الجمعة 2021/06/11

آخر تحديث: 20:48 (بيروت)

قطع الطرق: رسائل سياسية وتعذيب إضافي للبنانيين

الجمعة 2021/06/11
قطع الطرق: رسائل سياسية وتعذيب إضافي للبنانيين
في بعض التحركات الأخيرة رسائل سياسية داخلية واضحة بين قوى السلطة (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
عاد، لبنانيون، إلى ظاهرة الانتفاض في عطلة نهاية الأسبوع. فشهدت مناطق عدة تحركات احتجاجية وحركة قطع للطرقات بالإطارات المشتعلة. فكان هذا المشهد في النبطية الفوقا، الناعمة، تعلبايا، كورنيش المزرعة وطرابلس. وسرعان ما تدخّلت القوى الأمنية في المناطق المذكورة، عدا النبطية والمزرعة، لفتح الطرقات وتسليك السير وإعادته إلى طبيعته. وقد يكون في ردّ فعل "الدولة"، المختلف بين منطقة وأخرى، مؤشر واضح على أنّ ثمة "أمن" بسمنة و"أمن" بزيت. كما فيه دلالة واضحة على وجود رسائل سياسية داخلية بين قوى السلطة. النبطية معروف حاكمها، وكورنيش المزرعة معروف أيضاً محرّكه.

انتفاض وإحباط
الاحتجاج على كل ما يعيشه المواطنون من أزمات ذلّ وعوز وحرمان، واجب أخلاقي. هو أدنى ردود الفعل المنطقية على البؤس الذي كرّسته منظومة الحكم في يوميات اللبنانيين. وفعلياً، النَفَس الاجتماعي العام، أقرب إلى الإحباط منه إلى الانتفاض. إلى الاصطفاف في طوابير محطات البنزين بدل الانتظام في التحرّكات. إلى التجوال بحثاً عن دواء مقطوع بدل المضي في مسيرات شوارعية تنده لإسقاط المنظومة. وفي كل هذا المشهد، لا يمكن لوم الناس. كثيرون منهم، حاول. ملؤوا الشوارع. قطعوا الطرقات. احتلّوا وزارات. حاصروا جلسات نيابية. أسقطوا حكومتين. والنتيجة، إما السحل في الشوارع أو المحاكمة العسكرية، أو حتى قتل في انفجار، ولا حدّ أدنى من تغيير منشود.

المقوّمات المفقودة
استعادة الرغبة في التغيير، استعادة النَفَس في الشارع، يستوجبان حداً أدنى من المقوّمات. والمنظومة نسفت كل تلك المقوّمات على مدى العامين الأخيرين. فعمّمت الإفلاس في البلاد، وقطعت الدواء والمحروقات والكهرباء والغذاء. نجحت في تغليب الهمّ اليومي، الفردي، الأُسري. فذاب الهمّ الجماعي وانتفى إلا من بيانات، وفي مواقف، عدد من المجموعات المنظّمة وبعض الشرائح المقتدرة على تجاوز تلك الهموم اليومية. ولا يعني ذلك حكماً أن كل من لا يزال ينده لانتفاضة تشرين وإسقاط السلطة ومنظومتها مقتدراً. بل إنّ الآذان التي يجب أن تسمع كل هذه الدعوات والتحريض الشعبي والسياسي المطلوب، صُمّت وانشغلت. باختصار، بين البحث عن بديل السلطة والبحث عن بديل دواء ضغط مقطوع، الأولوية للأخير، للأسف.

أسئلة بديهية
بالعودة إلى مشاهد قطع الطرقات اليوم، كيف يمكن تفسير هذه التحرّكات بعد ظهر يوم جمعة على باب عطلة الأسبوع؟ كيف يمكن فهمها على أنّها غير موّجهة سوى ضد المواطنين حصراً؟ لماذا قطع الطرقات نهار الجمعة تحديداً؟ لماذا ليس الإثنين أو الأربعاء؟ لماذا ليست موجّهة ضد مراكز سلطة القرار؟ لماذا لا تحاصر منازل رؤساء ونواب ومكاتبهم؟ لماذا لا تستهدف موكباً سياسياً هرّب الأموال إلى الخارج أو صادر سيادةً أو سهّل فساداً وحماه؟ لماذا لا تطوّق تاجراً يحتكر البضائع؟ وكل هذه الأسئلة مشروعة، وتجرّ معها تساؤلات أخرى. ماذا لو رميَ نائب معرقل ومعطلّ، أو محتكر، أو فاسد، في مستوعب نفايات ونُشرت صورته؟ الذلّ لا يردّ إلا بالذلّ. هكذا بسلمية تامة، من دون ضربه ولا الاعتداء عليه. نائب وسط القمامة. خسّ عفن فوق رأسه. وحفاض رضيع، وهو ضحية سهلة (الآن وبعد عقد)، يكمّم فمه. صورة لا تخلو من الشاعرية دون شكّ.. لكن ثمة من وعد الناس بزّخات رصاص لو حاصروا منازل النواب.

في أيام تشرين المجيد، عام 2019، انبرت ماكينات السلطة لمطالبة المنتفضين بالامتناع عن قطع الطرقات. ونفّذت القوى الأمنية والعسكرية مطلب المنظومة. حوّلت تلك الماكينات الناس المنفتضة إلى قطّاع طرق، يمنعون الموظفين من الوصول إلى أشغالهم، ويساهمون في تدمير عجلة اقتصادية رثّة. فخرج إلى العلن المبدأ الحقوقي والإنساني، بـ"حق التنقل"، وتمّ تغليبه على جملة من الحقوق البديهية الأخرى، في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسلامة الشخصية والحريات، في حق المسكن والغذاء والطبابة والعدالة. بعد أكثر من عام ونصف على تشرين 2019، ليس من حاجة لقطع الطرقات. طوابير محطّات البنزين تتكفّل بذلك.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها