السبت 2021/06/05

آخر تحديث: 00:08 (بيروت)

لبنان والتعايش بين "تدويل" الجيش و"خصخصة" المقاومة

السبت 2021/06/05
لبنان والتعايش بين "تدويل" الجيش و"خصخصة" المقاومة
استمرارية مؤسسة الجيش اللبناني مرهونة بالدعم الدولي والغربي تحديداً (Getty)
increase حجم الخط decrease

لا تُحْسَد مؤسسة الجيش اللبناني على وضعها. يُقال عن الجيش أنه قوي. لكن كيف سيبقى الجيش قوياً في دولة ضعيفة وفاشلة؟ سؤال من المفترض أن يشغل بال القوى الحاكمة في لبنان. لكن هذه الأخيرة أولوياتها مختلفة، تنحصر في المحاصصة والنهب ضمن لعبة تقاسم غنائم الدولة في ما بينها. لذلك تتعمّد ترْك مهمة الحفاظ على مؤسسة الجيش لقوى خارجية، لدول مثل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وغيرها...

الدعم الأميركي
قصة الدعم الخارجي، الغربي والأميركي بالتحديد، قديمة. بعض الأرقام المتوفرة في وسائل الإعلام يظهر أن واشنطن قدمت، وحدها، مساعدات عسكرية للجيش اللبناني تفوق قيمتها الملياري دولار منذ عام 2007. وهي تتوزع على المعدات والأسلحة والأعتدة العسكرية وخدمات الصيانة والدورات التدريبية على الأسلحة.. حسب ما ورد في مقالة للكاتبة ريما سليم ضوميط، في "مجلة الجيش" (العدد 409 ــ تموز 2019). في أواخر شهر أيار الماضي، كشف الأميركيون عن توجه لديهم لتخصيص مساعدات للجيش بقيمة 120 مليون دولار، عن سنة 2021، بينما بلغت قيمة المساعدات سنة 2020، حوالى 100 مليون دولار.

..والفرنسي
الدعم الفرنسي حاضر أيضاً. بين عامي 2017 و2018، منحت فرنسا الجيش اللبناني مساعدات بقيمة 45 مليون يورو، من ضمنها "أنظمة إطلاق صواريخ"، حسب "مجلة الجيش" (العدد 410ــ411 ــ أيلول 2019). خلال انعقاد مؤتمر "روما 2"، لدعم القوى الأمنية اللبنانية، منتصف شهر آذار 2018، أعلن وزير الخارجية الفرنسية، جان إيف لودريان، أن باريس "ستفتح خطّ ائتمان بقيمة 400 مليون يورو يتيح للدولة اللبنانية شراء الأسلحة والأعتدة العسكرية الفرنسية" لصالح الجيش وقوى الأمن الداخلي. ثمة بيانات وتصريحات رسمية فرنسية تحمل بعداً نوعياً وآخر كمياً: أولاً، باريس تقدم دعماً عسكرياً نوعياً، يمتنع شركاؤها عن تقديمه، حسب تصريح للقائم بالأعمال في السفارة الفرنسية، أرنو بيشو (Arnaud Pescheux) في 30 أيار 2017؛ ثانياً، بحلول عام 2018، بلغت قيمة المساعدات الفرنسية للجيش، على مدى خمس سنوات، قرابة نصف مليار يورو. وفي آذار 2021، قدمت باريس تجهيزات بقيمة 4,2 مليون يورو للجيش.

..والبريطاني
لبريطانيا إسهام كبير أيضاً في عملية الدعم العسكري. قيمة المساعدات البريطانية للجيش اللبناني تجاوزت عتبة الـ100 مليون دولار، بين عامي 2016 و2020، وفق "مجلة الجيش" (العدد 424 ــ تشرين الأول 2020). وفي مطلع عام 2021، قدمت لندن مساعدة بقيمة 1,5 مليون جنيه إسترليني (أكثر من مليوني دولار). أما الغاية الأساسية لهذا الجهد البريطاني، فتتمثل في تعزيز قدرات الجيش على حماية وضبط الحدود البرية شرقاً وشمالاً (...).

الأهداف
كل هذه الأرقام هي كناية عن عيّنة غير شاملة. لكنها تعبّر عن التزام غربي ثابت، يهدف إلى دعم المؤسسة العسكرية اللبنانية، من أجل تطوير قدراتها الدفاعية وتعزيز فعاليتها في ضبط الأمن ومكافحة الإرهاب. بالإضافة إلى ذلك، لا تخفي واشنطن أن أحد أبرز أهداف سياستها يتمثل في عدم ترك الساحة الأمنية خالية لحزب الله، وصولاً إلى حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية لاحقاً. وفق هذا المنظور الأميركي، من شأن ضعف الجيش أو تآكله أن يكرس فراغاً سيكون حزب الله المستفيد الأول منه. هذه هي العناوين العريضة لأهداف الدعم الدولي الذي تم تقديمه للجيش حتى الآن، والذي من المرجح أن تتم إعادة تكييفه مع ظروف الانهيار المالي والاقتصادي في لبنان، أو ما يعرف بـ"الارتطام الكبير".

في ظل الانهيار
تشير تحركات قائد الجيش، الجنرال جوزف عون، إلى وجود مسعى استباقي لحماية المؤسسة العسكرية من تداعيات الانهيار. الرسالة الموجهة للدول الغربية والعربية واضحة: اقتصار الدعم على الأسلحة والعتاد والتدريبات، لم يعد يكفي. الغربيون يدركون ذلك مسبقاً أيضاً. "مجموعة الأزمات الدولية" كانت سباقة، عام 2020، في التحذير من مخاطر تفتت المؤسسات الأمنية بسبب الانهيار المالي والاقتصادي. دوائر صنع القرار الغربية تتحضر منذ مدة لاحتواء الأزمة الآتية لا محالة. سواء عُقِدَ المؤتمر الدولي لدعم الجيش، قريباً، أم لم يعقد، ستكون هناك دينامية دولية جديدة لتمكين الجيش من الحفاظ على عمله الحيوي. من استمرار منح العتاد والأسلحة والذخيرة، إلى ضمان الحصول على قطع الغيار، وصولاً إلى تقديم مساعدات غذائية وصحية، وربماً مالية.

بمعنى آخر، إن استمرارية مؤسسة الجيش اللبناني وقدرتها على الاضطلاع بمهامها وتجنبها أي مظهر من مظاهر التفتت والتحلل، كلها أمور ستكون مرهونة بالدعم الدولي والغربي تحديداً. تَبَلْوُر هذا الدعم بشكل ملموس في الأيام المقبلة من شأنه أن يقطع الطريق على قوى الأمر الواقع والمليشيات التي ستستفيد من انهيار الجيش، إنْ حصل. لماذا؟ لأنها ستبسط سيطرتها بحرية مطلقة في مناطق نفوذها، هي التي تعرف جيداً أن الاستثمار بالفوضى المحتملة يبقى خياراً مربحاً لها. لذلك، يشكل الحفاظ على دور مؤسسة الجيش شرطاً أساسياً للإبقاء على حد أدنى من الاستقرار في البلد. وهذا الاستقرار هو حاجة ملحة لإنجاح مسار التغيير السياسي في المدى المنظور.

يبقى أن الدعم الدولي للجيش اللبناني في زمن الانهيار يثير مسألتين سياسيتين:

أولاً، كيف سيتم التوفيق بين هذه الدينامية الغربية والأميركية الجديدة المحتملة لدعم الجيش، الذي باتت "حياته" رهن "التدويل"، وبين وجود حزب الله الذي كرّس ما يمكن وصفه بـ"خصخصة" المقاومة، والذي يملك جيشاً غير نظامي وترسانة عسكرية بفضل التمويل الإيراني المستمر؟ كيف يمكن للتناقض بين الداعمين والممولين ألا يؤثر على التعايش السلمي بين القوتين المستفيدتين (أي الجيش اللبناني وحزب الله) من عمليتي التمويل؟ هل ستتبع واشنطن سياسة واقعية لتسهيل التعايش السلمي بين الطرفين؟ أم ستضغط من أجل محاولة انتزاع تغيير نوعي على حساب حزب الله؟

ثانياً، إلى أي مدى سيقدم الجيش أداءً يحافظ فيه على مبدأ عدم التدخل بالسياسة واحترام الحريات واللعبة الديموقراطية؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها