الأربعاء 2021/06/30

آخر تحديث: 15:53 (بيروت)

الثنائية الشيعية: الانهيار وإضعاف الآخرين.. نحو لبنان إيراني

الأربعاء 2021/06/30
الثنائية الشيعية: الانهيار وإضعاف الآخرين.. نحو لبنان إيراني
نسخة النفوذ الإيراني في لبنان لن تكون مشابهة لنسختي العراق وسوريا (Getty)
increase حجم الخط decrease

تعمقت الأزمة السياسية اللبنانية فباتت أزمة تقرير مصائر، هذا ما كشفه تباعاً، التعليق الطويل لموضوع تشكيل الحكومة الجديدة، وهذا ما تحمله تفرعات واستطرادات العنوان الحكومي، الذي صار مدخلاً أساسياً، إلى قراءة ما هو معلن، وإلى استقراء ما هو مضمر، لدى التكتلات الأهلية الطائفية.

يدور كلام المتنابذين، طائفياً ومذهبياً، في سياق التحضير لنسخة لبنان الآخر، وينتسب انتساباً مكيناً، إلى محاولة استشراف ما ستسفر عنه خرائط توزيع النفوذ في الإقليم. وفي الأثناء، يحرص المتكلمون على تدوين ملاحظاتهم، في دفتر احتمال الربح، وفي دفتر احتمال الخسارة، وفي دفتر الجمع بين مقادير من الربح، ومقادير من الخسارة.

إذن، يقيم الأهل "كأن الريح تحتهم"، فهذه، إن عصفت، ستصيب "الجسد" الشخصي ذي الهوية المحدّدة، وستصيب البلد الواحد، الذي تتساكن فيه أجساد وهويات، لكن، وفي الحالة اللبنانية، يستحوذ الحساب الشخصي على ما عداه، وقليلاً ما تكترث "الشخصياتية" المتساكنة إلى الشخصية العامة، التي تسمّى وطنية. عدم الاكتراث بالعام سمة سياسية مقيمة، منذ تاريخ لبناني سحيق، وهذا يزخر بأسماء، فردية وجمعية، اكتفت من البلد بحصتها، وسامحت، كل طارئ، بما هو من حصص الآخرين.. حصل هذا سابقاً، وها هو يتكرّر راهناً، بعد أن استعاده اللبنانيون في أمسهم القريب، في صيغة استدعاء وصاية، وفي صِيَغِ التوزّع على أنماط دول، وعلى مرجعيات ولاء واستتباع.

خرائط متبدّلة
سياسة الخرائط، بدأت في العقد الأخير من القرن الماضي. من الحرب العراقية الإيرانية، إلى استدراج العراق إلى فخّ حرب الكويت، ثم الإطاحة بكيان العراق، من ضمن خطّة سياسية أميركية مسبقة، اتّخذت ذريعة لها، من ادعاء امتلاك العراق أسلحة دمار شامل. لاحقاً، وبعد نفاد أحكام الخطة، كشف المسؤولون الأميركيون، زيف ادعائهم، وأماطوا اللثام عن حقيقة هدفهم المتمثل في استباحة المنطقة العربية، من البوابة العراقية، ومن مدخل استثارة النزعات المذهبية.

ضمن هذه الخطة، أُعطيت إيران دوراً "تفجيرياً"، لأنها المرشّحة المُثْلَى لهذا الدور، بسبب من هويتها المذهبية، وبسبب من خسارة حربها الطويلة ضد العراق، وبسبب من شعار "تصدير الثورة"، الذي رفعه النظام الإيراني الجديد.

تأسيساً على ذلك، كان الخلاف الأميركي الإيراني، خلافاً على حدود الدور، وليس خلافاً حول الدور ذاته.

تصدّر الخلاف، الملف النووي الإيراني، لأنه على صلة مباشرة بالأمن الاسرائيلي، أما التمدّد في سوريا، وفي لبنان، وفي اليمن، وفي العراق، وفي غزّة، فقد ظل خلافا مناوراتياً، لأن ميدان أضراره يقتصر على البلاد العربية.

ربطاً بالراهن، وبمفاوضات فيينا، بين إيران وأميركا وبعض العواصم الأوروبية، سيظل الأمن الاسرائيلي هو الأساس، وسيبقى إهمال المنطقة العربية هو الأساس الآخر، وعليه، يجب إعداد العدّة منذ الآن، لمشهد إيراني عربي جديد، في كل من العراق ولبنان وسوريا، وفي جزء من فلسطين، فهذه البلدان ستكون مناطق نفوذ إيرانية، وسيكون لكل نفوذ نسخته الخاصة، التي تتلاءم مع خصوصيته الداخلية. عليه، يمكن القول أن نسخة النفوذ في لبنان، لن تكون مشابهة لنسختي العراق وسوريا، اللذين ستكون لكل منهما نسخته الخاصة أيضاً.

من السياق اللبناني
ربطاً بمقدمة حال التعطيل المؤسساتي، الذي يمسك بالخناق اللبناني، وفي امتداد الحديث عن خرائط النفوذ الجديدة، كيف نقرأ الأداء التمهيدي للثنائية السياسية الشيعية؟ هذه المرشحة لتكون قاعدة داخلية، لاستقبال نسخة النفوذ الإيراني، المعترف بها خارجياً، وما هي الوسائل التي ستستخدمها هذه الثنائية في التمكين لهذا النفوذ، تمكيناً "ناعماً"، حيث يجب، وتمكيناً يلامس "الخشونة" عندما تفرض ضرورات السياسات، خرق بعض المحظورات، المتعارف عليها لبنانياً.

سياسة الإضعاف
لم يأخذ اللبنانيون على محمل التصديق، ما أدلى به حزب الله، عن دوره في الأزمة اللبنانية الحكومية. ما يتردّد، حتى اللحظة، هو التشكيك في "براءته" من جهة، وتوجيه الاتهام إليه، بصفته راعي عملية العرقلة والتعطيل، التي يقودها نهج رئيس الجمهورية وتياره. هذا لا ينفي وجود عامل خاص يتصل بجناح من المارونية السياسية، لكنه لا ينفي أيضاً، أنه ما كان لهذا العامل أن يأخذ البلاد إلى انهيار مريع، من دون سماح ورعاية من قبل الطرف الأوسع نفوذا ضمن الشيعية السياسية.

على رقعة نشر حجارة الخيارات وجمعها، ليس بعيدا تجسد مشهد إضعاف مقصود من مجموع حجارة" الحزب" السياسية.

على صعيد ملموس، يكرّر مسؤولو حزب الله، تأكيدهم على التمسك باسم سعد الحريري، كمكلّف بتشكيل الحكومة المنتظرة، ثم لا يفعلون ما يسهّل ذلك، تسهيلاً ملموساً، مع التيار العوني، حليفهم المقرّب. يتلازم ذلك، مع الاعتراف بدور وصلاحيات الرئيس المكلف، دستورياً، والاعتراف في ذات السياق، بدور وصلاحية رئيس الجمهورية. هكذا يُتْرَكُ ميدان الصراع مفتوحاً، حول الدور والصلاحيات، وحول الدستورية والتجاوز عليها، مما يعمّق الأزمة، ولا يأخذ بيد حالة الصراع، إلى استرخاء يستبق حلاًّ سياسياً ممكناً.

ترك الأمر على غاربه، يستدرج سؤالَ لماذا؟ وسؤالَ من المستفيد؟

جواباً عن لماذا، يعود سياق الإقليم ليقود سياق الداخل. في هذاالمضمار، يجب الانتباه إلى أن الصراع بين الرئيس المكلف، ورئيس الجمهورية، أدّى إلى إضعاف الإثنين معاً، ولأن للرئيسين معنى الرمز، وبُعْد الموقع، فإن إضعافهما مجتمعين، يضعف تالياً، معنى الموقع ورمزيته، الذي ينتسب إليه كل منهما. هذا يعني وفقاً للجملة الطائفية اللبنانية، توجيه سهام الضعف، إلى المارونية السياسية، وإلى السنّية السياسية. ضعف هاتين الكتلتين، يصيب أيضاً، رمزية التسوية التاريخية بينهما، هذه التي نجم عنها قيام الاستقلال اللبناني، بما حمله من نفس العُرْف والميثاق والصيغة.

من المستفيد؟ هو السؤال الثاني. تجيب اليوميات، فتشير إلى إسمه، تصريحاً وليس تلميحاً، تسمّيه سياقاً إيرانياً، في الخارج، وتسميه "الشيعية"، في الداخل.. هذا لأن هذه الكتلة، ستظل الحاضنة الأهلية لما يأتيها من عناصر تفوق، وزناً ودوراً ونفوذاً، من مركز محور المقاومة في إيران.

في صيغة إجمالية، الإضعاف سياسة شاملة، من الاقتصاد إلى الرمزية إلى المعنى، فإلى مستوى التمثيل الذي يتراجع يوما بعد يوم.. هذه السياسة تتيح، في حال اكتمال حلقاتها، فرض نسخة استتباع لبنانية، على رأسها رؤساء "ضعفاء"، وفي قاعدتها جمهور مشرذم يفتقد القيادة الوازنة الموثوقة.. هكذا يمكن أخْذ البلد "سلماً"، لأنه استعصى على كل من حاول أخذه بوسائل غير سلمية.

ونهج استضعاف
يستحق دور الرئيس نبيه برّي، التفاتة مدقّقة لتبيان استهدافه بالاستضعاف، فرئيس المجلس النيابي، الذي سار جنباً إلى جنب، مع حزب الله، لم يكن دائماً على خط السير المتساوي مع شريكه، وهو وإن كان واحداً مع واحد في الثنائية، فإنه كثيراً ما كان ثانياً مع أول، في تراتبية الثنائية.

نبيه برّي القوي في بيئته، والقوي في حركته، وبحركته، لم يعد كذلك اليوم، فلقد أخذت السلطة كثيراً من "حامل الأمانة"، وأخذ نفوذ حليفه في الثنائي، الكثير من مغزى أمانته، بعدما ترك له الكثير من جنّة السلطة.

اليوم، يوكل إلى رئيس الهيئة التشريعية، إخراج ملف الحكومة من عنق الزجاجة، في الوقت الذي لا يساهم فيه حليفه المقاوم، بنزع غطاء الزجاجة، بل ربما يوحي بالاستمرار في إغلاقه.

إلى أي نصّ نضيف جملة إستضعاف الرئيس برّي؟ النصّ الطبيعي، هو ما سبق ذكره، أي نصّ الإضعاف، الذي يكتمل عَقْده بحبّاته الرئاسية الثلاث، عندها يتحول الثقل إلى الموازين الأهلية، وإلى شخصياتها الاعتبارية.. هذا في الحالة اللبنانية الراهنة، يجعل حزب الله، كجناح في الشيعية السياسية، حجر رحى العملية السياسية اللبنانية، بنسختها الاستتباعية الجديدة.

واقع متحول
اقتصرت المقاربة على ما تراه من خطر محتمل على المصير اللبناني، ذلك يعني أن الصورة استندت إلى معطيات الواقع الآن. هل ينسحب ذلك على الغد؟ الأمر ليس على هذا النمط، فلكل سياسة واقعها. هل يبدو في الأفق، ما يخالف القول، بتواطؤ" الشرقي مع الغربي" مع أبناء الجلدة المذهبية أو القومية أو.. على سلّة مصالح، يتقاسمها مدير اللعبة مع اللاعبين؟ لا تقدّم الوقائع جواباً نافياً.

إذن، وكي لا يكون قرار الخارج قدراً في الداخل، ينبغي أولاً إدراك ما يدور حقاً حول المصير الداخلي الوطني، ليكون ممكناً، ثانياً، استدراك الموقف للتخفيف من وطأة إلقاء القبض على وجهة الداخل، إذا كان متعذّرا الإفلات من قيد الإلحاق.

الواقع صعب ومعقّد، لذلك فإن التصدي مهمّة صعبة ومعقّدة أيضاً.. لكن هل من خيار آخر، غير هذا الخيار؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها