السبت 2021/07/10

آخر تحديث: 13:30 (بيروت)

هل تخلى حزب الله عن بيئته.. ومن يستمع لنصرالله؟

السبت 2021/07/10
هل تخلى حزب الله عن بيئته.. ومن يستمع لنصرالله؟
ولى زمن انتظار خطاب السيد الأمين العام (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
في المساء يصدح صوت دعاء كميل من مسجد بلدة السلطانية الجنوبية، فيضيف كآبة فوق كآبة الجنوبيين. أقفُ على شرفة منزلي وأتفرج على القرى البعيدة الغارقة في ظلام دامس: مجدل سلم، حولا، الجميجمة، وخربة سلم.. ظلام يخترقه بخجل بين حين وآخر بصيصُ ضوء مصباح تجرأ على الإضاءة بعدما قطعت المولدات الكهربائية اشتراكات المشتركين. وغداً يوم آخر، ولن يكون أفضل حالاً. فمع اشراقة شمس كل صباح يكتشف الجنوبيون بعداً آخر للانهيار، يتحدى سذاجة البعض الذي اعتقد أنه وصل إلى القعر.

الدواء في القدس
وفي الصباح أبواب الصيدليات مغلقة، معلنة إضراباً مفتوحاً. وفيما يشتكي أصحابها من قلة أرباحهم وعدم قدرتهم على تلبية حاجات السوق وانقطاع الأدوية، يتهمهم الناس بالاحتكار وتخزين الأدوية لبيعها بسعر أعلى فيما بعد.

ونجحت السلطة بحرف أنظار الناس عنها، أو في ذر الرماد في عيونهم، بعدما جعلت التجار عدواً للشعب: ما سبب أزمة  البنزين؟ التجار المحتكرون والمهربون، يقول الناس. وما سبب انقطاع الدواء؟ التجار المحتكرون كذلك. وهكذا يشخّص الجنوبيون مشكلتهم اليوم، ولا أحد يعترض على هذا التشخيص.

واستيقظ حسن صباحاً وبدأ بحثه الطويل عن دواء لطفله المريض، قائلاً بسخرية مريرة: "باقي كيلومترين وأصل إلى القدس"، فيما هو يقرع أبواب الصيدليات المغلقة، بعدما اجتاز طرقاً كثيرة بين القرى بسيارته التي يكاد ينفد منها البنزين.  

بنزين القضاء والقدر
وفي  الصباح إياه أبلغت المحطات أصحاب السيارات المركونة في طوابير: لا بنزين قبل الإثنين. محطة الوزنة في تبنين فكفكت ماكينات التعبئة وأعلنت توفقها عن العمل حتى إشعار آخر. وجرجر الرجال خيبتهم، طأطأوا رؤوسهم وغادروا تباعاً. من يستطيعون الاستغناء عن سيارتهم أبقوها مركونة أمام المحطات.

لا حركة اعتراض ولا شتائم. فقط عيون سادرة النظرات ورؤوس مطئطئة. لم يحرق رجل حانق سيارته. كأن انقطاع الدواء والمحروقات قضاء وقدر، وليس من شيم المؤمنين الاعتراض على القضاء والقدر. فالشعور العام في الجنوب هو أن الناس متروكة لمصائرها، تساق إلى الذبح بلا مقاومة، ولا بشائر لظهور مخلص.

نور حزب الله واعتزاله
فشل حزب الله في إدارة الأزمة في بيئته الحاضنة والتي يحضنها. التعاونيات التي افتتحها لتأمين المواد الغذائية من إيران والعراق باتت شبه فارغة. ويعتقد كثر أن الحزب إياه استغل الدعم لاستيراد مواد غذائية مدعومة، مستفيداً من  نفوذه في الدولة. وفي أثناء الرفع التدريجي للدعم ترك حزب الله الناس لمصيرهم، وتوقف عن العمل ببطاقة سجاد التي أطلقها العام الماضي.

وافتتح حزب الله في البقاع والنبطية صيدليات على رفوفها أدوية إيرانية وحليب للأطفال. المستفيدون منها يحملون بطاقة نور حصراً. والنور هذا لا يشمل سوى المنتسبين رسمياً إلى حزب الله. ضيّق الحزب إذاً دائرة اهتماماته، لتشمل المقاتلين في صفوفه والعاملين في مؤسساته، تاركاً الآخرين للمجهول. 

دولار الدم والسعادة
يتقاضي عناصر حزب الله رواتبهم بالدولار الأميركي. وهم عاشوا منذ بداية الأزمة وحتى بداية العام الجاري نوعاً من الرفاهية: اشتروا سيارات، بدؤوا ببناء منازل جديدة، غير مكترثين بمصاعب أبناء بيئتهم ومآسيهم الصغيرة والكبيرة الزاحفة. برروا رفاههم قائلين: هذا ثمن تضحياتنا والدماء التي بذلناها.

ومع رفع الدعم عن المواد الغذائية، بدأت القيمة الشرائية للدولار تستعيد قيمتها الحقيقية. وتفاقم أزمات البنزين والمحروقات والأدوية، جعل نمط الحياة رديئاً: ماذا تفعل بالدولار إن كانت السلع والخدمات غائبة؟ حتى عناصر حزب الله بدؤوا بالتذمر من هذا الواقع. ففي جلساتهم الخاصة وتدويناتهم على مواقع التواصل، ينتقدون بخجل طبقة سياسية هم جزء منها.

هزائم العيش والأمجاد
واتصلت عليا بابن أخيها في المهجر. طلبت منه مساعدتها بخمسين دولار شهرياً. ارتفاع الأسعار بات لا يحتمل، ولم تعد قادرة على إطعام عائلتها. وحملة الدولار يساهمون برفع الأسعار، أكانوا مغتربين أو من عناصر حزب الله. وهم يغذون جشع التجار الذي لا ينتهي.

أما الفقراء الذين تعهد حزب الله بحمايتهم والدفاع عنهم، فيعانون بصمت. يبحثون عن أقارب مقتدرين ليساعدوهم. لكن لماذا يا ترى لا أحد يطلب المساعدة من حزب الله؟! لا أحد قط. هل أيقنوا أنه قد انفض عنهم، أم أنهم مدركون في دخيلتهم أن دوره يتعلق بالانتصارات والأمجاد ولا علاقة له بالانهيارات وهزائم الحياة العادية؟!

من يستمع إلى السيد؟
وكان هناك زمن أصبح الآن بعيداً جداً. زمن أفل وابتعد وصار من الذكريات: أيام كانت الطرق تخلو من المارة، ويعم الصمت في أزقة الضاحية الجنوبية وقرى الجنوب، في انتظار خطاب السيد الأمين العام. وكانت كلمته تنبعث من سيارات مسرعة على الطرق تأخرت عن موعدها، ومن الشقق السكنية والبيوت والدكاكين الفقيرة المزدانة بصوره.

زمن شعر فيه الشيعة بالقوة، وكانوا يملكون ما يكفي من الرفاهية لدعم القضية: حرب في سوريا، حرب في اليمن، حرب ضد السعودية، حرب ضد الخصوم في لبنان. أما اليوم فحل زمن مختلف تماماً: زمن بحث كل شخص عن لقمة عيشه بمفرده، بعدما خمدت جذوة روح الجماعة التي تخيم على الجميع.

مشكلة السيد نصرالله أنه لا يزال يعيش في الزمن الماضي، يقول بعض الجنوبيين. يلقي خطباً عن صواريخ دقيقة، عن البحرين والعراق وإيران. خطب حماسية لتجييش المشاعر. ولا زال يقف هناك في العام 2007. يقرع طبول الحرب، فيما يعيش الناس اليوم في زمن آخر. زمن البحث عن دواء ولقمة عيش وصفيحة محروقات للسيارة والمولد الكهربائي. إنه زمن الهشاشة والضعف، إذاً. فإين تبخرت تلك القوة الجبارة؟

في جلسة مع عناصر في حزب الله، بعد خطاب نصرالله الأخير، سأل أحد الشباب: "من استمع لخطاب السيد اليوم؟ هل قال شيئاً جديداً؟" متى يعلن هذا الرجل هزيمته ويوفر على شعبه مزيداً من الخوف والمعاناة المتفاقمة صباح كل نهار؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها