الثلاثاء 2021/06/08

آخر تحديث: 00:02 (بيروت)

نواف سلام كرئيس حكومة في "الجمهورية الثالثة"

الثلاثاء 2021/06/08
نواف سلام كرئيس حكومة في "الجمهورية الثالثة"
نواف سلام: يحب أن يكون عنوان الحكومة العتيدة إصلاحية مؤلفة من مستقلين (Getty)
increase حجم الخط decrease
بات الاعتراف بفشل مساعي تشكيل حكومة جديدة برئاسة زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، ضرورياً. في ميزان التشكيل، وجهة نظر تقول إنّ الطرفين المعنيّين بالتعطيل الحكومي، مستفيدان من كل هذه المهزلة. خصوصاً أنّ ماكينات الانتخابات شغّلت محرّكاتها. محور رئيس الجمهورية، برئاسة النائب جبران باسيل، يعلم أنّ العهد فشل ويحاولة تمضية ما تبقى من عمره في إدارة البلد بالحدّ الأدنى من الخسائر. ومحاولة إعادة تحصيل كل الإخفاقات السياسية والانتخابية والشعبية طوال سنوات العهد، لا يمكن إلا أن تمرّ بهذه المواجهة المعلّبة طائفياً ومذهبياً من خلال تصعيد المواجهة مع رئيس حكومة سنّي من جهة، ومع رئيس مجلس النواب الشيعي.
فهذا التيار لا يعمل إلا بالعصبيات وشدّها. وفي المقلب الآخر، زعيم "المستقبل" ومن خلال التمسّك برؤيته لتشكيل الحكومة يعلم تماماً أنه يعيد تعويم نفسه زعيماً لتيار وطائفة. يضع صيت "العهد القوي" بالحضيض. إذ أنّ عمر الحكومات الفعلية في العهد، يكاد يساوي عمر تصريفها للأعمال مع احتساب تأخير الاستشارات النيابية. وفي قلب هذه المهزلة، عمر اللبنانيين يضيع في يوميات لا تُعد سوى مآسٍ. وفي قلبها، مهزلة وطن ودولة وشعب وكيان.

البديل المطلوب
عاد، إلى أجواء الصالونات السياسية، اسم السفير والقاضي نواف سلام. هو اسم بديل حكومي مطروح منذ السقوط الأول للمنظومة الحاكمة آخر الأيام المجيدة في تشرين الأول 2019. لعلّ إطلالة سلام المتلفزة ليل الاثنين، جاءت لتؤجّج هذه النقاشات خصوصاً أنّ الرجل قدّم رؤيته للبلاد، انطلاقاً من قراءة ولو سريعة لتاريخ أزماته، في حربه وسلمه، ودستوره وقوانينه. يبحث، كما كثيرين، عن مخرج يراه متمثّلاً بـ"جمهورية ثالثة"، تؤسّس على أنقاض كل هذا التاريخ الحافل بالمجازر والإخفاقات والمحاصصات والسرقات والاحتلالات. فنتائج مئة عام من الوجود، بحسب ما يقول نواف سلام، لم ينتج بعد سوى دولة غير مكتملة. دولة ناقصة، ليس فيها من مكان بعد لمفاهيم المواطنة والمدنية والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.

حكومة ومستقلّون
في مقابلته مع برنامج"عشرين-30" على "أل بي سي"، قال سلام إنّ الحكومة المقبلة "يجب أن يكون عنوانها حكومة إصلاحية مؤلفة من مستقلين عن الذين أوصلونا إلى الأزمة، أي ما يفسر على أنها الطبقة السياسية. حكومة تعترف بهذه الأزمة، وتقول لنا كيف التعامل مع الأزمة وتقديم تصوّر شبكات الأمان الاجتماعي". أكد على أنّ النموذج الاقتصادي انتهى، "وعلينا البحث في التوزيع العادل للخسائر الذي تكبّدها الوطن قبل البحث في كيفية النهوض الاقتصادي". قال إنّه على أصحاب المصارف تحمّل الخسارة. وأضاف أنّ المطلوب من الحكومة إعداد التصوّر اللازم لخوض المفاوضات مع صندوق النقد الدولي أو غيره لإنقاذ البلد، إضافة إلى "إعادة الثقة إلى الدولة وجذب الاستثمارات التي لبنان بأمس الحاجة إليها".

البرنامج المطلوب
في المقابلة الأخيرة، ترجم نواف سلام رؤيته. أعاد تفسير مضمون كتابه الأخير، "لبنان بين الأمس والغد" بلغة محكية وعلى الشاشة. الإصلاحات المطلوبة لتأسيس الجمهورية الثالثة تنطلق من تطبيق نصّ الطائف بإصلاحاته المؤجلة منذ 31 عاماً، بدءاً من إعادة ولادة مجلسي النواب والشيوخ. محاولة للخروج من الطائفية القاتلة والمترسّخة، فتُحفظ حقوق الطوائف من جهة، وإعطاء المساحة المطلوبة أمام معيار الكفاءة في وظائف الإدارة العامة ومؤسساتها. وتطبيق الطائف، يعني أيضاً تطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة "التي لم تنفّذ لأن مجموعة حاولت تضييقها للاكتفاء باللاحصرية ومجموعة أخرى أرادت الذهاب إلى فيدرالية مقنّعة" حسب ما قال. إضافة إلى عناوين استقلالية القضاء، وإقامة المحاسبة الجدية في صناديق الاقتراع في قانون انتخابي نسبي "غير مشّوه كما اعتمد في قانون 2017"، مع خفض سنّ الاقتراع إلى 18 سنة وتخصيص كوتا نسائية.

عداء ومصالحة
في هذه الإصلاحات المعروضة، لم يبتدع سلام الكثير. هي أفكار متداولة، منها يعود إلى البرنامج المرحلي للحركة الوطنية قبل 45 عاماً. ومنها ما هو موضع إجماع، ولو كلامي، بعد اتفاق الطائف. ومنها المكرّس في مطالب 17 تشرين. جمع نواف سلام كل هذا، وضعه في الإطار المطلوب، وقدمّه للبنانيين، مع إضافة الثقل السياسي اللازم في حياد ونأي بالنفس ضروريين. الرجل، في تجربته الشخصية والعامة، واحد من أبناء جيل عادى الدولة بمفهومها القمعي والمتحيّز. تصالح معها، ثم انضمّ إليها ومثّلها. اختبر العداء والمهادنة، فخرج بخلاصة القول إنّ الدولة غير مكتملة، "والتغيير في لبنان لا يحصل عن طريق الثورات أو الانقلابات العسكرية، والممرّ الوحيد للتغيير الديمقراطي هو عبر الانتخابات".

اسم نواف سلام، يعود إلى الواجهة. ولو أنّ أمامه "فيتو" عريض. ويكاد يكون "الفيتو" القاتل، إذ أنّ حقّ النقض في البلد بيد طرف وحيد. ولا مفاوضات أو نقاشات مع صاحب "الفيتو"، خصوصاً إن كان مسلّحاً أيضاً. في الاستشارات النيابية في كانون الأول 2019، نال سلام 13 صوتاً (كتلة اللقاء الديموقراطي، حزب الكتائب والنائب نهاد المشنوق). وفي استشارات آب 2020، حصل على 16 صوتاً (كتلة الجمهورية القوية والنائب فؤاد المخزومي). وفي الاستشارات الأخيرة، في تشرين الأول 2020، سجّل صفر أصوات. وهذا التخبّط بمواقف الكتل يدلّ على الكثير.
في المحصلة، تقود زعامات منظومة الحكم البلدَ إلى الانتحار الفعلي. مضى أكثر من 7 أشهر على تكليف الحريري، ولو شكّل حكومته اليوم يبقى أمامه 11 شهراً قبل أن يصبح رئيس حكومة تصريف أعمال، بفعل الانتخابات النيابية المفترض إجراؤها في أيار المقبل. فيبقى اسم نواف سلام، ورقة "جوكر" مؤجلّة من الأفضل الاحتفاظ بها، وعدم حرقها في لهيب سياسي وانتخابي مماثل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها