حرب لبنان الثانية".
مسيرة حافلة
عندما جُند روسو في الجيش الإسرائيلي، كان من بين الأوائل الذين خدموا في وحدة الكوماندوز المعروفة باسم "شلداغ" التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي. وفي وقتٍ لاحق، انضم إلى وحدة مكافحة الإرهاب وجمع المعلومات الاستخبارية الخاصة "سايرت ماتكال"، ثم تولى على التوالي قيادة وحدة "ماجلان"، ولواء المظليين الاحتياط 551، وفرقة المظليين 98، وفرقة المدرعات 162. بعد هذه المرحلة، خدم في ثلاث وظائف في هيئة الأركان العامة كرئيس لمديرية العمليات، وقائداً للمنطقة الجنوبية، وقائداً لفيلق "العمق"، الذي تم تشكيله عام 2011 لتنسيق عمليات الجيش الإسرائيلي بعيدة المدى في عمق أراضي "أعداء إسرائيل".
بَيد أن أبرز ما يستذكره روسو، هو اختياره عند توليه قيادة وحدة "ماجلان" قبيل ما يقرب من 30 عاماً، نفتالي بينيت الذي كان ضابطاً حينذاك، والذي أصبح اليوم أول رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل تعود خلفيته لليمين الديني المتشدد بتزعمه حزب "يمينا"، للانضمام إلى وحدته وتحديثها. واليوم، بعد أربعة أعوامٍ من تقاعده، لا يزال روسو قريباً من كثيرين في الجيش الإسرائيلي، وخصوصاً من وحدات النخبة، إلى جانب كبار مسؤولي الموساد والشين بيت. وهم بدورهم يتشاورون معه، ويشاركونه أسرارهم وتحفظاتهم.
حرب تموز
في صيف عام 2006 وخلال الحرب الضروس مع حزب الله، كلف قائد مديرية العمليات حينذاك، غادي آيزنكوت، روسو بقيادة العمليات الخاصة للجيش الإسرائيلي. وفي الأسابيع التي خدم فيها بهذه الصفة طوال الحرب، نُفذت أكثر من 30 عملية خاصة في لبنان من قبل وحدات "سايرت ماتكال"، "شلداغ"، "شايطيت 13" البحرية، ووحدات أخرى. وما أن وضعت الحرب أوزارها، حتى أُعيد تعيينه ليحل محل آيزنكوت، الذي أصبح قائداً للمنطقة الشمالية.
يقول روسو عن حرب تموز: "كان بإمكاننا فعل الكثير في تلك الحرب لو قُيّض لنا الاستعداد بشكلٍ مختلف، ولو دخلناها بالخطط الصحيحة. أعتقدُ أننا أهدرنا 15 إلى 20 في المئة من قدراتنا، وكانت مناوراتنا مجرد حماقة. لذا، من الصعب القول أننا فشلنا لأن تحقيق الهدوء في الشمال كان نجاحاً بالنسبة لنا، فالهدف المعلن للحرب تمّثل ببسط الهدوء لسنوات طوال. رغم ذلك كان بإمكاننا استخدام قدراتنا بشكلٍ أفضل بكثير".
أضاف مستذكراً تلك المرحلة " الأسبوع الأول من الحرب، قبل أن أتولى قيادة العمليات الخاصة، كان الأسوأ. لقد تنقلتُ ذهاباً وإياباً بين القادة العسكريين في الميدان ورأيتُ أننا ما زلنا لم نقم بالتحول الذهني لجو الحرب داخل الأركان العامة والقيادة الميدانية. هذا هو الدرس الرئيس الذي تعلمته، فهذا شيء يحدث لعدد غير قليل من القادة، الذين يبدون أنهم يرون كل شيء بوضوح، ومع ذلك لا يزالون عاجزين عن التفكير والمبادرة عند اندلاع الحرب".
الردع المتبادل
إلى ذلك، طلبت الصحيفة الإسرائيلية من اللواء المتقاعد توضيحاً عن سبب خلق حرب تموز نوعاً من الردع المتبادل، فأجاب "حدث ذلك لأننا أصبحنا مدمنين على الهدوء وفرضنا قيوداً على أنفسنا. من وجهة نظري، هذه كارثة، لا سيما رؤية عناصر حزب الله يدخلون الأراضي الإسرائيلية من دون القدرة على الرد عليهم أو قتلهم".
واعتبر روسو أن إسرائيل بحاجة إلى الحفاظ على حريتها في العمل في لبنان، أما عندما يتعلق الأمر بالاقتراب من الحدود أو عبورها. فكانت تل أبيب بحاجة، وفق رأيه، لخلق المزيد من الوسائل السرية للدفاع عن نفسها. مشيراً "الكل يعتقد أن المعركة المزعومة بين الحروب بدأت في سوريا قبل بضع سنوات. الحقيقة هي أنها بدأت قبل 15 عاماً، لكن كان ينبغي أن تظل أكثر كثافة وتنوعاً. نعم نحن نحقق إنجازات، لكننا بحاجة إلى تحمل المزيد من المخاطر والقيام بالمزيد من الأشياء فيما يتعلق بلبنان".
وتابع "لا أعتقد أن حزب الله يردعنا، أو لكي نكون أكثر دقة، لا أعتقد أننا بحاجة إلى الردع من حزب الله. في الحرب المقبلة، إذا عملنا بشكل صحيح، يمكننا أن نصل إلى النقطة التي نقضي فيها على هذه المنظمة من منظور عسكري".
الضربة الوقائية والصواريخ الدقيقة
ومع إسهابه بالشرح، لفت روسو إلى صعوبة توجيه ضربة وقائية ضد الحزب، إذ قال "لا أعتقد أننا سنوجه ضربة وقائية لهم ذات صباح مشمس. هذا الأمر لطيف من الناحية النظرية، وأردنا القيام بذلك مرات عدة في لبنان وغزة، لكنه ليس بهذه البساطة. أنتَ بحاجة إلى نوع من التصعيد من أجل ذلك حتى تكون الجبهات المحلية والدولية في صفك. ولا تلجأ إلى خيارٍ من هذا القبيل إلّا عندما تواجه تهديداً وجودياً واضحاً وقائماً؛ وهذا ليس الوضع الحالي في لبنان".
وحول قدرة الحزب على تكبيد إسرائيل أضرار جسيمة، أردف بالقول "يمكن لحزب الله أن يلحق بنا أضراراً كبيرة، ولكن من منظور التناسب، لا توجد مقارنة بين ما يمكن أن يفعله بإسرائيل وما سيحدث له وللبنان".
أما عن تأييده لوجهة النظر القائلة بأن مشروع حزب الله للصواريخ الدقيقة هو أكبر تهديد لإسرائيل بغض النظر عن التهديد النووي الإيراني، أوضح "كلا. إنهم لم يصلوا بعد إلى الكتلة الحرجة التي يمكن أن تقلب الموازين، خصوصاً إذا أدخلنا أنظمتنا الدفاعية في المعادلة".
في بعلبك وصور
من بين العمليات التي قادها روسو خلال حرب تموز، هي عملية "حاد وسلس "Sharp and smooth"، وهي أكبر مهمة للقوات الخاصة قامت بها جنود وحدتيّ "سايرت ماتكال" (الوحدة الخاصة التابعة للأركان العامة) و"شلداغ"، لمداهمة مقر حزب الله في بعلبك. وكانت هناك عملية أخرى نفذتها "سايرت ماتكال" في القطاع الجنوبي، نتج عنها الحصول على معلومات استخبارية عالية القيمة، لا تزال سرية حتى يومنا هذا.
يروي أيضاً روسو بعض ما حصل خلال تلك الحرب، فيقول "كانت هناك أيضاً عملية لوحدة "شايطيت 13" البحرية في صور لخطف أحد كبار عناصر حزب الله. وعلى الرغم من أننا لم نحصل على الهدف، أجبرت العملية كبار قادة التنظيم التوقف عن الظهور للعلن. كما أذكرُ أنه كانت هناك عملية نفذتها وحدة "ماجلان"، تحمل الاسم الرمزي "بيتش بويز Beach Boys"، حين قامت الوحدة، تحت قيادة قائد المنطقة الجنوبية الحالية، الجنرال اليعازر توليدانو، بالقضاء على العشرات من عناصر الحزب ومصادرة قاذفات صواريخهم في منطقة صور".
وتشير الصحيفة أن هذه العمليات كانت مرتجلة أثناء الحرب. وتم طرحها بعد تعيين روسو، الذي تولى زمام الأمور. ويقول هذا الأخير عن تحضيره للعمليات ودوره الكبير شارحاً "كانت وحدة شلداغ، على سبيل المثال، غير قادرة حتى على القيام بأي مهام هجومية حتى بدأنا العمل، ومنذ ذلك الحين فصاعداً كانوا يعملون كل ليلة تقريباً. تطلب هذا تخطيطاً مسبقاً، ومزيجاً من العمل من كل أجهزة الأمن الإسرائيلية، وجاء التحول الدراماتيكي عندما عمل الجميع معاً. شارك عملاء الشين بيت في عملية "شايطيت 13" في صور؛ ونفذت "سايرت ماتكال" مهاماً مع الموساد، وانضم أعضاء من المخابرات العسكرية الوحدة 504 إلى بعض العمليات. ما يعني وجود الكثير من تشكيلات ووحدات القوات الخاصة والقدرات الخاصة التي زادت من قدراتنا".
ثم استطرد قائلاً "المشكلة أنها كانت عمليات مرتجلة. لو كان هناك حينها هيئة تعمل وتجهز كل شيء مسبقاً، لكانت هذه العمليات قد انتهت بنتائج أفضل بكثير. واليوم، يُكلف "فيلق العمق" ووحدات أخرى بمسؤولية التجهيز والتنسيق".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها