الإثنين 2021/05/31

آخر تحديث: 12:11 (بيروت)

عونية وحريرية: في مركز السلطة على هامش النظام

الإثنين 2021/05/31
عونية وحريرية: في مركز السلطة على هامش النظام
الحالة العونية والحالة الحريرية تشتركان في سعي سلطوي واحد (الأرشيف، المدن)
increase حجم الخط decrease

العونية والحريرية لم تكتسبا صفة الظاهرة الراسخة في بنية النظام، ولم تتجاوز تسمية التيارين، اللذين ما زالا "نَكِرة" في البنية، وإسماً عَلَماً في السلطة، وفي الصراع على أدواتها التنفيذية، وعلى مراكز القرار التابعة لها.

الحريرية وافدة، وهي سابقة على العونية، وتختلف عنها في خطابها السياسي وفي أصل نقطة ارتكازها. جاء الرئيس رفيق الحريري محمولاً على برنامج إعادة الإعمار، بعد وقف الحرب الأهلية، وجاء الرئيس ميشال عون، محمولاً على مآزق تسوية الطائف، وعلى إعادة انبعاث الحرب الأهلية الباردة بين اللبنانيين. في هذا الإطار، كان على الرئيس المكلّف الحالي، سعد الحريري، استكمال مشروع الحريري الأب، بعد أن فقد المشروع مستنداته الأهلية الداخلية، وكان على رئيس الجمهورية الحالي، أن يبدأ مشروعه الخاص، الذي تأخّر منذ كان الرئيس طامحاً في قصر "الشعب"، وقبل بلوغه القصر، الذي عاد إلى إسمه الحقيقي، قصر بعبدا، وفي امتداد فقدان زخم صوت "يا شعب لبنان العظيم".

تشكّل "العونية والحريرية"، طَلَع من مكان واحد: هامش النظام. ووجهة سير كل منهما كانت وما زالت، مركز السلطة، واستطراداً، أو بناءً عليه، دار الصراع على البقاء في المركز السلطوي الأقوى في رحاب السلطة، لأن الخروج منها، يعادل الخروج من المركز السلطوي إلى هامش النظام التكويني اللبناني، لأن الحرب العونية، مثل الحريرية، ليستا حركتين مؤسستين كيانيتين. ورئيسا التيارين، ليسا من ورثة التقليد اللبناني الأصلي، وهما لا يمتلكان ذاكرة التسوية اللبنانية التاريخية، ولا ذاكرة ميثاقها، ولا ذاكرة توازناتها وتدوير زواياها. الرئيسان، ومن دون افتئات، أو من دون الذهاب بعيداً من الصواب، خرجا من مدرسة "حريرية اقتصادية"، ومن "ثكنة عونية" عسكرية، وفي هذال المجال، يصعب التمييز جوهرياً، بين تعنّت "الاقتصادي" وانغلاقه، وبين عناد "العسكري" وإقفاله، ذلك أن الصراع يدور على مبرّر الوجود السياسي، تأسيساً على البقاء في مركز السلطة، لأن الظاهرتين، غير البنيويتين، لن تكونا حاضرتين حضوراً وازناً، إذا ما تركتا على قارعة صناعة القرارات السياسية، وفرض عليهما الجلوس على مقاعد الجمهور، الخلفية.

التيار العوني
دراسة واقع التيار التفصيلية، لا تستطيع القفز فوق إسم المؤسس. إسم التيار الوطني الحرّ، سيظلّ "إسماً حركياً" للرئيس ميشال عون، فالتيار اجتمع حول "الشخص"، ثم قال قوله، ثم وُلد على يديه، ثم استمدّ قوة تماسكه من وجود "العماد"، وها هو يتنفّس من فضاء الموقع الرئاسي الأول، الذي آل إلى فخامة الرئيس العماد.

تعريض بنية التيار لقراءة تكوينية اجتماعية، من شأنه أن يقدِّم لوحة عن واقع الانتساب الاجتماعي لعديده، وعن المعدل الوسطي لأعمار ذلك العديد، وعن لوحة الفئات الاجتماعية التي يتحدَّر منها. هذا ضروري لدى محاولة فهم آليات تماسك التيّار، وديناميات حراكه. إذ لا يكفي في المجال السياسي، اختزال حزب ما إلى إسم رئيسه، بل يمكن فهم دور رئيسه في تماسكه، وفي أدائه، وفي طريقة صناعة قراراته.. ما ورد وسواه، قابل للبحث "المادي"، استناداً إلى الأسماء والأرقام والوقائع، وقد لا يكون الاختلاف في الخلاصات حول اللوحة العيانية، لكن الخلاف والمخالفة، سيظلان حاضرين في الخلاصات السياسية الأساسية، التي يقع عليها عبء فرز الحكم السياسي الواقعي عن الرغبات الشخصية الذاتية، وفي هذا المجال، على كل قارئ من خارج التيار، أو الحزب، أن يقرأ لذاته، وأن يقرأ في قراءة موضوع الحزب أو التيار، بعين مدققة، وبنظرة أرحب من كل قراءة شخصانية.

وانسجاماً مع رأي ربط التيار بمؤسسه، وبناءً عليه وعلى ما ظهر من سياسات "عائلية" ارتدت لبوس السياسة، يمكن ترجيح تزعزع التيار الوطني الحرّ، لدى خروج مؤسسه من سدّة الرئاسة، وقد يكون الأمر متصلاً بتفكك التيار، بعد غياب هذا المؤسس. ظاهرة التفكك والانحلال، وتراجع الحضور وضمور النفوذ، أصيبت بأعراضها أحزاب كثيرة، علمانية وقومية وطائفية، وفي لبنان شواهد كثيرة على ذلك، بل لعل لبنان ينفرد من بين أقرانه العرب، بكثرة أسماء "الأحزاب"، وبقلّة فعل ما تبقى من بناها الهامشية.

التيار الحريري
لا يختلف واقع تيار الحريري عن واقع التيار العوني، فما هو معروض في حديث البنية عن التيار الوطني الحر، مُقترح أيضاً على كل دراسة تستهدف بالمعاينة والخلاصات، تيار المستقبل. ثمّة تنوع على صعيد البنية لدى كلا الطرفين، لجهة غلبة الانتماء الريفي على المديني، وعلى صعيد الفئات الاجتماعية الموزّعة على الشرائح ذات التحصيل العلمي، وذات المراكز المهنية. هذا التنوع مصدره البيئة الجغرافية، والسكانية التي ينتمي إليها منتسبو التيارين.

لكن المشترك بين التيارين يظل متعدد المصادر، فهناك جهة عدم القدرة على الانفراد ضمن البيئة المذهبية والطائفية لكل منهما، وكما ينافس التيار العوني مع أطراف تمثيلية وازنة في بيئته، ينافس التيار الحريري على استمرار الإمساك بصدارة تمثيل بيئته، التي نبت فيها منافسون اقتصاديون جدد، أضافوا منافستهم إلى منافسة ما بقي من "العائلات السياسية" صاحبة النفوذ السياسي التكويني الموروث. وإذ تبدو معركة الحريرية أسهل نسبياً، لسبب من وجود الأسماء العائلية الوارثة، فإن معركة العونية أصعب بكثير، خصوصاً في مواجهة القوى الحزبية، والعائلية السياسية، التي لم تقبل السعي الانفرادي العوني للفوز بالحصة الأكبر من القرار السياسي، وهي، أي القوى، ما زالت تعتقد أن العونية حالة طارئة، لا تلبث أن "تذهب" مع ذهاب مؤسسها.

خلاصات
تقدم الحالة العونية، والحالة الحريرية، نموذجاً لحالتين على التقاء وعلى افتراق، وهما تشتركان في سعي سلطوي واحد، وفي هامشية نظامية بنيوية واحدة. الحالتان، بناء على التقدير الآنف، تصارعان من أجل الاستمرار الوجودي في السلطة، في سعي للترسخ كحالتين مستدامتين في بنية النظام ذاته. هذا السعي يستند إلى التطورات التي أصابت البنية اللبنانية الموروثة، وما زالت آثارها وتجلياتها تتوالى تباعاً، ويستند إلى التطورات العاصفة، في الإطارين العربي والدولي. إذ لا يخفى أن متغيرات متوالية أصابت التوازنات الدولية، فالإقليمية، فالعربية، وأن ثوابت كثيرة في كل الميادين المشار إليها، حملتها رياح العواصف العاتية، التي ما زالت تضرب في كل اتجاه.

ختاماً: هل سيظلّ كل صراع وجودي بين الطوائف والمذاهب صراعاً على المصير اللبناني؟ وهل سيستمر كل توجّه اجتماعي إلى الإصلاح والتغيير مقيّداً بقيود الاصطفاف الأهلي وصراعاته؟ وهل سيبقى لبنان، وبإرادة ساكنيه، مسرحاً لصراع المنازعات الدولية؟ يبدو أن الأمر ما زال مفتوحاً على كل الأجوبة! وكل جواب ما زال مفتوحاً على أزمات متوالية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها